إيران وشوارع الموالين والمحتجين: الأسباب وتغريدات ترامب والاتهامات الداخلية
خارطة الشارع
تتباين المواقف اليوم حول ما تشهده البلاد باختلاف المناطق وتركيبتها السكانية ووضعها المعيشي، حتى إن توزّع قوات الأمن في مواقعها، اعتمد كثيراً على هذه العوامل، فعلى سبيل المثال بقي الانتشار الأمني ملحوظاً في مناطق من جنوب العاصمة، بينما لم تشهد مناطقها الشمالية أو حتى الغربية هذا الزخم الأمني، رغم عدم غياب عناصر الأمن عن شوارعها، وهو ما يرتبط بشكل أو بآخر بالوضع المعيشي، فالحالة المادية للشرائح التي تقطن الشمال مثلاً أفضل بكثير من غيرها. ويتحدث كثر في طهران وحتى خارجها، عن تأثّرهم سلباً بالأحداث، هؤلاء هم من الكسبة والعمال وأصحاب الوظائف الحرة وحتى الباعة ممن تعطّلت أشغالهم بسبب التخوّف من أعمال الشغب أو من الاشتباكات مع قوات الأمن. في المقابل، باتت الأسباب المرتبطة بخروج احتجاجات اقتصادية تطورّت لسياسية في بعض مناطق الأطراف، أكثر وضوحاً الآن. وبإجراء تدقيق بسيط في الظروف المعيشية فيها، يبدو واضحاً أن المناطق الحدودية من قبيل تلك الواقعة شمال غربي إيران هي التي يوجد فيها أعلى معدلات للبطالة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "إيران"، فإن هناك حالة من عدم الرضا الاجتماعي في تلك المناطق، لربما كانت السبب في ظهور الاحتجاجات وتطورها لاحقاً. ففي محافظة كرمانشاه التي ضربها الزلزال منذ فترة، هناك أوضاع سيئة في عدد من القرى والمدن، فضلاً عن أن الإحصاءات تؤشّر لوجود 295 ألف نسمة من أصحاب الوظائف في مدينتها الرئيسة والمسماة كرمانشاه كذلك، مقابل 43 ألف شخص عاطل عن العمل، وهو ما يجعلها في المرتبة الثانية عشرة بين مدن إيران بمعدل بطالة يبلغ 24.1 في المائة. وتحتل مدينة إيذه المرتبة 31 بين المدن الإيرانية بمعدل بطالة يبلغ 18.3 في المائة، وفيها 11 ألفا و735 شخصاً عاطلون عن العمل. وفي منطقة ممسني، أكثر من سبعة آلاف شخص يعانون البطالة، كذلك هو الحال في دورود التي سقط فيها أول قتلى الاحتجاجات.
أما مشهد التي خرجت منها الشرارة، فيزيد عدد سكانها في سن العمل عن مليون نسمة، ويوجد فيها أكثر من 117 ألف عاطل عن العمل. ومن بين 751 ألف شخص في المرحلة العمرية ذاتها في أصفهان، هناك أكثر من 215 ألف شخص يعانون البطالة. والجدير بالذكر أن لمناطق محافظة أصفهان التي تكرّرت فيها الاشتباكات وإطلاق النار أكثر من غيرها، خصوصية أخرى، فهي المحافظة التي شهدت اعتراضات متكررة على عدم دفع رواتب متقاعدي معامل الصلب العام الفائت.
من جهة أخرى، تكرّرت التصريحات الرسمية التي أكدت ارتفاع عدد المعتقلين، وهناك مصادر غير رسمية تؤشر لوجود أكثر من ألف معتقل، ومنهم من لا يتواصل مع عائلاته، وتمت الإشارة إلى هذا خلال زيارة قام بها المدعي الإيراني العام محمد جعفر منتظري لسجن إيفين للمعتقلين السياسيين في طهران، فسمح للموجودين هناك بإجراء اتصالات بعائلاتهم، بحسب ما ذكرت بعض المواقع، فيما طالبت مواقع الخارج بتحديد هوية هؤلاء ونشر أسمائهم والإفراج عنهم.
لكن شرائح واسعة من الشارع الإيراني تأثّرت بالفعل في المواقف التي بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يطلقها منذ اليوم الأول لاحتجاجات إيران، والتي يرى كثيرون داخل إيران وخارجها أنها في النهاية تصبّ في مصلحة السلطات والنظام.
وحين يدور الحديث عن التشجيع الأميركي بقيادة ترامب وحتى ذاك السعودي، فستتوقف شريحة كبيرة من الإيرانيين عند الأمر. وبعضهم طالبوا بالفعل بعدم استغلال مطالبهم الحقيقية، فالواقع التاريخي الطويل لهذا البلد والتركيبة الاجتماعية تجعل الأمر عاملاً حاسماً على الأرض، وهذا هو المسبب الرئيس لخروج التظاهرات المؤيدة التي انتقدت تلك الأطراف، فضلاً عن معارضة الخارج التي تشمل مجاهدي خلق ومؤيدي الملكية. يضاف لهذا كله مسألة عدم انضمام الشرائح الفاعلة للاحتجاجات الاقتصادية، كطلاب الجامعات وحتى جمهور الإصلاحيين في المدن الكبرى، فكان هذا عاملاً قلّص من الزخم.
الأطراف السياسية
الطرف الأوّل المعني بما يجري هو حكومة الاعتدال برئاسة حسن روحاني، فبعد فترة من الاحتجاجات، حاولت تقسيم مسؤولية ما جرى ليكون على عاتق الجميع. وبحسب مصادر مقربة من الحكومة، فإن هذه الأخيرة ترى أن الطيف المحافظ شجّع خروج هذه الاحتجاجات منذ البداية، ولربما كان على ثقة أنه يمكن احتواؤها. وسبب هذا التشجيع يرتبط بالمكتسبات التي استطاع روحاني تحقيقها اقتصادياً، فعلى الأقل استطاع إلغاء العقوبات وتغيير وجه إيران أمام المجتمع الدولي، بحسب وجهة النظر الحكومية. وقد يكون الأمر مرتبطاً بعدم تقبّل المحافظين للخسارة أمام المعتدلين في أكثر من استحقاق انتخابي جرى خلال السنوات القليلة الماضية، وما حدث قد يساعدهم مستقبلاً.
ويمثّل الإصلاحيون الطرف الثاني، فهؤلاء الداعمون لروحاني، يؤكدون اليوم على ضرورة إجراء إصلاحات بما لا يجرّ الأمور نحو مشكلات أكبر. أمّا الناشط والصحفي الإصلاحي المعروف صادق زيبا كلام، فكان له وجهة نظر مباشرة مفادها أن "إلقاء اللوم على الخارج في كل ما يحصل لا يحل شيئاً"، مضيفاً أنّ "الرئيس يحاول القول إنه لا مانع من التعبير عن حالة عدم الرضا شرط أن يكون ضمن إطار القانون، والمعتدلون من كلا التيارين المحافظ والإصلاحي يتبنون وجهة النظر ذاتها، لكن هذا لا ينفي ألاّ يعترف الكل بوجود مشكلات حقيقية، فعليهم الجلوس لتحديدها حتى لو كان ذلك خلف أبواب مغلقة، ليتعاملوا مع الاحتجاجات الحقيقية بعيداً عن سيناريوهات المؤامرات والفتنة".
أما المحافظون، فهم الطرف الثالث والأكثر تأثيراً في الحقيقة. هؤلاء برمّتهم يتبنون وجهة النظر المنتقدة لعمل الحكومة اقتصادياً ومعيشياً، ويصفونها بالمقصرة، لكنهم ليسوا مع سيناريو انحراف البوصلة منذ اليوم الأول للاحتجاجات، ويرون في ذلك تحريضاً خارجياً بالمطلق. وقد كتب عبد الله غنجي، رئيس تحرير صحيفة "جوان" المحافظة، أن "ما يجري لا يشبه ما حدث في 2009، ولا يمكن القول إن للإصلاحيين دورا في ذلك، وبناء على هذا يجب التوقف عند الاحتجاجات التي خرجت في طهران بالذات، مؤكداً أن 60 في المائة من قاطنيها، و54 في المائة من سكان المناطق الثانية ممن خرجوا في التظاهرات المنتقدة للنظام، تأثّروا بقنوات المعارضة الخارجية".
المؤسسة العسكرية
الجيش الإيراني والحرس الثوري أبديا استعداداً كاملاً للنزول على الأرض للتعامل مع الاحتجاجات التي تهدد النظام بحال الحاجة لذلك، قائلين إن هذا لم يحصل حتى الآن كون قوات الأمن التابعة للشرطة وحتى الشارع نفسه كانوا قادرين على التحكم بالأمور بأنفسهم. في المقابل، كان لتصريحات قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري صدى بالغ، فهو من أعلن انتهاء ما سماه بالفتنة، بالتزامن وإعلان مشابه لروحاني الذي توقّع أن تهدأ الأوضاع خلال أيام وجيزة خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء.
وأعرب جعفري عن جهوزية الحرس لتزويد الحكومة بما تحتاج لتحويل "نظرية الاقتصاد المقاوم" لواقع عملي، وهي النظرية التي يؤيدها المحافظون وتعتمد على الكفاءات المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وعدم الالتصاق بصادرات النفط، ولم يطبقها روحاني الذي يفضّل الانفتاح على الخارج حتى الآن، وهذا يطرح تساؤلاً عمّا إذا كان الحرس سيعود للاقتصاد من أوسع الأبواب، ولا سيما أن روحاني نفسه كان قد انتقد هذه المؤسسة بوضوح، مطالباً إياها بكفّ اليد عن مؤسسات البلاد الاقتصادية، وهو ما فتح نار الجدل بينهما، وهي السيطرة التي اتسعت خلال زمن العقوبات النووية في محاولة لإنقاذ إيران من التبعات الخطرة، وهذا كله يؤشّر لمعادلات مستقبلية ثانية بحال تقارب الطرفين.
أين نجاد من كل هذا؟
لم يصدر عن الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد تعليق حول ما جرى، والتزم الصمت هو ودائرته، وهم من أثاروا البلبلة وصعّدوا من الخلافات مع السلطة القضائية وأطراف محافظة ثانية أخيراً، ما جعل البعض يتوقعون أن تكون الاتهامات التي جاءت على لسان جعفري والمرتبطة بوجود "مسؤول سابق ضالع بالاحتجاجات في مشهد" لم يحدد هويته، موجهة لأحمدي نجاد نفسه، أو ربما لأشخاص آخرين كانوا في الحكومة سابقاً، وهم على علاقة بمدير قناة "آمد نيوز" المعارضة روح الله زم، وهو صحفي إيراني معارض والده رجل الدين المعمم محمد علي زم الذي تولى مسؤوليات عدة في إيران وترشح للانتخابات التشريعية وتبرأ من ابنه في وقت سابق.