إصلاحات اقتصادية..هبوط النفط يدفع السعودية إلى تنويع مصادرها

17 ديسمبر 2015
تراجع النفط يقلص الإنفاق المتزايد (Getty)
+ الخط -
يواجه الاقتصاد السعودي تحديات حقيقية، بسبب انخفاض أسعار النفط، ورغم وجود احتياطيات نقدية ضخمة تصل إلى 667 مليار دولار، إلا أنها قد لا تكون كافية لتفادي تأثير هبوط النفط، ما يدفعها لإصلاحات اقتصادية بغرض تنويع مصادرها.

وتسارع السعودية الخطى لتنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية باتت مجبرة عليها، لمواجهة انخفاض أسعار النفط وإزالة التشوهات الاقتصادية المتراكمة على مدارة عقود.


وظلت السنوات العشر الماضية حافلة بمشاريع ضخمة في البنية التحتية، ومع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية استثمرت الحكومة السعودية مئات المليارات في مشاريع البنية التحتية، وارتفع الناتج المحلي (بالأسعار الجارية) من 1.2 تريليون ريال في 2005 (320 مليار دولار) إلى 2.8 ترليون ريال (746.6 مليار دولار) في 2014، بزيادة بلغت نسبتها نحو 133.3%.

لكن في المقابل خلت تلك الفترة تقريبا من إصلاحات اقتصادية جذرية، باستثناء الإصلاحات المتعلقة بسوق العمل وزيادة نسب التوطين في القطاع الخاص.

أما اليوم فيواجه الاقتصاد السعودي تحديات حقيقية، بسبب انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 39 دولاراً للبرميل. ورغم وجود احتياطيات ضخمة من العملة الأجنبية تصل إلى أكثر من 2.5 تريليون ريال (667 مليار دولار)، إلا أنها قد لا تكون كافية لتفادي تأثير انخفاض أسعار النفط، فمستويات العجز مرتفعة، وستتجاوز 400 مليار ريال (107 مليارات دولار) هذا العام، فيما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن هذا الاحتياطي قد ينفد خلال 5 سنوات، إذا لم تقلص الحكومة السعودية إنفاقها بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: الخليج يرفع عائد الدولار بعد ساعات من القرار الأميركي

وبحسب البيانات الرسمية، أنفقت الحكومة خلال العام الماضي أكثر من 1.1 تريليون ريال (293.3 مليار دولار)، بينما لن تتجاوز عوائد الحكومة لعام 2015، بسبب انخفاض أسعار النفط 600 مليار ريال (160 مليار دولار).

وكان الإنفاق الحكومي المتزايد هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية، فقد ارتفع حجم المصروفات الحكومية الفعلية من 346 مليار ريال (92.2 مليار دولار) في عام 2005 إلى أكثر من 1.1 تريليون ريال في 2014، بزيادة تتجاوز نسبتها 217.9%.


كما أسهم في هذا النمو التدفق المستمر لأعداد كبيرة من العمالة الوافدة للمساهمة في مشاريع البنية التحتية، والتي ارتفعت في القطاع الخاص حسب الأرقام الرسمية من 3.6 ملايين عامل في 2005 إلى 5.7 ملايين عامل في 2014، بزيادة نسبتها 58%.

وترافق هذا النمو الاقتصادي مع ارتفاع كبير في مستويات استهلاك الطاقة، حيث ارتفع عدد البراميل النفطية التي يتم استهلاكها محليا لإنتاج الطاقة من مليوني برميل في 2005 إلى 3.2 ملايين في 2014، بارتفاع نسبته 60%.

وارتفعت كذلك أعداد الموظفين في القطاع الحكومي بنسبة كبيرة، متجاوزين 3.2 ملايين موظف في 2014، وزاد إجمالي ما تدفعه الحكومة من مرتبات وبدلات إلى أكثر من 310 مليارات ريال (82.6 مليار دولار) العام الماضي، أي أكثر من كامل المصروفات التي أنفقتها الحكومة عام 2004.

اقرأ أيضاً: 12.7 مليار دولار عجزاً في موازنة قطر لعام 2016

كما استمر الدعم الحكومي للوقود والكهرباء ومدخلات الإنتاج في المصانع وبعض السلع الاستهلاكية الأخرى، حيث تشير التقديرات إلى أن قيمة الدعم المقدم من الحكومة تتجاوز 300 مليار ريال (80 مليار دولار) سنويا.

وظل النمط الاقتصادي في السعودية خلال السنوات العشر الماضية امتدادا للعلاقة الاقتصادية بين الحكومة والمواطنين خلال الأربعة عقود الماضية، وهي علاقة أشبه بـ"العلاقة الأبوية"، فالحكومة توفر احتياجات المواطنين، وتدعم أسعار السلع التي يحتاجون إليها، وتوفر لهم الوظائف الحكومية المريحة ذات المرتبات المرتفعة نسبيا، كما تسهم في تقليل التكاليف على القطاع الخاص من خلال توفير الطاقة الرخيصة ومدخلات الإنتاج المدعومة وفتح الباب لهم لاستقدام العمالة الرخيصة.

ولكن استمرار هذا النوع من العلاقة، يعتمد بشكل شبه كامل على استمرار عوائد النفط المرتفعة، التي تمثل أكثر من 90% من دخل الحكومة.

ومع انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 38 دولارا وفق المستويات الحالية، فإن استمرار تلك العلاقة يبدو صعبا أو حتى مستحيلا، لا سيما بعد فقدان البرميل نحو 66% من قيمته في نحو عام ونصف.

وربما كان نمط "الدولة الأبوية"، قابلا للاستمرار لمدة أطول لو كانت أعداد المواطنين بضعة ملايين، ولكن في بلد يتجاوز فيه عدد المواطنين 20 مليونا، ومجموع عدد سكانه يتجاوز 30 مليونا، فإن هذا النمط لا يمكن له أن يستمر، فالإنفاق الحكومي المتزايد رفع من سعر التعادل، وهو سعر النفط المطلوب لتغطية الإنفاق الحكومي من أقل من 30 دولارا عام 2005 إلى أكثر من 100 دولار العام الحالي.

اقرأ أيضاً: الدولار يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين بعد رفع عائده

كما أن الأعداد الضخمة من العمالة الوافدة رفعت من حجم التحويلات إلى الخارج، حيث تجاوز حجم الحوالات العام الماضي 150 مليار ريال (40 مليار دولار)، أي أنها تمثل أكثر من 25% من حجم العوائد النفطية المتوقعة لهذه السنة، فضلا عن أن تلك العمالة تكلف الحكومة أكثر من 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) كقيمة دعم الوقود أو الكهرباء أو الغذاء.

فاستهلاك النفط محليا تجاوز 4 ملايين برميل يوميا، وذلك من إجمالي إنتاج يصل إلى حوالي 11 مليون برميل، يتم تصدير حوالي 7 ملايين منه إلى الخارج، ويستهلك الباقي محليا، وهذا النمو المتزايد من الاستهلاك المحلي للنفط سيؤثر مستقبلا في قدرة السعودية على تصدير الخام.


وما يزيد من صعوبة الوضع هو دخول أكثر من 3 ملايين مواطن لسوق العمل خلال العشر سنوات القادمة. ولن تستطيع الحكومة أن توفر لهم وظائف في القطاع الحكومي المتضخم أصلا، كما أن القطاع الخاص يعتمد في نموه على نمو الإنفاق الحكومي، وبالتالي فإنه لن يكون قادرا على خلق ما يكفي من الوظائف لاستيعاب كل تلك الملايين من المواطنين في ظل الخفض المتوقع للإنفاق الحكومي مع استمرار انخفاض أسعار النفط.

ربما كانت النوايا جيدة في تبني نموذج الدولة الأبوية خلال العقود الأربعة الماضية، وكان صنّاع القرار يهدفون لرفع مستوى رفاهية المواطن، وإعادة توزيع ثروة النفط من خلال تلك القنوات، بالإضافة إلى ضمان الاستقرار الذي يرتبط بشكل مباشر بالاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى الرفاه.

اقرأ أيضاً: رفع أسعار الفائدة الأميركية.. انعكاسات على النفط والمصارف العربية

ولكن الضرر الذي ترتب على هذا النموذج الاقتصادي كان عميقا جدا، وتشكل بسببه اقتصاد مشوّه وهش وغير منتج. فما تزال البلاد تعتمد بشكل شبه كلي على النفط، بينما فشلت خلال الأربعة عقود الماضية في تنويع مصادر دخل الحكومة، حيث لا تشكل الصادرات غير النفطية أكثر من 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار)، بينما يتجاوز حجم ما تستورده المملكة من العالم أكثر من 800 مليار ريال (213.3 مليار دولار).

وتحول القطاع الخاص بسبب كل تلك التشوهات الاقتصادية المتراكمة إلى قطاع طفيلي غير قادر على البقاء إلا باستمرار الدعم الحكومي ووفرة العمالة الرخيصة، وكلما نما هذا القطاع زاد التشوه وزاد استهلاك هذا القطاع للموارد الاقتصادية.

كل تلك التشوهات جعلت الاقتصاد السعودي هشّا ومعرضا للهزات، مع أي انخفاض في أسعار النفط. وأصبح لا بديل أمام الحكومة إلا البدء في رحلة التحول لاقتصاد منتج، يخلق ثروته بأيدي مواطنيه وليس بمقايضة نفط يستخرج من تحت الأرض لشراء سلع العالم واستيراد العمالة الرخيصة.

وأبرز ملامح تلك الخطوات هو رفع الدعم الحكومي عن أسعار الوقود والكهرباء وغيرها من السلع والخدمات، وربما الاستعاضة عنه بدعم نقدي بشكل مباشر للمواطنين، وتقليص التوظيف الحكومي إلى الحد الأدنى، وتقليص استقدام العمالة الأجنبية إلى الحد الأدنى، وتخفيض سعر صرف الريال، وفرض ضريبة على المبيعات، وعلى دخل الأفراد والشركات، وكسر الاحتكارات في بعض القطاعات الاقتصادية المهمة كالمصارف وشركات الإسمنت وبعض القطاعات الخدمية الحيوية والتشديد في تنفيذ رسوم الأراضي البيضاء للقضاء على احتكارات الأراضي بشكل كامل.

كثير من تلك الإصلاحات أشار إليها الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفق تسريبات لصحف عالمية مؤخرا، حول لقائه مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان.

اقرأ أيضاً: عجز موازنة في الكويت وقطر

تخفيض النفقات غير الضرورية 

قال وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، إن المملكة كانت مستعدة لتقلبات أسعار النفط وإن الأمر لم يكن خارج السيطرة، مشيرا إلى أن المملكة تعودت على الارتفاعات السريعة وكذلك الانخفاضات في أسعار النفط. وأضاف العساف في لقاء مع إحدى الفضائيات في سبتمبر/أيلول الماضي، أن السعودية تعمل على تخفيض النفقات غير الضرورية، لكن سيظل هناك تركيز على المشروعات الرئيسية، التي تعتمد بشكل رئيسي على إيراداتها من النفط.

اقرأ أيضاً: مساعدات سعودية مرهونة لمصر