إيران و"فاتف": بوابة الاستثمار يسدها الخلاف على "الإرهاب"

11 يونيو 2018
وافق البرلمان على تأجيل التصويت لشهرين (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -


نجح نواب إيرانيون، يتخوفون من الانضمام إلى اتفاقية مجموعة العمل المالي، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف"، المخصصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بتأجيل التصويت على ذلك في البرلمان، الذي كان مقرراً أمس الأحد. ووقّع نحو 50 نائباً على عريضة تطالب بالتريث إلى حين معرفة نتائج الحوار الدائر حالياً بين طهران والأطراف الباقية في الاتفاق النووي، بعد انسحاب أميركا منه، وعلى رأسها الأوروبية منها، فلم يعترض رئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، على ذلك، على الرغم من أنه من مؤيدي الانضمام إلى مقررات "فاتف"، بحسب ما ذكرت مواقع إيرانية عدة. وصوّت 138 نائباً بالموافقة على التأجيل لشهرين، بينما رفض 103 هذا الأمر.

وأثارت هذه القضية جدلاً واسعاً، خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة، بل ووصفت بأنها أكثر القضايا خلافية أمام البرلمان في دورته الحالية، فقد تركت تبايناً شديداً في وجهات النظر، التي أثرت عليها التطورات التي لحقت بالاتفاق النووي، وعدم نجاح إيران بحصد مكتسباته، لا سيما المالية والمصرفية، حتى قبل انسحاب واشنطن منه الشهر الماضي. وتعمل مجموعة "فاتف" على تنفيذ أحكام اتفاقيات الأمم المتحدة المرتبطة بمكافحة الجريمة المنظمة، والمعروفة باسم "باليرمو"، وتختص بمسألة مواجهة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ما يعني أنها تفرض أنظمة رقابة مشددة لمنع هذه الجرائم. وتأسست "فاتف" في عام 1989 باقتراح من مجموعة الدول الصناعية السبع، لتتخصص ببحث قوانين مكافحة تبييض الأموال في الأسواق العالمية، وهي تعقد اجتماعاتها مرة كل عدة أشهر، لتقدم معلومات حول أسواق الدول وتحذر المستثمرين من وضع أموالهم في الأماكن التي تبعث نشاطاتها على الشك.

وبعد الهجوم الذي طاول مركز التجارة العالمي في نيويورك في عام 2001، تطور عمل هذه المجموعة كثيراً، وباتت بمثابة الرقيب على أسواق الدعم المالي للإرهاب، وأصبحت تقدم تقارير حول الشفافية وقوانين الضرائب في الدول، إلى جانب تحققها من نسبة المخاطرة التي قد يتعرض لها الاستثمار في بعض البلدان. وتفرض توصياتها الأربعون قوانين مشددة وتصنف الدول على أساسها. وأسست مجموعة العمل المالي قائمة سوداء تضع عليها البلدان الأكثر خطراً على الاستثمار، وأن نشاطاتها مثيرة للشكوك أو قد تكون تساهم في دعم الإرهاب أو لا تقف في وجه تبييض الأموال. وفي عام 2009، وضعت إيران إلى جانب باكستان، وأوزبكستان وتركمانستان، قبل أن تتقدم كثيراً في سنوات لاحقة، إذ باتت إيران على رأس القائمة إلى جانب كوريا الشمالية.




وفي تقرير صادر عنها في عام 2016، أبدت مجموعة العمل المالي قلقاً من عدم قدرة إيران على تبديد القلق المتعلق بنشاطاتها، بل واتهمتها بدعم الإرهاب بشكل صريح وصنفتها كتهديد على النظام المالي الدولي، وهو أساساً أحد أسباب عدم اتصالها بهذا النظام رغم التوصل إلى الاتفاق النووي منذ ما يقارب ثلاثة أعوام، ما عطّل صفقاتها الكبرى. وحاولت إيران، خلال السنوات الماضية، القيام ببعض الإجراءات التي من شأنها سحب اسمها من القائمة السوداء، وهو ما سيصب لصالح الاستثمار والاقتصاد في البلاد، كما يقول الموافقون على الانضمام إلى الاتفاقية، من قبيل حكومة الرئيس حسن روحاني ومؤيديها من المعتدلين والإصلاحيين على حد سواء، فعدلت البلاد قانون الضرائب، كما قدمت الحكومة مشروعاً للبرلمان صاغه النواب بالفعل قبل مدة، فأصبح لدى البلاد قانون خاص بعنوان "مكافحة الدعم المالي للإرهاب". وأكد في أحد بنوده أن من يصنف المجموعات إرهابية هو مجلس الأمن القومي الأعلى، لا أي جهة ثانية. وحضّ روحاني ومن معه على التصويت إيجاباً على الانضمام إلى مقررات "فاتف" بما يصب في مصلحة البلاد ويبعدها عن تصنيفها كسوق خطرة على المستثمرين. واعتبر نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي مطهري، بعد التصويت بالموافقة على التريث، أن الموافقة على مقررات "فاتف" سيصب في مصلحة إيران، مشدداً على أنه لا يوجد أي ارتباط بينها وبين الاتفاق النووي. ونقلت وكالة "فارس" عن مطهري قوله إن قرار النواب مستقبلاً وتصويتهم هو ما سيحدد النتيجة، مؤكداً أن التريث يهدف للحصول على مزيد من الطمأنينة، وللتأكد إن كان الغرب سيساعد إيران في اتفاقها النووي، وهو ما قد يجعلهم يوافقون على الانضمام إلى اتفاقية جديدة، قد تساعد البلاد مالياً.

على الضفة الثانية، يبدو قلق المتخوفين منطقياً كذلك. ويحذر هؤلاء، لا سيما المحسوبين على المتشددين من الطيف المحافظ، من مسألة المطالبة بتقديم معلومات عن النظام المالي الإيراني، ونقلها لأطراف ثانية عبر هذه المجموعة، بالإضافة إلى أن "فاتف" قد تلزم إيران بما هو أبعد من العناوين المالية. وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، حسين نقوي حسيني، إن الانضمام إلى هذه الاتفاقية لا يرتبط أساساً بقرار إلغاء العقوبات عن إيران، بل إن مقررات "فاتف" بمثابة حظر جديد. واعتبر أن التاريخ سيسجل قرار البرلمان حول هذه القضية، معرباً عن أمله أن يتصرف الكل بمنطق وحكمة، وأن يتخذوا قرارهم بما يحقق المصالح القومية. وقال "لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار تحقيق الفوائد والمكتسبات حين تقرّر البلاد الموافقة على أي معاهدات". ورأى أن الاتفاق النووي، ورغم كل ما حصل، أثبت للعالم أن طهران أهل للحوار والدبلوماسية وبأنها تلتزم بتعهداتها، وأثبت أن أميركا على عكسها تماماً، واصفاً الانضمام إلى "فاتف" بالخطر الحقيقي، كونه يسمح لأعداء إيران بالإشراف على نظامها المالي، وهو ما قد يحدّ من قدراتها على مواجهة العقوبات.

من ناحية أخرى، يتساءل بعضهم عما إذا كانت إيران ستصبح ملزمة باتباع قرارات عقوبات أميركية ودولية تفرض على الأفراد والشركات. وطرح بعضهم اسم قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، كمثال، فهو بالنسبة لبعض الأطراف الغربية يساهم في دعم ما يصنفونه إرهاباً، وهذا مختلف تماماً بالنسبة لإيران. وهذا الأمر يفتح باب التركيز على مسألة اختلاف تعريف الإرهاب، فطهران ملتزمة بدعم فصائل المقاومة، من قبيل "حماس" أو "حزب الله" كما يصنفها مسؤولوها، لكنها هي ذاتها، وفقاً لجهات ثانية قد تصنف إرهابية، والموافقة على معايير "فاتف" قد يعني خطراً على إيران من هذه الناحية، كما يشير المعترضون. هذا التخوف الذي زاده انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وفتح ملفات ضاغطة أخرى من قبيل دور طهران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي، جعل الجدل يصل إلى الشارع، فخرج محسوبون على المحافظين كذلك واحتجوا أمام البرلمان ليل السبت الماضي، فيما وقّع نحو 50 ألف شخص على عريضة أثناء تظاهرات يوم القدس العالمي الجمعة الماضي. وطالب هؤلاء بعدم الموافقة على الانضمام إلأى مقررات مجموعة العمل المالي وعدم الثقة بالجهات الغربية، كون ذلك قد يهدد مبادئ رئيسية في البلاد.

المساهمون