إضراب "السترات الصفراء" غداً السبت يُهدّد الحكومة الفرنسية

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
16 نوفمبر 2018
57C7FC10-606C-4925-902F-665B87BCF4EE
+ الخط -
لا حديث في فرنسا الآن سوى عن حركة "السترات الصفراء"، التي قررت التظاهر غدا السبت، وشلّ الطرقات والأماكن الاستراتيجية إن استطاعت، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات وهو الهدف المعلن، وعلى السياسة الحكومية، وهو ما يقصده الكثيرون.

وفيما شهدت باريس اليوم الجمعة تظاهرة لسائقي سيارات الإسعاف، احتجاجاً على سحب المادة 80 من مشروع الموازنة الخاصة بالضمان الاجتماعي، سيتتبع الفرنسيون غداً السبت، في الطرقات وأمام التلفاز، السيارات لرؤية السترات الصفراء على أجساد السائقين، أو رؤيتها داخل السيارات الغاضبة.

وعلى الرغم من كل التبريرات التي تسوّقها الحكومة لإجراءات رفع أسعار الوقود، التي تصبّ في نظرها باتجاه الانتقال الإيكولوجي، نحو التخلص من الديزل، والبحث عن طاقات نظيفة وصديقة للبيئة، ورغم كل التنازلات، التي قدمها رئيس الحكومة والعديد من وزرائه، وخاصة الرفع من قيمة وعدد المستفيدين من "صكّ المحروقات" (نحو 5.6 ملايين شخص)، وأيضا رفع المساعدة المالية لأجل التخلص من السيارات الملوِّثة من 2000 إلى 4000 يورو، أو تقديم المساعدة للتشارك في النقل، ثم الوعود بالتخلص من التدفئة الملوِّثة، كزيت الوقود، في السنوات العشر القادمة.

وعلى الرغم أيضا من محاولة الرئيس ماكرون قبل يومين، ومن حاملة الطائرات، شرح هذه الإجراءات، التي توعّد بألا يضع حدّا لها، والتي كشف أن كل المرشَّحين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانوا يؤيدونها، إلا أن هذه الحركة مصرّة على التظاهر غدا السبت، في عموم البلاد، لأنها لا تريد سوى تراجع الحكومة عن كلّ الزيادات في أسعار المحروقات.

ترقّب نتائج الحراك

وليس من المبالغة القول إن الجميع في فرنسا ينتظرون حراك الغد، مواطنين وحكومة ومعارضة. فالمواطنون، الذين يؤيدون في غالبيتهم الساحقة هذا الحراك، أكثر من 70%، يريدون نجاحه لدفع الحكومة للاستجابة لبعض مطالب المضربين. في حين أن المعارضة، التي تؤيد في غالبيتها هذا الحراك، تأمل نجاحه، حتى تحقق مكاسب سياسية وانتخابية، مع قرب الانتخابات الأوروبية، في حين أن الحكومة تأمل أن تكون المشاركة ضعيفة، ثم تنحسر هذه التعبئة، حتى تمضي قُدُما في إصلاحاتها وفي فرض ضرائبها.

وما يعزز صعوبة التكهن بما سيحدث غدا، هو كون هذا الحراك نشأ في شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم فلا أحد يمكنه معرفة حجمه الطبيعي. وعلى الرغم من مواقف سياسية مختلفة داعمة له، كحزب "الجمهوريون" الذي سيشارك رئيسه لوران فوكييز في الحراك، كما سيشارك فيه رئيس حزب "انهضي يا فرنسا" نيكولا دوبون- إنيان، وأيضا دعم حزب "التجمع الوطني" والحزب الاشتراكي و"فرنسا غير الخاضعة"، إلّا أن مشاركتها ستظلّ خافتة، حتى تترك لهذا الحراك حريته الميدانية وامتداداته الشعبية، وقدرته على إزعاج الحكومة.

ويبدو أن الدعم المعلن للحراك من أطراف سياسية وازنة، هو ما جعل الرئيس إيمانويل ماكرون يتحدث عن استغلال وتوظيف سياسي لهذا "الغضب" المشروع، وهو ما كرّرَه وزراء عديدون ومقربون من "الجمهورية إلى الأمام". وانضاف الزعيم النقابي فيليب مارتينيز، الأمين العام لنقابة "سي. جي. تي" المحسوبة على اليسار، التي رفضت الانضمام إلى حراك السترات الصفراء، لكن مع إبراز تعاطف مشروع معه، إلى انتقاد الاستغلال السياسي وأيضاً، وبشكل خاص، استغلال أرباب العمل لِحراك غد السبت.

ورأى فيه "دعماً من أرباب العمل" في التعبئة، من خلال تسهيل حصول العمال على شواهد التوقف عن العمل (حتى تتسنى لهم المشاركة في تظاهرات الغد). وهي مقارنة من الزعيم النقابي مع موقف أرباب العمل، قبل أشهر، في محاصرة المضربين ضد إصلاح "المكتب الوطني للسكك الحديدية"، والتضييق عليهم وحرمانهم من التعويضات.

موقف السلطات

لا يزال المنظّمون لهذا الحراك يتسترون على تفاصيل ما سيحدُث غدا، ولم يتم الإعلان لحد الآن، سوى عن نحو مئة تظاهرة في فرنسا، على الرغم من توقع حدود أكثر من 1500 تظاهرة. وهو ما يعتبر نوعا من التجاوز للقانون الذي يفرض على المضربين إعلان طبيعة احتجاجهم، قبل ثلاثة أيام من وقوعه.

وشدّد أعضاء في الحكومة، ومن بينهم وزير الداخلية، على عدم السماح بأي عملية شلّ للطرقات في فرنسا.

ولا أحد يعرف كيف ستتعامل الحكومة، التي عبّأت الكثير من أفراد الشرطة والدرك، مع المتظاهرين، وهل ستفضل الصرامة، وخصوصا أن القوانين الزجرية تنص على الإعلان المسبق عن كل تجمع، وعلى سنتَيْن سجناً لجرم الإعاقة، و4500 يورو غرامة لكل حالة شلّ طريق، إضافة إلى سحب رخصة السياقة أو على الأقل 6 نقاط من الرخصة.

أبعد من غلاء الوقود

وإذا كان ارتفاع أسعار الوقود هو ما خلق ظاهرة "السترات الصفراء"، لكن ثمة تراكمات ضريبية ساهمت في الاحتقان، وهي تلخص "انخفاض القدرة الشرائية للفرنسيين"، ويمكن عرض بعض منها، كالضريبة على السكن وخفض مساعدات السكن وفرض ضريبة "المساهمة الاجتماعية المعممة" على المتقاعدين، وأيضا ارتفاع سعر الغاز، وأخيرا وليس آخرا، ارتفاع أثمان السجائر.

في آخر ظهور إعلامي للرئيس ماكرون، اعترف بفشله في ردم الهوّة بين الحكومة وبين الشعب، بين الطبقة السياسية والفرنسيين، فهل سينظر إلى هذا الحراك على أنه تعبير طبيعي عن الغضب والمعاناة، وينصت إليه ويقدم تنازلات ولو مؤلمة، أم سيركّز على أنه من تدبير معارَضة تريد كبح إصلاحاته، ومن ثم سيُعمِل القوة والقانون لإفشاله، كما فعل مع مُعارضي كلّ إصلاحاته.

ولعلّ الكثيرين التفتوا إلى تكرار الرئيس ومستشاريه، انتقاد كلّ رؤساء الجمهورية السابقين، الذين انحنوا أمام العاصفة، وهو إصرارٌ قد يدفع ماكرون للتشدّد ولعدم تغيير البوصلة، ولو أن شعبيته وصلت للحضيض.

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
إضراب في نابلس شمالي الضفة حداداً على هنية 31/7/2024 (زين جعفر/فرانس برس)

سياسة

عم الإضراب الشامل محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلة، تنديدا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة على مقر إقامته في طهران.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
المساهمون