ما زال الغموض يكتنف صحة عزم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج على الإعلان عن استقالته من منصبه، فيما أكدت مصادر ليبية مقربة من الحكومة أن السراج يواجه ضغوطاً من أطراف دولية وإقليمية تحثه على إرجاء إعلان استقالته.
وبعد يوم من أنباء تناقلتها وسائل إعلام دولية بشكل واسع عن موقع "إنتلجنس أونلاين"، الفرنسي، بشأن عزم باريس على استضافة قمة ليبية تجمع السراج برئيس مجلس نواب بطبرق عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، فاجأت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية الأوساط المتابعة للملف الليبي بنبأ عزم السراج على الإعلان عن استقالته من منصبه.
وأكدت مصادر ليبية مقربة من حكومة الوفاق لــ"العربي الجديد"، عدم توصل السراج حتى الآن لقرار واضح بشأن تنحيه عن منصبه أو مواصلة قيادة المجلس الرئاسي.
وكشفت المصادر عن اتصالات كثيفة أجرتها عدة أطراف دولية وإقليمية وأيضاً محلية ليبية بالسراج من أجل ثنيه عن قرار التنحي، مؤكدة أن السراج سيتوجه إلى تركيا، الجمعة المقبل، للقاء مسؤوليها في إطار محاولاته لإقناع حلفاء حكومة الوفاق بقبول تنحيه من منصبه.
ومن المرجح حتى الآن، بحسب المصادر ذاتها، أن يؤجل السراج تنحيه عن منصبه إلى حين توصل ممثلي مجلسي النواب والدولة لاتفاق بشأن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة منفصلة. وأوضحت المصادر أن السراج اشترط ضرورة توافق الطرفين على قاعدة دستورية خلال ستة أشهر.
وفيما لم تتضح أسباب استقالة السراج، يرى الأكاديمي الليبي خليفة الحداد أن السراج يواجه ضغوطاً منذ اندلاع المواجهات العسكرية بين قوات الحكومة ومليشيات حفتر طيلة أكثر من عام في جنوب طرابلس، بشأن الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي في إنهاء حالة الاقتتال والقبول بالحلول السياسية وبين مطالب قادة قوات الحكومة الراغبين في الاستمرار في العمليات العسكرية إلى ما بعد سرت والجفرة.
ويعتبر الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخلافات التي طرأت بين السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا على خلفية المظاهرات التي شهدتها طرابلس كشفت عن هشاشة العلاقة بين المجلس الرئاسي والحكومة التي تحايلت وربما رفضت في العديد من المرات تنفيذ قراراتها.
وإثر اندلاع احتجاجات شعبية في طرابلس تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية، أصدر السراج قرابة 13 قراراً متتابعاً، من بينها إنشاء وزارة للإعمار، في محاولة لتطويق الغضب الشعبي.
ويرجحح الحداد أن القرارات أظهرت قصوراً وعجزاً كبيرين لدى السراج، مشيراً إلى أن تقارير ديوان المحاسبة تكشف حجم الفساد المستشري في الحكومة والمجلس الرئاسي من جانب، ومكتب النائب العام الذي كان يصدر قرارات الجلب للتحقيق مع مسؤولين كبار، مشيراً إلى أن تلك الإجراءات بينت عجز السراج وعدم قدرته على قيادة الأوضاع.
ولفت الحداد إلى عوامل أخرى لا تقل تأثيراً عليه، وربما تكون الأكثر دفعاً له للاستقالة، من بينها قيام مجموعة مسلحة بمحاولة اغتيال وكيل وزارة الصحة في وسط طرابلس، ما يعني عدم قدرته على السيطرة على قرار المجموعات المسلحة المختلفة، ولا سيما تلك الموجودة بطرابلس.
وبعيداً عن أسباب استقالة السراج، يعبر الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي عن حالة التكتم والغموض التي تعيشها الأوضاع المتصلة بالمجلس الرئاسي، مشيراً إلى أن الغموض لا يتوقف عند عزم السراج على تقديم استقالته.
ويقول الجواشي متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن كل وسائل الإعلام تحدثت عن لقاءات المغرب ومشاورات سويسرا بين الأطراف الليبية، لكن تلك الأطراف لم تعلن عن نتائج المشاورات ولا حتى المشاركين فيها.
وأشار إلى أن لا أحد يعرف من هي الشخصيات التي شاركت في مشاورات سويسرا، وأن الرأي العام لم يعلم سوى ببعض نتائجها من بيان مقتضب للبعثة الأممية. وتساءل الجواشي عن مصير الاتفاقيات التي وقعها السراج مع أطرف إقليمية مثل تركيا، في حال قدم استقالته.
وفي الوقت الذي يرجح فيه الجواشي أن حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي تجري اتصالات كثيفة من أجل ترتيب شكل الاستقالة، إلا أنه يعتقد أن أطرافاً حليفة لحكومة الوفاق، كتركيا وأخرى قريبة من طرابلس مثل واشنطن، لن تسمح بمثل هذا الإجراء.
ولفت إلى أن استقالة السراج قد تولد فراغاً سياسياً كبيراً في ليبيا وانهيار مكاسب عسكرية كبيرة حققتها قوات حكومة الوفاق خلال الأشهر الماضية.