بعدما وضعت روسيا اللمسات الأخيرة على اتفاق المنطقة الثالثة من مناطق "تخفيف التصعيد" في ريف حمص الشمالي، يبدو أن الأنظار تتجه لحل عقدة المنطقة الأصعب من مناطق "تخفيف التصعيد" والتي تضم محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية، والتي يبدو أنها تتجه إلى تطور أكثر دموية من المناطق السابقة كونه يتطلّب استئصالاً لـ"جبهة النصرة" (فتح الشام) وكل الفصائل المتحالفة معها، قبيل البدء بتنفيذ أي اتفاق. وتشير التحركات الدولية والاتفاقات السابقة التي رعتها كل من روسيا وإيران، إلى أن مخطط ضرب "النصرة" في إدلب، يقوم على تجميع كل عناصر الجبهة والفصائل المؤيدة لفكر تنظيم "القاعدة" في محافظة إدلب، ومن ثم القيام بعملية عسكرية للقضاء عليه وعلى الفصائل التي تواليه، من التشكيلات العسكرية الأخرى.
وأظهرت التصريحات الروسية أخيراً تجاهل الروس لمطالبة النظام بدعم هجوم لقواته على إدلب. فقد قالت خبيرة الشرق الأوسط في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، والذي يقدّم استشارات للكرملين، إيلينا سوبونينا، إنّ "أي هجوم جديد وكبير من قبل قوات الحكومة السورية لن ينجح من دون دعم القصف الروسي من الجو". وأضافت: "لقد أخطأت القيادة السورية في تقدير ما إذا كانت روسيا ستقدّم لها المساعدة للسيطرة على إدلب كما فعلت في حلب"، قائلة إنّ "موسكو قررت كبح جماح المتهورين في دمشق، لأنّ الأولوية الآن ليست القبض على إدلب".
ويبدو أن السكوت على سيطرة تنظيم "هيئة تحرير الشام" (التي تشكّل النصرة طرفها الأقوى) على محافظة إدلب، كان الهدف منه إيجاد الذريعة للقيام بعملية واسعة في المحافظة بهدف القضاء على الهيئة. إلا أن هذا السيناريو يقوم على حسابات غير مدركة لحقيقة الوضع في المنطقة، ويحمل الكثير من المخاطر، سواء لما قد يتسبب به من قتل للكثير من المدنيين، أو لجهة توريطه العديد من الفصائل في معركة كان من الممكن أن تكون فيها مع الطرف الآخر، وذلك لأن طبيعة التحالفات الحالية بين معظم الفصائل و"هيئة تحرير الشام" هي تحالفات لا علاقة لها بتأييد فكر "القاعدة"، وإنما ترتبط بتحالفات مع المنتصر للحفاظ على البقاء، بالتزامن مع عزف هذا المنتصر (الهيئة) على وتر توحد الفصائل وإبداء بعض المرونة والتغيير في خطابه لاستقطاب أكبر عدد من الفصائل والجمهور.
كما أن ترك "هيئة تحرير الشام" تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، يثير العديد من التساؤلات حول الجهة التي ستدير المنطقة في ما لو جرت عملية عسكرية للقضاء عليها، كما يثير مخاوف لدى سكان تلك المنطقة من أن يكون البديل عن "النصرة" هو النظام السوري.
وبالتزامن مع الانتهاء من اتفاقات "تخفيف التصعيد" في المناطق الثلاث (الجنوب، غوطة دمشق، وريف حمص الشمالي)، بدأت تظهر مؤشرات عمل عسكري يستهدف "النصرة"، ببيان عن الخارجية الأميركية على لسان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية مايكل راتني، قال فيه إن "جبهة النصرة" وكل القوى التي تتحالف معها هدف للقوات الأميركية، كما اعتبر أن أي إدارة مدنية تنتجها "هيئة تحرير الشام" هي إدارة زائفة وواجهة للهيئة، وستعتبرها الولايات المتحدة تنظيماً ملحقاً بتنظيم إرهابي. وكان الأهم تحذير الخارجية الأميركية من أنه في حال تحققت هيمنة "النصرة" على الشمال سيصبح من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية بعدم اتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة.
ويرى مراقبون أن هذا البيان الأميركي بمثابة تحضير بموافقة أميركية لعملية عسكرية ضد "فتح الشام" في المنطقة. وكانت صحيفة "قرار" المُقرَّبة من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، كشفت أن أنقرة بالتشاور مع التحالف الدولي، وضعت خطة من أجل تنفيذ عملية عسكرية مشتركة في إدلب، وذلك بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام" على المنطقة، مبينة أن "سيطرة هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة على معبر باب الهوى الحدودي من الجانب السوري أدى لزيادة خطرها" بالنسبة لتركيا. وأضافت الصحيفة: "مع وصول معلومات تفيد بالتحاق عناصر تنظيم داعش الهاربين بصفوف هيئة تحرير الشام، يتم العمل على إنشاء حلف روسي أميركي تركي فرنسي من أجل شنّ عملية ضد التنظيم الإرهابي. وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام كانت قد فكَّت ارتباطها عن تنظيم القاعدة قبل ما يقارب العام، إلا أنها وبحسب المعلومات الواردة، لم تزل على علاقة وثيقة بالتنظيم الإرهابي". وأكدت الصحيفة أنه مع إحكام سيطرة "هيئة تحرير الشام" على إدلب وأخذها لمعبر باب الهوى الحدودي من الجانب السوري وتقدّمها الملحوظ، كل ذلك جعل من تركيا وباقي الدول الأخرى تتخذ إجراءات طارئة، وهذا ما يوضِّح وجود التدخّل العسكري التركي في إدلب على جدول أعمال تركيا.
وتعليقاً على هذا الموضوع، أكد مصدر مسؤول في حركة "أحرار الشام"، لـ"العربي الجديد"، أن الموقف التركي حالياً هو أشد غموضاً من قبل، موضحاً أن تركيا تتعرض حالياً لاتهامات من قبل الولايات المتحدة وغيرها بأنها هي من مكّنت "القاعدة" للسيطرة على محافظة إدلب. وأضاف المصدر أن محافظة إدلب "أصبحت عقدة صراعات دولية بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ولكننا في الحركة لا نعلم حتى الآن حقيقة الموقف التركي تجاه المنطقة خلال الفترة المقبلة"، معتبراً أن "سيطرة النصرة على محافظة إدلب كانت بقرار دولي من أجل خلق ذريعة للتدخّل ومن أجل إضعاف حركة أحرار الشام التي تشكل رقماً صعباً في المنطقة لا يمكنهم ضربه لأنها غير مصنفة كتنظيم إرهابي وتتمتع بحاضنة شعبية كبيرة".
ورأى المصدر أن هناك مخططاً للقضاء على الثورة السورية كان الجزء الأخير منه هو تزامن ثلاثة أحداث مع بعضها، وهي حصار قطر "الحليف الأصدق للثورة"، وإيقاف الولايات المتحدة دعمها للمعارضة من خلال وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية، وسيطرة "النصرة" على المشهد شمالي سورية، وهي أحداث كلها تصب في خانة القضاء على الثورة. وعن موقف حركة "أحرار الشام" في حال قيام عملية ضد "هيئة تحرير الشام"، قال المصدر: "قطعاً لن ننسق مع الهيئة في حال قيام عملية كهذه، ولكن هل سنكون مع العملية أو ضدها، فهذا يتعلق بطبيعة العملية ومعطياتها، وهذا الأمر لا يزال غامضاً بالنسبة لنا".
وأشار عليوي إلى أن "عملية دولية لاجتثاث النصرة لا يمكن أن تحصل فعلياً في الوقت الحالي، لأن عملية كهذه تحتاج لأكثر من شهرين من التحضير"، مرجّحاً أن يكون ما تم تسريبه عن خطة تركية للهجوم شمال سورية هو عبارة عن تهديد غير مباشر لـ"جبهة النصرة" لإبعادها عن إدلب بشكل طوعي ودفعها لكي تتمركز على خطوط المواجهة مع النظام فقط. ولكنه استدرك أنه من غير المستبعد قيام عملية كهذه في حال كان هناك تحضير لها، وذلك لأن الخيارات الأخرى كلها صعبة جداً بالنسبة لتركيا، سواء منها خيار دخول قوات النظام أو دعم مليشيات كردية للدخول. واعتبر أن الولايات المتحدة هي التي تحدد من "الفصيل الإرهابي" ومن الفصيل "غير الإرهابي" بغض النظر عن طبيعة الفصيل، فهي حوّلت مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" من قوة إرهابية إلى قوة حليفة للولايات المتحدة وشريك في محاربة الإرهاب، وفق قوله.