18 نوفمبر 2024
إسرائيل تفجر انتفاضة فلسطينية جديدة
لم تترك إسرائيل، منذ احتلالها القدس في 1967، أية فرصة للعمل على تغيير وجه المدينة، من خلال قوانين الضم أو المصادرة أو الاستيطان المكثف، والسعي الحثيث، في كل مرة، إلى توسيع الحدود البلدية للمدينة. ما جعل الجغرافي الهولندي، يان دي يونغ، يكتب، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بشأن القدس: "الذين يتوقعون أن تكون خريطة القدس المطروحة على الطاولة (في مفاوضات الوضع النهائي) مطابقة لوضعها بعد 1967 سيفاجأون تماماً. فالأرجح أن الخارطة ستمتد من بيت شمس ومدعين في الغرب (أي نصف الطريق إلى تل أبيب تقريباً) إلى كليومترات قليلة عن حلحول والخليل في الجنوب، إلى ما بعد رام الله في الشمال، إلى بضعة كيلومترات عن أريحا في الشرق. تبلغ هذه المساحة الهائلة التي تعتبرها إسرائيل عادة القدس الكبرى 1250 كيلومتراً مربعاً، يقع ثلاثة أرباعها في الضفة الغربية". القدس كما يراها الإسرائيليون في شكلها الموسع الحالي (يقل قليلاً فقط عن الصورة التي يرسمها لها دي يونغ) يشمل حوالي 25% من مساحة الضفة الغربية، وهي موضوع غير قابل للنقاش من وجهة النظر الإسرائيلية.
لم يكن هذا موقفا سياسيا إسرائيليا فحسب، بل تم العمل الحثيث من أجل جعله واقعا على الأرض، وتقليص الوجود الفلسطيني في القدس الشرقية إلى حدّه الأدنى، مستخدمة بذلك كل الأساليب ومحاصرته، وقد تم العمل على عزل التجمعات السكانية الفلسطينية بزرع المستوطنات بينها من جهة، وإحاطتها بمستوطناتٍ أخرى من جهة أخرى، واعتمدت الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس، على مدى سنوات الاحتلال، إجراءاتٍ قاسية للتوصل إلى كل ما من شأنه أن يؤدّي إلى تهويد المدينة كلياً، إما بإرغام الفلسطينيين على الرحيل، أو بتقليص وجودهم إلى غيتوات صغيرة ومنفصلة، وعدم منحهم أذونات البناء في المناطق التي تعتبرها إسرائيل غلاف القدس، وهدم البيوت بحجة عدم الحصول على ترخيص، والدفع بأعداد كبيرة من المستوطنين، حتى أصبح اليهود أكثريةً في القدس الشرقية ومحيطها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
هذه سياسة إسرائيل الثابتة بشأن القدس، منذ ضمت المدينة بعد احتلالها. وفي كل المراحل،
حاولت تكريسها على اعتبار أنها قضية إجماع إسرائيلي، لا يمكن التنازل عنها، بوصفها أكثر الأماكن قدسيةً بالنسبة لليهود. لذلك، حتى مع وعد السلام، ومع وصول إسحاق رابين إلى السلطة في إسرائيل في 1992 قال "لا يمكن لنا أن نعرّف القدس والمناطق المحيطة بأنها تمثل موضوعاً سياسياً أو أمنياً. القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية ستبقى عاصمتنا إلى الأبد، وهي بالنسبة إلينا بمثابة القلب والروح للشعب اليهودي". هذا ما قاله من كان يعتبر "رجل السلام" في إسرائيل، وفي لحظة كانت العملية التفاوضية قائمةً على قدم وساق. أصبح هذا كله من الماضي، إسرائيل انزلقت إلى اليمن، وحتى الحزب الذي كان يرأسه رابين تحوّل إلى ركام، واليمين يملأ كل طيف الساحة السياسية الإسرائيلية، وبنيامين نتنياهو أصبح ملك إسرائيل المتوّج. والقدس موضوع اتفاق إجماعي بين الأحزاب الإسرائيلية، ليست مطروحة للنقاش بشأن ما يتعلق بالأرض، وإنها مطروحةٌ للنقاش فقط بشأن السكان الفلسطينيين في منطقة القدس الموسعة، والتي تم تطويقها بالجدار العازل، لتكريس مزيدٍ من الوقائع على الأرض. بالنسبة إلى إسرائيل، القدس هي الحدود البلدية الحالية التي رسمت سنة 1967، وهي تشمل القدس الغربية وأجزاء من الضفة الغربية ضُمت إلى القدس، ولم تكن ضمن الحدود البلدية للقدس، يوم كانت تحت السيادة الأردنية. وقد عملت إسرائيل على إيجاد وقائع ديموغرافية أيضا، حيث بات الإسرائيليون يشكلون الأغلبية في المناطق التي ضمت بعد 1967 إلى مدينة القدس من الضفة الغربية. وهكذا، تتضمن السيطرة السياسية السيطرة الديمغرافية التي تقلص بدورها الخيارات السياسية الممكنة في النهاية في أية تسوية سلمية ممكنة، تسعى السياسات الإسرائيلية إلى إفشالها مسبقا.
بقيت القدس من قضايا مفاوضات الوضع النهائي، حسب اتفاق أوسلو. وحسب الجدول الزمني للاتفاق، فإن الحكم الذاتي في غزة وأريحا هو المرحلة الأولى للحكم الذاتي الفلسطيني، وأن
وضع القدس سيبحث مستقبلاً مع مفاوضات الحل الدائم. وجاء في الاتفاق أيضاً أنه لا يحق لأيٍّ من الجانبين أن يقوم بعمل من شأنه التأثير في وضع المدينة النهائي، استباقاً للمفاوضات من أجل "خلق حقائق على الأرض". مضى عشرون عاما على التاريخ الذي حدّده اتفاق أوسلو لنهاية مفاوضات الحل النهائي، التي كان من المفترض أن تنتهي في 1998، وبقيت السياسات الإسرائيلية تفرض وقائعها في الأراضي المحتلة، من دون أن يردعها أحد، ومن دون أن تجد العقاب على سياساتها الاستيطانية التي توسّعت بشكل كبير بعد اتفاقية أوسلو.
تشكل القدس المشكلة الأكثر تعقيداً في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بسبب موقعها الديني المقدس لجميع الديانات السماوية أولاً، وبسبب موقعها الجغرافي الأمني ثانياً، وتعمل إسرائيل، بكل الوسائل، من أجل تحويل أي حل يمس السيادة الإسرائيلية على المدينة إلى مسألة مستحيلة. وقد استغلت العملية الفدائية في المسجد الأقصى، من أجل فرض وقائع جديدة، لكن هذه المرة ليست في غلاف القدس، بل في القلب من المدينة القديمة، وفي المكان الأكثر قدسية، المسجد الأقصى. وتعرف إسرائيل أن إجراءاتٍ جديدة في هذا المكان تغير الواقع القائم تعتبر سياسة شديدة الاستفزازية للفلسطينيين. ولم تجد كل التدخلات الدولية من أجل إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعت للتفتيش، وإطفاء فتيل القنبلة الذي أشعلته إسرائيل آذانا صاغية في إسرائيل التي قرّرت السير في إجراءاتها الاستفزازية، وهو ما جعلها تؤسّس لانتفاضة فلسطينية جديدة، كل معطياتها الموضوعية موجودة في الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية، والانتفاضة الفلسطينية كانت بحاجة فقط إلى الفتيل الذي أشعلته إسرائيل، وقد أشعلت إسرائيل الفتيل في أكثر الأماكن تفجّرا، المسجد الأقصى.
لم يكن هذا موقفا سياسيا إسرائيليا فحسب، بل تم العمل الحثيث من أجل جعله واقعا على الأرض، وتقليص الوجود الفلسطيني في القدس الشرقية إلى حدّه الأدنى، مستخدمة بذلك كل الأساليب ومحاصرته، وقد تم العمل على عزل التجمعات السكانية الفلسطينية بزرع المستوطنات بينها من جهة، وإحاطتها بمستوطناتٍ أخرى من جهة أخرى، واعتمدت الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس، على مدى سنوات الاحتلال، إجراءاتٍ قاسية للتوصل إلى كل ما من شأنه أن يؤدّي إلى تهويد المدينة كلياً، إما بإرغام الفلسطينيين على الرحيل، أو بتقليص وجودهم إلى غيتوات صغيرة ومنفصلة، وعدم منحهم أذونات البناء في المناطق التي تعتبرها إسرائيل غلاف القدس، وهدم البيوت بحجة عدم الحصول على ترخيص، والدفع بأعداد كبيرة من المستوطنين، حتى أصبح اليهود أكثريةً في القدس الشرقية ومحيطها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
هذه سياسة إسرائيل الثابتة بشأن القدس، منذ ضمت المدينة بعد احتلالها. وفي كل المراحل،
بقيت القدس من قضايا مفاوضات الوضع النهائي، حسب اتفاق أوسلو. وحسب الجدول الزمني للاتفاق، فإن الحكم الذاتي في غزة وأريحا هو المرحلة الأولى للحكم الذاتي الفلسطيني، وأن
تشكل القدس المشكلة الأكثر تعقيداً في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بسبب موقعها الديني المقدس لجميع الديانات السماوية أولاً، وبسبب موقعها الجغرافي الأمني ثانياً، وتعمل إسرائيل، بكل الوسائل، من أجل تحويل أي حل يمس السيادة الإسرائيلية على المدينة إلى مسألة مستحيلة. وقد استغلت العملية الفدائية في المسجد الأقصى، من أجل فرض وقائع جديدة، لكن هذه المرة ليست في غلاف القدس، بل في القلب من المدينة القديمة، وفي المكان الأكثر قدسية، المسجد الأقصى. وتعرف إسرائيل أن إجراءاتٍ جديدة في هذا المكان تغير الواقع القائم تعتبر سياسة شديدة الاستفزازية للفلسطينيين. ولم تجد كل التدخلات الدولية من أجل إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعت للتفتيش، وإطفاء فتيل القنبلة الذي أشعلته إسرائيل آذانا صاغية في إسرائيل التي قرّرت السير في إجراءاتها الاستفزازية، وهو ما جعلها تؤسّس لانتفاضة فلسطينية جديدة، كل معطياتها الموضوعية موجودة في الواقع القائم في الأراضي الفلسطينية، والانتفاضة الفلسطينية كانت بحاجة فقط إلى الفتيل الذي أشعلته إسرائيل، وقد أشعلت إسرائيل الفتيل في أكثر الأماكن تفجّرا، المسجد الأقصى.