07 اغسطس 2024
إلى أين تسير الأوضاع الأمنية في مصر؟
يضرب النظام المصري تعتيماً سياسياً وإعلامياً على حقيقة الأوضاع الأمنية في البلاد، فلا يوجد نقاش جاد أو غير جاد في البرلمان، ولا توفر الدولة تقييماتٍ لحقيقة الأوضاع، فيما عدا تكرار إصرارها على حسم الصراع مع الجماعات العنيفة بالضربة القاضية، واتهام الخارج و"الإخوان المسلمين" بالوقوف خلف الأزمات، في وقتٍ تعاني مصر أخيراً من انفجارات أمنية متصاعدة الوتيرة، حيث لا يمر أسبوع من دون وقوع هجوم مسلح أو أكثر على القوات المصرية في سيناء، كما تصاعدت وتيرة الهجمات الدامية ضد المواطنين المسيحيين منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وزادت أيضاً العمليات المسلحة والتفجيرات التي تستهدف القوات الأمنية في الوادي، والسؤال هو كيف يمكن أن نقرأ التطورات الأخيرة، في ظل ما يتوفر من معلوماتٍ عن الأوضاع الأمنية في مصر.
أولاً: في ما يتعلق بسيناء، تشير المعلومات المتوفرة إلى حدوث قفزة جغرافية وكمية في نشاط ولاية سيناء هناك منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث شن مسلحون تابعون لتنظيم داعش هجوماً مسلحاً هو الأول من نوعه في شمال وسط سيناء، بالقرب من مدينة بئر العبد، مخلفين حوالى 12 قتيلاً من قوات الأمن المصرية. منذ تلك الفترة، ووتيرة التفجيرات التي يتعرّض لها الجنود المصريون في شمال سيناء لا تهدأ، فلا يكاد يمر أسبوعٌ حتى نسمع عن هجوم أو أكثر على القوات المصرية هناك، خصوصاً في ظل توسع أنشطة المسلحين إلى شمال وسط سيناء، بعدما كانت محصورةً في الشمال الشرقي، وتحديداً في العريش والشيخ زويد.
وهنا، تجب الإشارة إلى أن المعلومات السابقة تتماشى مع تقارير بحثية حذرت، في النصف
الأول من عام 2016، من أن حملة الجيش المصري للقضاء على المسلحين في سيناء، والتي تصاعدت في يوليو/ تموز 2015، تفتقر لبعد سياسي، ما يهدد بتمدّدهم إلى مناطق مختلفة، في شبه الجزيرة والوادي، لأن القمع من دون خطة سياسية لحل الصراع سيؤدي إلى هروب تلك العناصر من مناطق تجمعها شمال شرق سيناء إلى مناطق أخرى، وهو ما حدث.
ثانياً: تغيّرت كثيراً خريطة العنف والجماعات العنيفة في مصر منذ مطلع عام 2016، فمنذ انقلاب يوليو/ تموز 2013 ومشهد العنف السياسي، في الوادي تحديداً، تسيطر عليه حملة الحكومة المصرية على جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، حيث تفيد تقارير بأن قوات الأمن المصرية وجهت 70% من حملاتها الأمنية ضد الجماعة وأتباعها خلال تلك الفترة، ما أسهم كثيراً في تدمير البنية التحتية للإخوان، والقبض على آلاف من أعضائها، والحد من المظاهرات، وتراجع ما تسمى ظاهرة العمليات النوعية التي كان يقوم بها بعض أتباع الجماعات، أو بعض شباب التيار الديني الرافضين للنظام، وهي عملياتٌ كانت تتسم بقدرٍ من قلة الخبرة وعدم النضج وانخفاض مستوى العنف المتضمّن فيها، حيث كانت تقتصر على مناوشة قوات الأمن المصرية، أو تفجير بعض محولات الكهرباء، أو غير ذلك من الهجمات الأمنية محدودة الأثر.
بعد تراجع تلك الظاهرة، انحسرت ظاهرة المظاهرات وعنف المبتدئين، وبقيت على السطح ظاهرة أخرى، صعود جماعات مسلحة أكثر، حيث بدأنا نسمع عن جماعاتٍ، كالعقاب الثوري وحسم، بالإضافة إلى "داعش" و"المرابطين"، والتي تتبنى عملياتٍ أكثر عنفاً ودموية وخبرة في استهداف قوات الأمن المصرية وأهداف أخرى.
وهنا يشير بعضهم، مرة أخرى، إلى افتقار النظام لرغبة في وضع استراتيجية سياسية لهزيمة الجماعات العنيفة، في ظل إصراره على القمع الأمني، وغلق الأفق السياسي، وتركيزه على هزيمة المعارضة السياسية، والتي باتت الأن مفكّكة عاجزة عن التحكم في أعضائها، وأصبحت الساحة خاويةً للجماعات العنيفة بالأساس، غير المشغولة بإحراج النظام سياسياً من خلال المظاهرات، في ظل تركيزها على السلوك الانتقامي والعنيف.
ثالثاً: منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، و"داعش" منخرطٌ في حملة منظمة لاستهداف المواطنين المصريين المسيحيين هدفاً استراتيجياً، حيث بدأت الحملة باستهداف الكنيسة المرقسية في العباسية في القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم بقتل عدد من المسيحيين المصريين المقيمين في سيناء خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، ما تسبب بتهجير عشرات الأسر المسيحية من شمال سيناء إلى الوادي، ثم إعلان الجماعة، في فبراير/ شباط الماضي، في تسجيل مصور، نيتها استهداف الأقباط عبر مصر، وأخيراً الهجوم الدامي على كنيستي طنطا والإسكندرية هذا الشهر في احتفال المسيحيين بأحد الشعانين، حيث ترك الهجومان قرابة خمسين قتيلاً، وعشرات الجرحى.
ويبدو أن استهداف "داعش" المسيحيين عمل منظم ومقصود، يهدف إلى تفجير أزمة طائفية في مصر، وإلى تعميق البعد الطائفي للصراع مع النظام المصري، فالمعروف أن "داعش" يستخدم دائماً الملفات السياسية الأكثر حساسيةً وتعميقاً لمشكلات المجتمع الذي تعمل فيه بنية زعزعة
استقرار نظامه السياسي، حيث دأبت على اللعب على ملفات الطائفية والعرقية في المجتمعين، العراقي والسوري، بالإضافة إلى استهداف الغرب، واستخدام أكثر وسائل العنف دمويةً، حيث تهدف من ذلك لتفجير الأوضاع، مما يضمن لها زعزعة استقرار النظام، وحشد المصريين في معارك فسطاطية. وهنا، يرى "داعش" أن استهداف المسيحيين في مصر سوف يؤدي إلى تعميق الطائفية، وربما يمنحها بعض الشعبية في ظل شعور بعض أبناء التيارات الدينية بتحالف الكنيسة القبطية والمسيحيين مع النظام الحاكم ضد التيار الديني المعارض.
رابعاً: يصر النظام المصري على استخدام استراتيجية أمنية تركّز على القمع، لا الحل السياسي أداة لمواجهة خطر الجماعات العنيفة. وحتى الآن، لم تحقق تلك الاستراتيجية أهدافها، فمازالت الجماعات العنيفة تنتشر، وتبدو حالياً في منحنىً صعودي، ويرتبط ذلك بعدة عوامل، مثل هزيمة "داعش" في سورية والعراق وسرت الليبية، ما قد يضطر بعض أعضائها المصريين على العودة إلى مصر، حاملين معهم الخبرات القتالية التي اكتسبوها. هذا بالإضافة إلى إغلاق الأفق السياسي في مصر، وتفكّك قوى المعارضة السياسية، وتراجع ما كانت توفره من خط أمان ضد انتشار تلك الجماعات.
ويشار أيضاً إلى انتشار التعذيب والاعتقالات السياسية والتصفية الجسدية والاختفاء القسري وظروف السجون، وغيرها من الممارسات الخارجة عن السيطرة لقوات الأمن المصرية، ما يوفر وقوداً دائماً لعمل الجماعات العنيفة، وقدرتها على تجنيد أعضاء جدد، كما يؤدي إلى تهميش السكان المحليين، كما حدث مع بدو سيناء، حيث هدد بعض قادتهم بالعصيان المدني، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بسبب شكواهم من تصفية قوات الأمن المصرية بعض المعتقلين من أبناء سيناء، تم القبض عليهم في الماضي، ثم ادعت السلطات مقتلهم في اشتباكاتٍ مع قوات الأمن.
خامساً: تفيد تقارير أمنية بأن الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر، وخصوصاً بأعبائها على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، تساهم في رفع الدعم الشعبي عن النظام وتزيد القنوط منه.
وهكذا تعيش مصر، أخيراً، على وقع خمس حقائق أمنية، وهي تزايد أنشطة الجماعات العنيفة في سيناء، وتمدّدها إلى الوادي وصعود جماعات عنيفة جديدة، واستهداف "داعش" المسيحيين المصريين بشكل استراتيجي، وافتقار النظام استراتيجية سياسية لمكافحة العنف، وتراجع الدعم الشعبي للنظام، لأسباب اقتصادية وسياسية.
وهذا لا يعني افتقار النظام لوسائل للمواجهة، فمازال يتمتع بقدرةٍ كبيرةٍ على القمع، وعلى السيطرة على الأوضاع الداخلية، في ظل دعم خارجي متزايد، وانقسام شديد في أوساط معارضيه، وتفاؤل بتراجع حدة الأزمات الاقتصادية في نهاية العام الحالي، بسبب اكتشافات بترولية. ولكن، يبقى النظام كالجالس على برميلٍ مليء بالمواد سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار، وهو مصرٌّ على إحكام الغطاء بكل قوة وحزم من دون تفكير في سبل جديدة لتهدئة تلك المواد وتفاعلاتها. وعلى فتراتٍ متباعدةٍ تخرج من البرميل انفجارات أقوى من سابقاتها، ولا أحد يعلم بالضبط إن كانت تمثل النهاية أم أن القادم أصعب؟
أولاً: في ما يتعلق بسيناء، تشير المعلومات المتوفرة إلى حدوث قفزة جغرافية وكمية في نشاط ولاية سيناء هناك منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث شن مسلحون تابعون لتنظيم داعش هجوماً مسلحاً هو الأول من نوعه في شمال وسط سيناء، بالقرب من مدينة بئر العبد، مخلفين حوالى 12 قتيلاً من قوات الأمن المصرية. منذ تلك الفترة، ووتيرة التفجيرات التي يتعرّض لها الجنود المصريون في شمال سيناء لا تهدأ، فلا يكاد يمر أسبوعٌ حتى نسمع عن هجوم أو أكثر على القوات المصرية هناك، خصوصاً في ظل توسع أنشطة المسلحين إلى شمال وسط سيناء، بعدما كانت محصورةً في الشمال الشرقي، وتحديداً في العريش والشيخ زويد.
وهنا، تجب الإشارة إلى أن المعلومات السابقة تتماشى مع تقارير بحثية حذرت، في النصف
ثانياً: تغيّرت كثيراً خريطة العنف والجماعات العنيفة في مصر منذ مطلع عام 2016، فمنذ انقلاب يوليو/ تموز 2013 ومشهد العنف السياسي، في الوادي تحديداً، تسيطر عليه حملة الحكومة المصرية على جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، حيث تفيد تقارير بأن قوات الأمن المصرية وجهت 70% من حملاتها الأمنية ضد الجماعة وأتباعها خلال تلك الفترة، ما أسهم كثيراً في تدمير البنية التحتية للإخوان، والقبض على آلاف من أعضائها، والحد من المظاهرات، وتراجع ما تسمى ظاهرة العمليات النوعية التي كان يقوم بها بعض أتباع الجماعات، أو بعض شباب التيار الديني الرافضين للنظام، وهي عملياتٌ كانت تتسم بقدرٍ من قلة الخبرة وعدم النضج وانخفاض مستوى العنف المتضمّن فيها، حيث كانت تقتصر على مناوشة قوات الأمن المصرية، أو تفجير بعض محولات الكهرباء، أو غير ذلك من الهجمات الأمنية محدودة الأثر.
بعد تراجع تلك الظاهرة، انحسرت ظاهرة المظاهرات وعنف المبتدئين، وبقيت على السطح ظاهرة أخرى، صعود جماعات مسلحة أكثر، حيث بدأنا نسمع عن جماعاتٍ، كالعقاب الثوري وحسم، بالإضافة إلى "داعش" و"المرابطين"، والتي تتبنى عملياتٍ أكثر عنفاً ودموية وخبرة في استهداف قوات الأمن المصرية وأهداف أخرى.
وهنا يشير بعضهم، مرة أخرى، إلى افتقار النظام لرغبة في وضع استراتيجية سياسية لهزيمة الجماعات العنيفة، في ظل إصراره على القمع الأمني، وغلق الأفق السياسي، وتركيزه على هزيمة المعارضة السياسية، والتي باتت الأن مفكّكة عاجزة عن التحكم في أعضائها، وأصبحت الساحة خاويةً للجماعات العنيفة بالأساس، غير المشغولة بإحراج النظام سياسياً من خلال المظاهرات، في ظل تركيزها على السلوك الانتقامي والعنيف.
ثالثاً: منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، و"داعش" منخرطٌ في حملة منظمة لاستهداف المواطنين المصريين المسيحيين هدفاً استراتيجياً، حيث بدأت الحملة باستهداف الكنيسة المرقسية في العباسية في القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم بقتل عدد من المسيحيين المصريين المقيمين في سيناء خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، ما تسبب بتهجير عشرات الأسر المسيحية من شمال سيناء إلى الوادي، ثم إعلان الجماعة، في فبراير/ شباط الماضي، في تسجيل مصور، نيتها استهداف الأقباط عبر مصر، وأخيراً الهجوم الدامي على كنيستي طنطا والإسكندرية هذا الشهر في احتفال المسيحيين بأحد الشعانين، حيث ترك الهجومان قرابة خمسين قتيلاً، وعشرات الجرحى.
ويبدو أن استهداف "داعش" المسيحيين عمل منظم ومقصود، يهدف إلى تفجير أزمة طائفية في مصر، وإلى تعميق البعد الطائفي للصراع مع النظام المصري، فالمعروف أن "داعش" يستخدم دائماً الملفات السياسية الأكثر حساسيةً وتعميقاً لمشكلات المجتمع الذي تعمل فيه بنية زعزعة
رابعاً: يصر النظام المصري على استخدام استراتيجية أمنية تركّز على القمع، لا الحل السياسي أداة لمواجهة خطر الجماعات العنيفة. وحتى الآن، لم تحقق تلك الاستراتيجية أهدافها، فمازالت الجماعات العنيفة تنتشر، وتبدو حالياً في منحنىً صعودي، ويرتبط ذلك بعدة عوامل، مثل هزيمة "داعش" في سورية والعراق وسرت الليبية، ما قد يضطر بعض أعضائها المصريين على العودة إلى مصر، حاملين معهم الخبرات القتالية التي اكتسبوها. هذا بالإضافة إلى إغلاق الأفق السياسي في مصر، وتفكّك قوى المعارضة السياسية، وتراجع ما كانت توفره من خط أمان ضد انتشار تلك الجماعات.
ويشار أيضاً إلى انتشار التعذيب والاعتقالات السياسية والتصفية الجسدية والاختفاء القسري وظروف السجون، وغيرها من الممارسات الخارجة عن السيطرة لقوات الأمن المصرية، ما يوفر وقوداً دائماً لعمل الجماعات العنيفة، وقدرتها على تجنيد أعضاء جدد، كما يؤدي إلى تهميش السكان المحليين، كما حدث مع بدو سيناء، حيث هدد بعض قادتهم بالعصيان المدني، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بسبب شكواهم من تصفية قوات الأمن المصرية بعض المعتقلين من أبناء سيناء، تم القبض عليهم في الماضي، ثم ادعت السلطات مقتلهم في اشتباكاتٍ مع قوات الأمن.
خامساً: تفيد تقارير أمنية بأن الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر، وخصوصاً بأعبائها على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، تساهم في رفع الدعم الشعبي عن النظام وتزيد القنوط منه.
وهكذا تعيش مصر، أخيراً، على وقع خمس حقائق أمنية، وهي تزايد أنشطة الجماعات العنيفة في سيناء، وتمدّدها إلى الوادي وصعود جماعات عنيفة جديدة، واستهداف "داعش" المسيحيين المصريين بشكل استراتيجي، وافتقار النظام استراتيجية سياسية لمكافحة العنف، وتراجع الدعم الشعبي للنظام، لأسباب اقتصادية وسياسية.
وهذا لا يعني افتقار النظام لوسائل للمواجهة، فمازال يتمتع بقدرةٍ كبيرةٍ على القمع، وعلى السيطرة على الأوضاع الداخلية، في ظل دعم خارجي متزايد، وانقسام شديد في أوساط معارضيه، وتفاؤل بتراجع حدة الأزمات الاقتصادية في نهاية العام الحالي، بسبب اكتشافات بترولية. ولكن، يبقى النظام كالجالس على برميلٍ مليء بالمواد سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار، وهو مصرٌّ على إحكام الغطاء بكل قوة وحزم من دون تفكير في سبل جديدة لتهدئة تلك المواد وتفاعلاتها. وعلى فتراتٍ متباعدةٍ تخرج من البرميل انفجارات أقوى من سابقاتها، ولا أحد يعلم بالضبط إن كانت تمثل النهاية أم أن القادم أصعب؟