إهدار "كرامة" بنغازي... هكذا دمّر حفتر أكبر مدن الشرق الليبي

بنغازي

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
20 يوليو 2017
BB140785-0A4E-4B55-8777-EFBA87182292
+ الخط -
استقرت أسرة الحاج خليفة بالأعمى المكونة من ثمانية أفراد في مستوصف حكومي في منطقة بنينا شرقي مدينة بنغازي بعد نزوحها مع 13 أسرة تنقلت في أماكن عدة، حتى وصلت في نهاية المطاف إلى هذه المنشأة الصحية التي توقفت عن العمل، واكتفت باستقبال النازحين الذين دمرت الحرب منازلهم، بحسب ما قاله الشيخ الستيني لـ"العربي الجديد"، قبل أن يكمل بأسى "قوات حفتر دمرت منازلنا، وصرنا مهجرين نقيم في المرافق العامة للمدينة".

تعد أسرة بالأعمى واحدة من بين 44.282 عائلة نازحة تعيش حاليا في مقار حكومية وعامة بأجزاء من بنغازي ومدن أخرى، وفقا لتقرير فريق إعداد خطة موازنة إسكان النازحين وتخطيط وإعمار مدينة بنغازي التابع لمجلسها البلدي الذي قدمه للبرلمان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ووثق التقرير نزوح 5696 أسرة من وسط بنغازي، و6320 عائلة من حي الصابري الواقع في شمال بنغازي، و 4714 أسرة من حي قاريونس غرب بنغازي، و9708 أسرة من حي القوارشة غرب بنغازي، و8844 عائلة من حي بوعطني في شرق المدينة، و9000 أسرة من حي الليثي الواقع في جنوب شرق المدينة، بعد أن دمرت عملية الكرامة منذ انطلاقها بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مايو/أيار 2014 منازلهم إضافة إلى تدمير 20 ألف وحدة سكنية تعرف محليا بالعمارات الصينية، بينما تعاني مناطق الهواري والليثي وبوعطني وسي فرج وبنينا دمارا جزئيا يصل إلى نسبة 40 % من مبانيها، وفق إفادة خاصة لـ"العربي الجديد" أدلى بها صلاح العمروني مدير جهاز تنمية وتطوير المدن فرع المنطقة الشرقية.



2180 غارة دمرت العاصمة الثانية للبلاد

شنت الطائرات العمودية والنفاثة التابعة لقوات خليفة حفتر 2180 غارة جوية على مدينة بنغازي وأحيائها منذ انطلاق عملية الكرامة وحتى نهاية مايو/أيار 2017 وفقا لما يؤكده العقيد بسلاح الجو التابع لحفتر يونس شلوف، مشيرا إلى أن أغلب العمليات القتالية لعملية الكرامة تمت من خلال القصف الجوي المكثف على مناطق القوارشة وقنفودة والعمارات الصينية وتواصلت في الصابري وسوق الحوت وهي المناطق ذاتها التي أكد العمروني على دمارها، الأمر الذي أدى إلى نزوح نصف مليون من بين 800 ألف نسمة هم قوام سكان مدينة بنغازي منذ بدء العملية، وهو ما يؤكده عضو لجنة حصر الأملاك المتضررة بالمجلس البلدي لبنغازي المهندس الوافي الأوجلي والذي قال لـ"العربي الجديد": "يعاني هؤلاء النازحون والذين يقيم العديد منهم في المقار الصحية والتعليمية الحكومية ظروفا شديدة السوء، كما توقفت هذه المرافق عن العمل لخدمة أهالي المدينة، الوضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة".

جانب آخر لتلك الكارثة يعيشه أستاذ علم الاجتماع في جامعة بنغازي الدكتور عبد الحكيم المزوغي، والذي يعد أحد المهجرين قسريا إلى طرابلس، كما روى لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن قوات حفتر لم تكتف بالدمار والنزوح الذي تسببت به، بل عملت على تهجير عشرة آلاف أسرة من بنغازي إلى مدن غربي ليبيا، وتحديدا طرابلس ومصراته، وهم من ذوي وقرابة المسلحين المناوئين لقوات حفتر إذ قام مسلحو حفتر بهدم منازلهم وحرق ممتلكاتهم ومنعهم من العودة. كما وضعت قوات حفتر عددا من الأسر من المحاصرين سابقا في حي قنفودة في السجون وهي مغيبة حتى الآن، بعد أن سمحت لها تلك القوات، بالخروج من منازلها ثم أوقعتها بالمصيدة.



إهمال حكومي 

تعيش 8 آلاف أسرة من نازحي بنغازي في بيوت مستأجرة مشتركة، وفرتها لهم مؤسسات خيرية في مناطق مجاورة لبنغازي، بحسب رئيس لجنة أزمة بنغازي السابق في برلمان طبرق رابح البرغثي، والذي تولى رئاسة اللجنة من إبريل/نيسان 2016 وحتى يناير/كانون الثاني 2017.

ويظهر إنفوغرافيك الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية الأهلية المنشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك أعدادا أخرى من النازحين موزعين بحسب أماكن إيوائهم، إذ تعيش 17813 أسرة في منازل الإيجار، و802 أسرة في منشآت تعليمية، و1345 أسرة في ضواحي مدينة بنغازي، وتوضح الهيئة أن عدد الأسر النازحة المسجلة لديها في مدينة بنغازي 19.960 أسرة حتى عام 2016 ويتغير هذا العدد حسب آخر المستجدات في عملية التسجيل.

ويرجع المهندس الوافي الأوجلي سبب معاناة المشردين إلى تهاون الحكومة والمجلس البلدي في توفير بدائل مؤقتة لهم أو صيانة المنازل التي لم تتضرر بشكل كلي ليعود إليها أهلها، ويقول لـ"العربي الجديد": "المصالح الشخصية وسيطرة لوبيات العقود والمقاولات الاحتكارية التي يسعى أصحابها لجني أموال طائلة من وراء استغلال هذه الكارثة، السبب الرئيسي في استمرار معاناة النازحين، وتفاقم الأمر بعد تجميد صندوق إعادة إعمار بنغازي الذي أنشأته الحكومة في عام 2016".


الإعمار المؤجل

بلغت كلفة إعادة إعمار المدينة 600 مليون دينار ليبي (الدولار يساوي 1.40 دينار ليبي)، بحسب تقرير للمجلس البلدي صدر في يوليو/تموز 2013، وحدد التقرير مجالات الإنفاق في عمليات التطوير وتوسع المدينة، لكن استمرار الحرب رفع كلفة إعادة إعمارها إلى 15 مليار دينار ليبي، بحسب الخطة الخماسية المقدمة من جهاز تطوير المدن إلى برلمان طبرق في مايو/أيار 2015، ثم تضاعف الرقم إلى 28 مليار دينار بنهاية 2016، وفق تقديرات خبراء هيئة الإسكان والمرافق بالمجلس البلدي لبنغازي، ومن بينهم حسن البريكي العضو في الهيئة، والذي قال لـ"العربي الجديد": "من المتوقع أن تتضاعف الكلفة في ظل استمرار الحرب".

وبسبب التباطؤ في ترميم المباني التي تأثرت بشكل جزئي من الحرب، وإعادة إعمار ما دمر كليا اضطر أهالي المناطق المدمرة في بنغازي للبقاء في المدارس والمستوصفات والمباني الحكومية، في ظل تضرر قطاعات مدنية وخدمية عديدة من بينها قطاع المصارف، إذ كان في المدنية خمسة بنوك، أحدها متوقف تماما، والأخرى تمتلك 12 فرعا يعمل منها 7 فروع فقط، فيما تضرر ميناء المدينة الذي تندلع المناوشات فيه من حين لآخر، كما تم تدمير عمق المدينة التاريخي المتمثل بالسوق والفندق القديم، وفقا لما يؤكده المهندس الوافي الأوجلي ومدير جهاز تنمية وتطوير المدن فرع المنطقة الشرقية صلاح العمروني، والذي كشف عن توقف 63 مدرسة يقيم فيها النازحون عن العمل بشكل تام.



المصالحة قبل الإعمار

أمام ذلك الواقع المتردي، يرى الدكتور المزوغي أن التقديرات المالية لإعادة إعمار المدينة غير مهمة، قائلا "المصالحة الاجتماعية أهم من الإعمار"، مشيرا إلى أن أسر مقاتلي مجلس شورى بنغازي الذين تم طردهم من بنغازي ودمرت ممتلكاتهم بسبب عداء أبنائهم لحفتر تم وصفهم من قبل مقاتلي حفتر بالإرهابيين، ما فتح باب الانتقام على مصراعيه، ولا سيما أن كتيبة أولياء الدم المكونة من أبناء القبائل المتحالفة مع حفتر مشرعنة رسميا من قبل قادة قواته، حتى أنها هدمت وأحرقت مئات المنازل لأناس عاديين ومقاتلين تم تهجيرهم إلى غرب البلاد، وهو ما سينتج عنه صراع اجتماعي دائم، في ظل عمل عدد من المهجرين قسريا على تشكيل قوات عرفت بسرايا الدفاع عن بنغازي للعودة إلى منازلهم بقوة السلاح، مما يعني ترجيح استمرار المعارك وفق ما يقول نزار كريكش، رئيس منظمة التضامن الليبية لحقوق الإنسان في جنيف لـ"العربي الجديد". مؤكدا أن الرقم الفعلي لقتلى حروب حفتر غير معروف، رغم جهوده المضنية في تحديده، لكنه يتوقع وصولهم إلى 9 آلاف قتيل، وهو ما أوجد شرخاً في النسيج الاجتماعي للمدينة، قد يحتاج إلى سنوات حتى يلتئم.


بعد تاريخي آخر لذلك الشرخ والانقسام المجتمعي، يراه الدكتور المزوغي، في صراع نشب قديما بين عدد من أبناء قبائل الشرق الليبي وعدد من الأسر الوافدة على بنغازي من غرب البلاد، والتي تعد مكونا مهما في المدينة، مشيرا إلى أن أغلب عناصر قوات حفتر هي من قبائل الشرق، والتي اتهمت أسر وعوائل من غرب ليبيا من تلك المتوطنة منذ زمن في المدينة بدعم مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، وكانت النتيجة أن أفراد هذه الأسر يشكلون أغلب نازحي ومهجري المدينة.

وتابع "المدينة ستصحو بعد زمن من الحرب، لتجد أن الإرهاب كان مجرد غطاء لحرب تقودها ضغائن تاريخية تصاعدت إلى حد المطالبة بفصل شرق البلاد واستقلالها، وفي النهاية سيجد المنتصر نفسه واقفا فوق أطلال بلا قيمة".

ذات صلة

الصورة
سياسية/الحوار الليبي بالمغرب/(فاضل سنة/فرانس برس)

سياسة

أعلن حراك "إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين" تأييده لموقف المجلس الأعلى للقضاء حول رفضه نتائج لقاءات بوزنيقة المغربية، في الوقت الذي أعلن وفدا مجلسي النواب والدولة عن انتهاء لقاءاتهما بالاتفاق على معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية.
الصورة
فائز السراج(Getty)

سياسة

ما زال الغموض يكتنف صحة عزم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج على الإعلان عن استقالته من منصبه، فيما أكدت مصادر ليبية مقربة من الحكومة أن السراج يواجه ضغوطاً من أطراف دولية وإقليمية تحثه على إرجاء إعلان استقالته.
الصورة
سياسية/الحوار الليبي في المغرب/(فايسبوك)

سياسة

في الوقت الذي تُنتظَر فيه عودة ممثلي مجلسي الدولة ونواب طبرق الليبيين إلى المغرب لاستئناف الجلسات، لا تزال مواقف اللواء المتقاعد خليفة حفتر تتجه للتصعيد العسكري بإعلان امتلاكه أسلحة جديدة متطورة، ما يهدد بنسف جهود التوصل إلى تفاهمات.
الصورة

سياسة

تتواصل، اليوم الاثنين، الجلسات التمهيدية لطاولة الحوار السياسي الليبي بين ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين في المملكة المغربية، في وقت ستبدأ بالتوازي جلسات أخرى بين شخصيات ليبية في العاصمة السويسرية جنيف، ضمن مسارات البحث عن حل سياسي للأزمة.