وفي ظل المؤشرات التي تدل على الرفض الجماهيري والسياسي للتطبيع مع إسرائيل في السودان، شكك مصدر دبلوماسي إسرائيلي في جدوى بناء علاقات شخصية بين نتنياهو والقيادة العسكرية في السودان، ونقلت الصحافية الإسرائيلية رينا بروشنين عن المصدر قوله: "كنا نفضل أن يتم التواصل مع المؤسسات المدنية داخل السودان وليس مع البرهان، نحن معنيون ببناء علاقات سلام وتواصل مع الشعب السوداني وليس مع الجيش السوداني".
وفي تقرير نشرته اليوم النسخة العبرية لموقع "المونتور"، لفتت بروشنين إلى أن حماسة البرهان للقاء نتنياهو والتوافق معه على الشروع في خطوات لتطبيع العلاقات الثنائية تأتي في إطار رهان الخرطوم على دور إسرائيل المحتمل في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي تضعها الولايات المتحدة الأميركية.
ولفتت إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين دعوة البرهان لزيارة واشنطن، واللقاء مع نتنياهو الذي تم في اليوم التالي لاستلام الأول الدعوة لزيارة الولايات المتحدة الأميركية.
وحسب بروشنين، فإن نتنياهو حرص على إيصال رسالة "إيجابية" عن السودان لواشنطن في أعقاب لقائه مع البرهان، حيث أبلغ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أنه يعتقد أن السودان "يتجه في مسار جديد وإيجابي. البرهان معني بمساعدة بلاده للتحول إلى مسار التحديث عبر إخراجها من حالة العزلة ووضعها على خارطة العالم"، على حد تعبير نتنياهو.
وأوضحت أن حرص نتنياهو على تحسين العلاقات مع السودان يأتي في إطار تحركه، لضمان إحداث تقارب مع القارة السمراء بهدف إقناع دولها بتغيير أنماط تصويتها على مقررات المحافل والمنتديات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بحيث يتوقف الدعم الأوتوماتيكي للقرارات المؤيدة للشعب الفلسطيني، مقابل تقديم مساعدات لدول القارة في مجال تقنيات المياه، والطاقة، والطب، والزراعة وغيرها.
ولفتت إلى أن تدشين العلاقات الدبلوماسية مع تشاد الجارة للسودان في 2019 مثل نقطة تحول فارقة في العلاقات الإسرائيلية-الأفريقية.
من جانب آخر، قال وكيل الخارجية الإسرائيلية السابق، دوري غولد، إن زيارات متبادلة على المستوى الفني بين السودان وإسرائيل يمكن أن تبدأ قريبا بهدف تطبيق التوافق المبدئي على تطبيع العلاقات بين الجانبين، مدعيا أن زيارة المسؤولين الإسرائيليين للخرطوم تكتسب أهمية بالنسبة للسودان على اعتبار أنها ستهدف إلى تمكينه من الاستفادة من الخبرات التقنية الإسرائيلية في الكثير من المجالات.
ونقل موقع "المركز اليروشلمي لدراسة المجتمع والدولة" اليميني، الذي يرأس غولد حاليا مجلس إدارته، عنه قوله إن لقاء نتنياهو والبرهان يمثل "إنجازا كبيرا" ويحمل "قيمة رمزية"، مستحضراً أن العاصمة السودانية الخرطوم هي التي احتضنت مؤتمر القمة العربية في العام 1967، والتي شددت مخرجاتها على رفض العرب الاعتراف بإسرائيل والصلح والتفاوض معها في ما عرف يومها بقمة اللاءات الثلاث.
وأضاف غولد، الذي عمل سابقا أيضا كممثل لإسرائيل في الأمم المتحدة ومستشارا سياسيا لنتنياهو، أن اللقاء يمثل "بداية النهاية لحالة الحرب بين إسرائيل والعالم العربي". وزعم أن اللقاء جاء في الوقت الذي يحاول الفلسطينيون "تحريض" العالم العربي ضد إسرائيل في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطته لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ "صفقة القرن".
وأضاف غولد أن السودان كان يؤدي دورا في توفير حاضنة لتنظيمات معادية لإسرائيل ويوفر لعناصرها قواعد للتدريب، إلى جانب ارتباطه السابق بإيران وسماحها بتهريب السلاح إلى "حزب الله" وحركة حماس.
ولفت إلى أن كون السودان يقع في أقصى جنوب الشرق الأوسط، فإنه مثل مركبا أساسيا من مركبات المحور المعادي لإسرائيل، مشيرا إلى أن هذا المحور بعد لقاء البرهان ونتنياهو ضعف بشكل جوهري.
وأشار إلى أن اندلاع الحرب في اليمن أسهم في إقناع السودان بالابتعاد عن إيران، والوقوف إلى جانب السعودية.
في سياق متصل، أشار "المركز اليروشلمي لدراسة المجتمع والدولة" إلى أن صحيفة "الانتباهة" السودانية أجرت مقابلة مع غولد، ونشرتها في عددها الصادر اليوم الخميس. وحسب الموقع، فإن صحافيا من "الانتباهة" اتصل بمكتب غولد وطلب إجراء المقابلة بعد يوم من عقد لقاء نتنياهو والبرهان، بوصفه لعب دورا مهما في تعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية.
في غضون ذلك، بدأت تتسرب بعض التفاصيل من "التفاهمات" التي تم التوصل إليها خلال لقاء البرهان ونتنياهو، وذكر المتحدث باسم الجيش السوداني عامر محمد الحسن، لقناة "الجزيرة"، إنه كان هناك اتفاق "من حيث المبدأ" على أن تستخدم الطائرات التجارية المتجهة من أميركا الجنوبية إلى إسرائيل المجال الجوي السوداني، مؤكدا بذلك ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن البرهان وافق على فتح الأجواء السودانية أمام طائرات شركة الطيران الرسمية الإسرائيلية "إل عال".
من جهتها، قالت قناة التلفزة الإسرائيلية "13" إن إسرائيل تراهن على إقناع الخرطوم باستيعاب مهاجري العمل السودانيين الذين يوجدون في إسرائيل حاليا، حيث تكتسب هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة لنتنياهو. وتتنافس الأحزاب الدينية واليمينية في ما بينها، عشية الانتخابات، على طرح مقترحات للتخلص من اللاجئين الأفارقة.