28 أكتوبر 2024
إعادة ترتيب مؤسسات السلطة في مصر
أجرى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التعديل الوزاري الرابع على حكومة شريف إسماعيل، اقتصر على أربع حقائب وزارية، السياحة والتنمية المحلية والثقافة وقطاع الأعمال، وأثار التعديل عدة تساؤلات تتعلق بتوقيته وطبيعة الوزارات التي شملها التغيير، وخلفيات الوزراء الجدد.
وأثار التعديل استغراب بعض القوى السياسية والنخب، بوصف أنه لم يعالج مشكلات الحكم وإخفاقه، وبني هذا الاستغراب على قاعدة أن التعديلات الوزارية لا بد أن تعالج مشكلات الأداء أو التوجهات والسياسات الحكومية. وفي الحقيقة، تتجاهل هذه الأصوات أن النظام لا يرى في السياسات التي يطبقها مشكلة، فهو مقرّرها في النهاية، بل ينطلق من رؤية أن هناك ضرورة للتغيير في بنى السلطة ومكوناتها، لينسجم طاقم الحكم مع المرحلة المقبلة، وتزيد قدرته على الأداء، بالإضافة إلى أن النظام يغير في مكونات السلطة والتراتبية في كل أجهزتها، ليستعد لمرحلة جديدة من الحكم، وليضمن ويتأكد من خضوع كل مكوناتها له، وكذلك ليضمن مرونتها في التعامل مع بعضها بعضا بانسجام ومن دون تعارض، أو صراعات تشق صفوفها أو تضعفها، وخصوصا مع مرور أربع سنوات مثلت اختبارا ومعيارا لأداء مؤسسة الرئاسة، وأنها لم تعد تهتم بمسألة التشاور مع أجهزة الدولة ومكونات السلطات، فيما تتخذه من قرارات، حتى إن إرسال قرار التعديل الوزاري للبرلمان كان شكليا، وكذلك اتخاذ قرارات مد حالة الطوارئ، وغيرها من الخطوات في اتجاهاتٍ عديدةٍ، داخليا وخارجيا، لم تعد تصنع بشكل تشاوري.
أضف إلى ذلك، لا يمكن فهم التعديل الوزاري أخيرا منعزلا عن سياقات الانتخابات الرئاسية، أو بمعنى آخر بداية مدة أخرى من حكم النظام، والذي يستدعي إعادة ترتيب بنى السلطة ومراكزها. وفي هذا السياق، جاءت التغيرات في كل أبنية السلطة في محاولة لتكيفها مع الفترة المقبلة، وقد تزامن مع التغير الوزاري إجراء تعديلات في أجهزة الأمن، ونقل مسؤولين في جهاز المخابرات وإقالتهم، في مقدمتهم رئيس الجهاز اللواء خالد فوزي، وكذلك إجراء تغيراتٍ في وزارة الداخلية، وسبق ذلك كله تغيير في قيادات الجيش، أبرزها إقالة الفريق محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش.
جاءت رانيا المشّاط إلى وزارة السياحة لتأكيد علاقات الهيمنة والنفوذ لرجال المال والاقتصاد، وكذلك علاقات تبعية السلطة لمؤسسات الإقراض الدولي، فهي إحدى أبناء صندوق النقد الدولي، المبشرين بضرورة الإصلاح الاقتصادي المعتمد على إجراءات التكيف الهيكلي، وسياسات التقشف بجانب الإصلاح المالي والإداري. وستكون المشاط عونا بالتأكيد للمجموعة الاقتصادية، لتنفيذ باقي خطط الإصلاح المزعوم. وهي، على جانب آخر، ستكون أكثر مرونةً وتفهما مع رجال الأعمال لتنشط قطاع السياحة الذي يراه النظام ضروريا لتوفير النقد الأجنبي.
وجاء وزير قطاع الأعمال، خالد بدوي، لينفذ خطة طرح بعض شركات القطاع (أكثر من أربعة آلالف شركة في البورصة)، أو إخضاعها للتكيف الهيكلي وبيع بعضها، وهي الوزارة التي عادت من عصر حسني مبارك، وتولاها أشرف الشرقاوي في إطار إدارة الأصول والشركات المملوكة للدولة، وتوفير موارد مالية، لكن الشرقاوي لم ينفذ المخطط بشكل متسارع، ما أغضب رجال المال والنفوذ.
أما وزارة التنمية المحلية فقد عادت إلى قيادة عسكرية، اللواء أبو بكر الجندي، والذي على الرغم من أن له إنجازات في إدارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتطويره ، إلا أن وجوده في هذه الوزارة المتحكمة في الإدارة المحلية يعني أن النظام يريد إحكام السيطرة عليها بعقلية أمنية، ويستطيع التعامل معها بسلاسة وثقة، خصوصا مع انتخابات الرئاسة ثم انتخابات المحليات.
وستتولى وزيرة الثقافة الجديدة، إيناس عبد الدايم، حقيبة التنوير الحكومي، لتلعب دور الوزير الأسبق، فاروق حسني، لاستيعاب المثقفين، وهو الدور الذي فشل فيه الوزير السابق حلمي النمنم. بجانب أنها موظفة من داخل أروقة الوزارة، وسترفع، هي والمشاط، عدد الوزيرات في مجلس الوزراء، الأمر الذي استخدم في رسم صورة الحاكم المنحاز للنساء، وحقهن في الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار.
ليس في التعديل الوزاري، مقارنة بما سبقه من تعديلات، تغيير جوهري، لا من حيث نوعية الوزراء الجدد وتوجهاتهم أو أدوارهم، ولا من حيث علاقتهم بقوى السلطة الأمنية والمال. وهذا يؤكد أن النظام، في المرحلة المقبلة، مستمرا في توجهاته، بينما أراد من هذه التعديلات الشكلية تجديد صورته، والإعلان أنه نظام حيوي متجدد، يأخذ في اعتباره مبادئ المحاسبة والتغيير، ومعيار الإنجاز لبقاء الوزراء أو رحيلهم، لكن هذه الصورة الاعتبارية التي يريد النظام رسمها، غير صحيحة، ولا تتناسب في الحقيقة مع مبدأ الشفافية والمحاسبة، حيث لم يتم إقالة وزير
واحد، طوال فترة حكمه، نتاج إخفاقات في الوزارة التي يديرها. كما لم يصدر مجلس الوزراء، أو مؤسسة الرئاسة، تقييما معلنا لأداء الحكومة، أو الوزراء، لنعرف كيف يرحل الوزراء، كما لا يعرف كيف يتم اختيار الوزراء وتعيينهم، وما الجهات التي ترشحهم، وكيف تخرج علينا جهات أخرى من الدولة تثبت فسادهم، قبل وفي أثناء توليهم مناصبهم، ويتم القبض عليهم في مشاهد سينمائية من ميدان التحرير، كما حدث مع وزير الزراعة السابق، صلاح هلال، أو القبض على محافظ المنوفية قبل زيارة عبد الفتاح السيسي لها بساعات.
ببساطة، لا يعتبر الحكم أن شؤون السياسة واختيار الوزراء والمحافظين تخص المجتمع والشعب، وهو لا يعبأ كثيرا بالرأي العام، ويعتبر الجمهور والقوى السياسية والنقابية وفئات المجتمع، ككل مجتمع في حالة تلقي أوامر السلطة ومواقفها، ولا يحق له المشاركة أو التساؤل وإبداء الرأي.
بمنظور أبوي سلطوي قهري، تدار أمور الحكم وشؤون السياسة والمجتمع، ويصبح أفراده فريسة لدعاية النظام، والنهب الاقتصادي والقهر والحصار الأمني. في إطار الدعاية، عليك أن تصدق ما يتحقق من إنجازات ومشروعات، بغض النظر عن بؤس حالك، أو تردي أوضاعك الاقتصادية، أو عجزك عن توفير متطلبات الحياة، أو ارتفاع تكاليف المعيشة. وعليك أن تصدق أن النظام متجدّد، يغير وزراءه وقادة أجهزة الدولة، من أجل مصلحة المواطنين وسلامة الوطن. وعليك أن تصدق أن كل قرارات الغلاء وسياسات التقشف في مصلحة المواطن. وعليك أن لا تشكك في أن سجن عشرات الآلاف ضرورة لحماية الوطن من أعدائه، وأرجوك ألا تشكك، عزيزي المواطن، في شفافية النظام ونزاهته، وهو يقبض على أفراد سلطته ويحاسبهم.
هكذا يحكم التغيير في بنى السلطة في إطار ثلاثي، يتكون من الأزمة الاقتصادية وضرورة استكمال سياسات النظام الاقتصادية، والمنظور الأمني في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وفي إطار الدعاية المصاحبة لتولي السيسي الحكم فترة جديدة. وهذا يستدعي السيطرة الكاملة، وضبط بنى السلطة، بداية من مجلس الوزراء، أو الأجهزة الأمنية، وإحكام السيطرة على السلطة التشريعية والقضائية، لتكون كل السلطات ومكونات النظام في حالة خضوع كامل لحكم الفرد.
وأثار التعديل استغراب بعض القوى السياسية والنخب، بوصف أنه لم يعالج مشكلات الحكم وإخفاقه، وبني هذا الاستغراب على قاعدة أن التعديلات الوزارية لا بد أن تعالج مشكلات الأداء أو التوجهات والسياسات الحكومية. وفي الحقيقة، تتجاهل هذه الأصوات أن النظام لا يرى في السياسات التي يطبقها مشكلة، فهو مقرّرها في النهاية، بل ينطلق من رؤية أن هناك ضرورة للتغيير في بنى السلطة ومكوناتها، لينسجم طاقم الحكم مع المرحلة المقبلة، وتزيد قدرته على الأداء، بالإضافة إلى أن النظام يغير في مكونات السلطة والتراتبية في كل أجهزتها، ليستعد لمرحلة جديدة من الحكم، وليضمن ويتأكد من خضوع كل مكوناتها له، وكذلك ليضمن مرونتها في التعامل مع بعضها بعضا بانسجام ومن دون تعارض، أو صراعات تشق صفوفها أو تضعفها، وخصوصا مع مرور أربع سنوات مثلت اختبارا ومعيارا لأداء مؤسسة الرئاسة، وأنها لم تعد تهتم بمسألة التشاور مع أجهزة الدولة ومكونات السلطات، فيما تتخذه من قرارات، حتى إن إرسال قرار التعديل الوزاري للبرلمان كان شكليا، وكذلك اتخاذ قرارات مد حالة الطوارئ، وغيرها من الخطوات في اتجاهاتٍ عديدةٍ، داخليا وخارجيا، لم تعد تصنع بشكل تشاوري.
أضف إلى ذلك، لا يمكن فهم التعديل الوزاري أخيرا منعزلا عن سياقات الانتخابات الرئاسية، أو بمعنى آخر بداية مدة أخرى من حكم النظام، والذي يستدعي إعادة ترتيب بنى السلطة ومراكزها. وفي هذا السياق، جاءت التغيرات في كل أبنية السلطة في محاولة لتكيفها مع الفترة المقبلة، وقد تزامن مع التغير الوزاري إجراء تعديلات في أجهزة الأمن، ونقل مسؤولين في جهاز المخابرات وإقالتهم، في مقدمتهم رئيس الجهاز اللواء خالد فوزي، وكذلك إجراء تغيراتٍ في وزارة الداخلية، وسبق ذلك كله تغيير في قيادات الجيش، أبرزها إقالة الفريق محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش.
جاءت رانيا المشّاط إلى وزارة السياحة لتأكيد علاقات الهيمنة والنفوذ لرجال المال والاقتصاد، وكذلك علاقات تبعية السلطة لمؤسسات الإقراض الدولي، فهي إحدى أبناء صندوق النقد الدولي، المبشرين بضرورة الإصلاح الاقتصادي المعتمد على إجراءات التكيف الهيكلي، وسياسات التقشف بجانب الإصلاح المالي والإداري. وستكون المشاط عونا بالتأكيد للمجموعة الاقتصادية، لتنفيذ باقي خطط الإصلاح المزعوم. وهي، على جانب آخر، ستكون أكثر مرونةً وتفهما مع رجال الأعمال لتنشط قطاع السياحة الذي يراه النظام ضروريا لتوفير النقد الأجنبي.
وجاء وزير قطاع الأعمال، خالد بدوي، لينفذ خطة طرح بعض شركات القطاع (أكثر من أربعة آلالف شركة في البورصة)، أو إخضاعها للتكيف الهيكلي وبيع بعضها، وهي الوزارة التي عادت من عصر حسني مبارك، وتولاها أشرف الشرقاوي في إطار إدارة الأصول والشركات المملوكة للدولة، وتوفير موارد مالية، لكن الشرقاوي لم ينفذ المخطط بشكل متسارع، ما أغضب رجال المال والنفوذ.
أما وزارة التنمية المحلية فقد عادت إلى قيادة عسكرية، اللواء أبو بكر الجندي، والذي على الرغم من أن له إنجازات في إدارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتطويره ، إلا أن وجوده في هذه الوزارة المتحكمة في الإدارة المحلية يعني أن النظام يريد إحكام السيطرة عليها بعقلية أمنية، ويستطيع التعامل معها بسلاسة وثقة، خصوصا مع انتخابات الرئاسة ثم انتخابات المحليات.
وستتولى وزيرة الثقافة الجديدة، إيناس عبد الدايم، حقيبة التنوير الحكومي، لتلعب دور الوزير الأسبق، فاروق حسني، لاستيعاب المثقفين، وهو الدور الذي فشل فيه الوزير السابق حلمي النمنم. بجانب أنها موظفة من داخل أروقة الوزارة، وسترفع، هي والمشاط، عدد الوزيرات في مجلس الوزراء، الأمر الذي استخدم في رسم صورة الحاكم المنحاز للنساء، وحقهن في الوصول إلى مواقع اتخاذ القرار.
ليس في التعديل الوزاري، مقارنة بما سبقه من تعديلات، تغيير جوهري، لا من حيث نوعية الوزراء الجدد وتوجهاتهم أو أدوارهم، ولا من حيث علاقتهم بقوى السلطة الأمنية والمال. وهذا يؤكد أن النظام، في المرحلة المقبلة، مستمرا في توجهاته، بينما أراد من هذه التعديلات الشكلية تجديد صورته، والإعلان أنه نظام حيوي متجدد، يأخذ في اعتباره مبادئ المحاسبة والتغيير، ومعيار الإنجاز لبقاء الوزراء أو رحيلهم، لكن هذه الصورة الاعتبارية التي يريد النظام رسمها، غير صحيحة، ولا تتناسب في الحقيقة مع مبدأ الشفافية والمحاسبة، حيث لم يتم إقالة وزير
ببساطة، لا يعتبر الحكم أن شؤون السياسة واختيار الوزراء والمحافظين تخص المجتمع والشعب، وهو لا يعبأ كثيرا بالرأي العام، ويعتبر الجمهور والقوى السياسية والنقابية وفئات المجتمع، ككل مجتمع في حالة تلقي أوامر السلطة ومواقفها، ولا يحق له المشاركة أو التساؤل وإبداء الرأي.
بمنظور أبوي سلطوي قهري، تدار أمور الحكم وشؤون السياسة والمجتمع، ويصبح أفراده فريسة لدعاية النظام، والنهب الاقتصادي والقهر والحصار الأمني. في إطار الدعاية، عليك أن تصدق ما يتحقق من إنجازات ومشروعات، بغض النظر عن بؤس حالك، أو تردي أوضاعك الاقتصادية، أو عجزك عن توفير متطلبات الحياة، أو ارتفاع تكاليف المعيشة. وعليك أن تصدق أن النظام متجدّد، يغير وزراءه وقادة أجهزة الدولة، من أجل مصلحة المواطنين وسلامة الوطن. وعليك أن تصدق أن كل قرارات الغلاء وسياسات التقشف في مصلحة المواطن. وعليك أن لا تشكك في أن سجن عشرات الآلاف ضرورة لحماية الوطن من أعدائه، وأرجوك ألا تشكك، عزيزي المواطن، في شفافية النظام ونزاهته، وهو يقبض على أفراد سلطته ويحاسبهم.
هكذا يحكم التغيير في بنى السلطة في إطار ثلاثي، يتكون من الأزمة الاقتصادية وضرورة استكمال سياسات النظام الاقتصادية، والمنظور الأمني في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وفي إطار الدعاية المصاحبة لتولي السيسي الحكم فترة جديدة. وهذا يستدعي السيطرة الكاملة، وضبط بنى السلطة، بداية من مجلس الوزراء، أو الأجهزة الأمنية، وإحكام السيطرة على السلطة التشريعية والقضائية، لتكون كل السلطات ومكونات النظام في حالة خضوع كامل لحكم الفرد.