إلغاء الحكم الذاتي لكشمير: خيارات باكستانية مفتوحة تتقدمها الدبلوماسية

07 اغسطس 2019
نددت باكستان شعبياً وسياسياً بقرار الهند (عارف علي/فرانس برس)
+ الخط -
تتوالى ردود الفعل في باكستان على قرار الهند، الصادر أول من أمس الإثنين، والقاضي بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين، وهي ردود أجمعت على إدانة ورفض القرار الذي بدا صادماً في توقيته. وتتجه خيارات إسلام آباد للتعامل مع الأزمة المستجدة، في الوقت الراهن، لأن تصب في إطار تكثيف النشاط الدبلوماسي، وتسليط الضوء على خرق جارتها للقوانين الدولية، وتأثيره على الشعب الكشميري، وعلى أمن المنطقة، ومن خلال إثارة القضية عبر منصات دولية مختلفة، علماً أن قيادة الجيش الباكستاني أكدت عزمها على عدم التزامها بسقوف معينة لدعم قضية الإقليم.

وأحدث قرار حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بإلغاء القانون رقم 370 الخاص بالإقليم المعروف بالحكم الذاتي، والذي يمنح الكشميريين حقوقاً وامتيازات في مجالات شتى، صدمةً مدوية في الداخل الكشميري، وفي باكستان، على الرغم من توقعها له، بحسب وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، خصوصاً بعد التصعيد الهندي على حدود خط المراقبة، ورفض نيودلهي القاطع لأي وساطات دولية في القضية.


ورداً على ذلك، تبدو السلطات الباكستانية عازمةً، حتى اللحظة، على تفضيل لغة الدبلوماسية والسياسة، بالتوازي مع وضع استراتيجية في الداخل للتعامل مع الأزمة التي أجمع سياسيوها على اعتبارها ضربة قاسية للبلاد، إلى حدّ تشبيه بعضهم لها بقرار الولايات المتحدة إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، غامزين من قناة التطور والتقارب "الحميم" الذي تشهده العلاقات بين نيودلهي في عهد مودي، وتل أبيب.

في موازاة ذلك، يفتح القرار تساؤلات حول الدور الجدّي الذي من الممكن أن تؤديه واشنطن، خصوصاً أنه كان للرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتراح مبادرة وساطة في هذا الإطار، خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للبيت الأبيض أخيراً، وهو ما رفضته الهند بحزم. مع العلم أن قرار الهند بشأن إلغاء الحكم الذاتي لكشمير تزامن مع تحسن في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، انعكس إيجاباً على المسألة الأفغانية.

ولا تزال غير واضحة هوية الجهة القادرة على أداء دور الوساطة بين الدولتين النوويتين، خصوصاً أن القرار الهندي أصبح بحكم النافذ. كما تبرز تساؤلات حول قدرة دول الجوار على تحقيق أي اختراقات في المسألة، والدورين الصيني والروسي في هذا الصدد.

وفي انعكاس لرغبة باكستان في أن تؤدي القوى العالمية الكبرى، ودول المنطقة، دورها في خصوص أزمة إقليم كشمير، بدأت إسلام آباد اتصالاتها عبر قنوات دبلوماسية وسياسية مختلفة.

وفي هذا السياق، أبرق وزير الخارجية الباكستاني إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مطلعاً إياه على تفاصيل آخر التطورات في الإقليم المتنازع عليه، وممارسات القوات الهندية بحق الشعب الكشميري، وذلك بحسب ما تضمن بيانٌ صادر عن الخارجية الباكستانية. وشدد شاه محمود قرشي على معارضة بلاده لقرار الهند بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير، معتبراً إياه "خطوة سوداء قد تعصف بأمن المنطقة بأسرها"، ومطالباً المنظمة الدولية وأمينها العام باتخاذ خطوات فاعلة لصد نيودلهي عن استفزازاتها وممارساتها.

من جهته، أجرى رئيس الوزراء الباكستاني اتصالين هاتفيين بكل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، ناقش خلالهما معهما تبعات القرار الهندي، ومجريات الوضع في إقليم كشمير وعلى الحدود بين البلدين. وبحسب بيان لوزارة الخارجية الباكستانية، دان أردوغان ومحمد القرار الهندي، معربين عن أسفهما الشديد حياله، ومؤكدين وقوف بلديهما الدائم إلى جانب باكستان، وسعيهما لحل القضية الكشميرية وفق قرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

بدوره، طالب زعيم المعارضة في البرلمان الباكستاني، زعيم أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، حزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز شريف، شهباز شريف، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في مدينة لاهور، دول المنطقة، كالصين وتركيا، والقوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، بأداء دور الوساطة من أجل حل القضية وتفادي تعقيدها.

إلى ذلك، استدعت وزارة الخارجية الباكستانية السفير الهندي لدى إسلام آباد، أي جي بساريه، بحسب بيانٍ صادر عنها، مشددة أمامه على ضرورة تجنب بلاده "إلحاق الظلم في حق الشعب الكشميري"، ومؤكدة رفضها للقرار الهندي الخاص بالإقليم، ومحذرة إياها من "نتائج وخيمة إذا ما استمرت نيودلهي في ممارسة سياستها الحالية".

كما عقد قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوه، أمس الثلاثاء، اجتماعاً لقادة الفيالق العسكرية في روالبندي، تباحث خلاله معهم بآخر المستجدات المتعلقة بقرار الهند إلغاء الحكم الذاتي في كشمير. وإثر الاجتماع، قال باجوه إن "جيش باكستان يقف بصلابة إلى جانب الكشميريين في كفاحهم العادل حتى النهاية"، مضيفاً "نحن مستعدون وسنذهب إلى أي مدى للوفاء بالتزامنا في ما يتعلق بذلك". وكان بيان صادر عن مكتب العلاقات العامة في الجيش قد أكد قبيل الاجتماع أنه "سيدرس جميع الخيارات المتاحة إذا ما تعرضت باكستان لأي اعتداء".

كما ناقشت الجلسة المشتركة للبرلمان قرار الهند والوضع السائد في إقليم كشمير وعلى الحدود، خاصة بعد تأكيد الجيش الباكستاني استخدام القوات الهندية للقنابل العنقودية على الأراضي الباكستانية في 30 و31 من شهر يوليو/ تموز الماضي.

ويأتي التصعيد الهندي متزامناً مع وصول مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب آسيا، إيلس ويلز، إلى إسلام آباد، لمناقشة قضية المصالحة الأفغانية مع المسؤولين الباكستانيين، والدور الذي من الممكن أن تواصل إسلام آباد أداءه فيها. وفي هذا الصدد، أكدت مصادر في وزارة الخارجية الباكستانية عزم الوزارة على رفع قضية كشمير خلال اللقاءات التي ستجري مع ويلز، مع التشديد على الطلب من الولايات المتحدة توظيف دورها لمنع الهند من المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها.

يذكر أن وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن أسفها الشديد لحملة الاعتقالات المرتفعة وتيرتها (التي تمارسها الهند) في إقليم كشمير، مطالبة بضبط النفس على جانبي الحدود وتجنب أي نوع من التصعيد.

وأعربت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أوريتغاس، في بيان، عن قلق بلادها بشأن تقارير عن تنفيذ اعتقالات، داعية إلى "احترام الحقوق الفردية وفتح حوار مع المعنيين". وأضافت أوريتغاس: "ندعو كافة الفرقاء إلى الحفاظ على السلم والاستقرار على طول خط المراقبة" الذي يفصل شطري كشمير المقسمة بين الهند وباكستان.

في المحصلة، تشير النبرة الصادرة من باكستان، على المستويات السياسية والشعبية والإعلامية، إلى أن التصعيد العسكري ليس الخيار المطروح حالياً، سوى في حالة تعرض البلاد لاعتداء من قبل الهند، وبالتالي يجري التركيز على الخيار الدبلوماسي لممارسة الضغط على نيودلهي، بالرغم من عدم وجود مؤشرات تدل على قدرة أي جهة إقليمية ودولية على التأثير إلى حد إلغاء القرار، لتنحصر هذه القدرات في إطار الدعوات والضغوط لضبط النفس، وعدم انجرار الوضع العسكري إلى ما لا تحمد عقباه.



الهند: توقيفات بكشمير

من جهتها، أعلنت السلطات الهندية، أمس الثلاثاء، أنها قامت بتوقيف ثلاثة قياديين في كشمير، معتبرة أنهم يشكلون تهديداً للسلام، وذلك بعد فرضها إجراءات أمنية مشددة في المنطقة. وبموجب قرار قضائي، نُقل القياديون الثلاثة إلى مركز توقيف رسمي، أول من أمس الإثنين، في اليوم ذاته الذي أعلن فيه إلغاء الوضع الخاص للإقليم.

وكان الرئيسان السابقان لحكومة جامو وكشمير، محبوبة مفتي وعمر عبد الله، بالإضافة إلى زعيم حزب المؤتمر الشعبي في جامو وكشمير، ساجد لون، قد وُضعوا قيد الإقامة الجبرية في نهاية الأسبوع الماضي بعد إطلاق حملة أمنية كبرى قبيل صدور مرسوم إلغاء الوضع الخاص للمنطقة. ولم يتضمّن القرار القضائي توجيه أي اتهام لهم.

وظلت كشمير عملياً، أمس، معزولة عن العالم لليوم الثاني على التوالي، بعدما قُطعت عنها شبكات الهاتف والإنترنت وفرض حظر تجول.

وأثار إعلان نيودلهي اضطرابات داخل البرلمان الهندي، فيما وصفه حزب المؤتمر، أكبر أحزاب المعارضة، بأنه "خطوة كارثية". من جهتها، أجمعت الصحف الهندية على نقل هواجسها إزاء طريقة تنفيذ قرار حكومة مودي إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، ومنتقدة تنفيذ ما وصفته بـ"مهمة كشمير"، بـ"ضربة واحدة".

 

دلالات