كان الاعتقاد، حتى نهاية الأسبوع الماضي، أن انتخابات الرئاسة الأميركية صارت شبه منتهية عملياً، بفوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. كافة الاستطلاعات والتقديرات والحسابات الانتخابية المعتمدة تاريخياً في قراءة موازين القوى، ترجّح كفتها وبقوة. لكن الصورة اهتزت في اليومين الأخيرين. انكشاف المزيد من الرسائل الإلكترونية ذات صلة بملف رسائلها عندما كانت وزيرة للخارجية، أعاد فتح هذا الملف الذي، مع غيره، ضرب صدقيتها بشكل كبير، ما قد يضع حملتها في عين عاصفة انتخابية.
ففي سياق التحقيق بقضية أخلاقية متعلقة بأنتوني وينر، زوج هوما عابدين، التي كانت اليد اليمنى لكلينتون في وزارة الخارجية، تبيّن من التدقيق في كمبيوتر الزوج، الذي تغازل بالصورة مع فتاة قاصر عمرها 15 سنة، أن هناك رسائل إلكترونية بين عابدين وكلينتون جرى تبادلها من خلال هذا الحاسوب الذي لم يتم تسليمه إلى المحققين في رسائل الوزيرة.
المشكلة الأولى أن عابدين بدت وكأنها أخفت هذا الكمبيوتر مع أنها كانت قد أبلغت جهات التحقيق الأول أنها وضعت في متناولها كافة أدوات المراسلة بينها وبين كلينتون. انعكس هذا الارتياب بعابدين على رئيستها كلينتون التي عادت الشكوك لتحوم حول صدقيتها المشكك فيها أصلاً، وتعزز من الانطباع السائد بأنها "متعالية على القانون".
المشكلة الثانية اللاحقة، أنه لو كشف التحقيق أن الرسائل في كمبيوتر عابدين - وينر تحتوي على معلومات سرية تتصل بأمن الدولة، عندئذ تصبح رئاسة كلينتون، لو فازت، مسممة إن لم تكن معدومة. عند ذاك على كلينتون أن تصرف سنوات عدة في التحقيقات والمناكفة مع الكونغرس، الذي قد لا يتردد في محاكمتها، إذا احتفظ الجمهوريون بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنوب. حتى الآن مثل هذا السيناريو مستبعد، بل هو مجرد احتمال، وربما غير وارد لأن محتوى هذه الرسائل الجديدة لن يأتي على الأرجح بمفاجأة كبيرة. فالتحقيق في هذا الملف خضع للتمحيص العميق من جهات عدة وكانت الخلاصة أنه لا مخالفة جرمية فيه.
مع ذلك جاء هذا التطور بمثابة هدية على طبق من فضة لحملة المرشح الجمهوري، دونالد ترامب. فقد سارع هذا الأخير وفريقه إلى تحويله إلى "القضية" الوحيدة في المعركة، وعملوا بسرعة على تسييسه ونفخه حتى بات يبدو كأنه بحجم فضيحة قاتلة. وبذلك بات محور حديث الانتخابات في اليومين الأخيرين.
وزوّد هذا التطور حملة ترامب بقدر من الزخم، وأزاح الأضواء في هذه اللحظة الدقيقة من الحملة، عن سلبياته الكثيرة. ثم إن الجمهوريين عملوا بسرعة على توظيفه لرأب ما أمكن من الصدع في صفوفهم ولتحريك قواعدهم للالتفاف حول ترامب. كما استفادوا من هذا الموضوع الذي ما زال في حدود الضجة، لرفع وتيرة التخويف من كلينتون.
منذ البداية كانت "السمعة والصورة" مشكلة كبيرة لكلينتون، وكان فريقها يتخوّف من أن تكشف ملفاتها عن سقطة مدمّرة، لكن نواقص ترامب عوّضت عليها وساهمت في تعويمها. أما الآن فقد عادت لطخة الصدقية لتطاردها، ولكن ليس من المتوقع أن تغرقها لأن الخيارات تحددت والمفاجأة الأخيرة ليست قاتلة، حتى الآن. لكنها بالتأكيد جعلت انتخابها أخطر ورئاستها أصعب، والأكثر خطورة إذا ما بقيت كلينتون على عادتها في اللفلفة والنكران.