وسار المشاركون على أنقاض قرية الطنطورة، حاملين أغصان الزيتون والأعلام الفلسطينية، كذلك قرأوا الفاتحة على أرواح الشهداء، بعدما وضعوا الأكاليل على المقبرة الجماعية، والتي لا ذكر لها اليوم سوى في شهادات الناجين من المذبحة.
وتقع قرية الطنطورة جنوبي مدينة حيفا، وكانت العصابات الصهيونية قد ارتكبت فيها مجزرة رهيبة بتاريخ 22 و23 مايو/ أيار، وقتلت بدم بارد أكثر من 200 شهيد. وأقيم على أنقاض قرية الطنطورة مستعمرة نحشوليم ومنتجع سياحي.
وتختلف مجزرة الطنطورة عن بقية المجازر في فلسطين، إذ إنها ارتكبت على يد قوات جيش الاحتلال بعد أسبوع من إعلان قيام دولة إسرائيل، واختار الجيش هذه القرية خصيصاً بسبب موقعها على ساحل البحر المتوسط، ولأن قوات الجيش اتهمت أهل القرية بأنهم يحولونها لمرفأ يصل منه السلاح للشعب الفلسطيني.
ويحيي الفلسطينيون، اليوم، لأول مرة الذكرى الـ 67 لمجزرة الطنطورة داخل القرية. وروى الحاج محمود أعمر، وهو شاهد على المذبحة، ويقطن في قرية الفرديس اليوم، أنه "وقتها كان عمري ست سنوات، وكنت نائماً، أيقظتني أمي وألبستني الجاكيت، وقالت لي الصهاينة احتلوا البلد، وخرجنا من البيت، وفي الطريق رأيت الجثث والدم يملأ الأرض، فقام رجال العصابات الصهيونية بتجميعنا على الطرف، ووضعونا في سيارات ونقلونا للفرديس".
وتابع أعمر: "بداية ذهبنا إلى قرية إجزم إلى بيت أخوال أبي فلم نقعد عندهم غير ليلة واحدة؛ لأنه في صباح اليوم التالي، قالوا إن الصهاينة احتلوا إجزم، ومن هناك خرجنا إلى قرية الفرديس عند بيت بنت عم أبي".
وفي رواية حية أخرى، قال مصطفى مصري، وهو شاهد على المجزرة: "كنا خمسة إخوة استشهد لي أخوان في المذبحة وبقينا ثلاثة إخوة، كان عمري وقتها 14 عاماً حين هاجم بلدنا ثلاثة آلاف جندي، جزء منهم إنكليز ومرتزقة وصهاينة، ونحن حينها كنا فقط 2000 نفر. جاء الجنود وأخذوا 14 شاباً وأخرجوني من بينهم لأنني كنت صغيراً، ووضعوني في مجموعة "الختيارية"، وأخرجوا شاباً آخر كان من بينهم بعدما أثبت لهم أنه مريض، وكان يتعالج في المشفى بحيفا. ووضعونا داخل باص حتى ساعات المغرب وبعدها أخرجونا إلى قرية الفرديس".
وبدوره، تحدث سليمان فحماوي عن "جمعية المهجرين"، قائلاً إننا "اليوم هنا بهذه الأعداد نؤكد أن العودة ممارسة وحق وليس شعارات ومفاوضات، وإنما عودة حقيقية إلى قرانا، نحن هنا للنظر إلى المستقبل ولنؤكد أن لنا حقاً في الطنطورة وكافة قرانا ومدننا ونتعهد هنا أمام الشهداء أننا لن نسامح المجرمين الذين قتلوهم ولن نغفر لهم".
وتحدث الباحث تيدي كاتس أيضاً، والذي تناول مذبحة الطنطورة في أطروحة الماجيستير، وقد شنت حملة شرسة ضده من الأكاديمية الإسرائيلية عام 2000، قائلاً "أستطيع الحديث عن الطنطورة أسبوعاً كاملاً، نحن نتواجد على أرض الطنطورة، والتي جرت فيها مذبحة مروعة ويوجد أيضاً أكثر من 500 مقبرة جماعية في البلاد. ما حدث في الطنطورة أمر مخجل جداً فأنا أخجل من رفع العلم الإسرائيلي ولذا أنا أحمل العلم الفلسطيني".
وذكّر مدير جمعية "فلسطينيات"، جهاد أبو ريا، بتاريخ المجزرة، قائلاً "إنها كانت بعد الإعلان عن قيام الاحتلال الإسرائيلي، الإعلان كان يوم 15/5/48 والمجزرة كانت بعد ذلك بأسبوع".
وحمل أبو ريا المسؤولية الكاملة عن المجزرة لإسرائيل وجيشها. إذ تدعي إسرائيل أن من استشهد من أهل الطنطورة كان خلال المعركة، ولكن شهادات المئات من أهل الطنطورة تؤكد عكس ذلك، وتؤكد أنه تم إعدام المئات من أهل الطنطورة بعد انتهاء المعركة. وتؤكد أيضاً وجود القبور الجماعية في المكان.
من جهته، لفت النائب عن "التجمع الوطني الديموقراطي" باسل غطاس، إلى أنه "بمجرد وجودنا هنا اليوم وإحياء ذكرى المجازر وتوثيقها لتكون تقليداً سنوياً وتوريثها إلى جيل الشباب مع وقائع وشهادات ناس من تلك الفترة، فهذه قيمة كبرى لنحافظ على الرواية".
اقرأ أيضاً: 67 عاماً على تعميق النكبة: إسرائيل تعود لجذورها الاستعمارية