هكذا يدفع دونالد ترامب الحزب الديمقراطي إلى اليمين

26 أكتوبر 2024
ترامب خلال تجمع انتخابي في أريزونا، 13 أكتوبر 2024 (ريبيكا نوبل/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحول الحزب الجمهوري تحت قيادة ترامب: سيطر ترامب على الحزب الجمهوري، محولاً إياه إلى حركة شعبوية يمينية، مما أدى إلى إقصاء القيادات التقليدية وتعديل أولويات الحزب مثل الحق في الحياة وقوانين الإجهاض.

- تأثير ترامب على سياسات الهجرة: جعل ترامب الهجرة محوراً رئيسياً، مما أثر على الحزب الديمقراطي، حيث تراجعت شخصيات مثل كامالا هاريس عن مواقفها السابقة، مما زاد الثقة في قدرة ترامب على ضبط الحدود.

- التغير المناخي والتكسير الهيدروليكي: انحرف الحزب الديمقراطي يميناً تحت تأثير ترامب، حيث تراجعت شخصيات مثل هاريس عن مواقفها بشأن التكسير الهيدروليكي، مما أثار مخاوف حول مستقبل الحزب.

سيطر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الحزب الجمهوري، ونجح على مدار ثماني سنوات في تحويله من تيار محافظ إلى حركة شعبوية يمينية مناهضة حتى للسياسات التي بنى فيها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (1981-1989) النسخة الحالية من الحزب. على مدار ثماني سنوات نجح ترامب في إقصاء جميع معارضيه، بمن فيهم القيادات التقليدية التاريخية، مثل ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السابق، وميت رومني، المرشح الرئاسي السابق، وآخرين، لذا ليس غريباً تعديل المؤتمر الوطني الجمهوري الأخير برنامجه للسنوات المقبلة، بحيث أزال لأول مرة ما أقره ريغان منذ أكثر من 40 عاماً، عندما قرر الجمهوريون أن الحق في الحياة واستهداف قانون فيدرالي يمنع الإجهاض يجب أن يكونا دائمَي الأولوية في سياسات الحزب. لكن تأثير ترامب لم يقتصر على الحزب الجمهوري وتحويله إلى تيار شعبوي يميني، إذ نجح على مدار السنوات الماضية في إجبار الحزب الديمقراطي وهو صاحب السياسات الليبرالية الذي نجح أكثر من 100 شخص من المنتمين إلى اليسار في الفوز بتمثيله في مجلس النواب عام 2018، ليس فقط على تجاهل تيار اليسار، بل على الانحراف إلى اليمين في سياسات رئيسية.

بناء الجدار على الحدود والهجرة

في 2016، انحاز ترامب إلى المطالب اليمينية، التي كانت توصف بأنها الأكثر تطرفاً وغير الإنسانية من قبل الديمقراطيين، ببناء جدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك. بعد ثماني سنوات تغير الأمر، حتى إن المرشحة الرئاسية الديمقراطية، كامالا هاريس، التي طالما هاجمت الرئيس السابق ومنافسها الحالي بسبب "الجدار"، تراجعت بشكل كامل عن سياساتها بشأن حماية الحدود. بدا هذا التغير على غير هوى المدافعين عن الحريات واللاجئين، وخصوصاً اليساريين، إذ طالما انتُقِدَت هاريس وصُوِّرَت على أنها تنتمي إلى هذا التيار.

وطبقاً لمركز بيو للأبحاث، انخفضت الثقة في تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع الهجرة بين الجمهوريين والديمقراطيين. في يوليو/ تموز الماضي، كان لدى 35% من الناخبين الأميركيين ثقة ببايدن لاتخاذ قرارات حكيمة بشأن الهجرة. وبحلول سبتمبر/ أيلول الماضي، كان لدى المزيد من الناخبين ثقة بترامب بنسبة 52% بشأن هذه القضية مقارنة بهاريس (45%)، على الرغم من أن الثقة بنائبة الرئيس أعلى مما كانت عليه في بايدن. في الفترة الأخيرة قال ثلثا مؤيدي ترامب، بنسبة 66%، إن حكومة الولايات المتحدة ليس لديها سيطرة تذكر على المهاجرين الذين يدخلون البلاد بنحو غير نظامي، في حين قال أقل من النصف، وبنسبة 40% من مؤيدي هاريس، الأمر نفسه.

فاز ترامب بقضية الهجرة حتى ولو لم يفز في الانتخابات المقبلة

بات واضحاً بشكل كبير أن ترامب فاز بقضية الهجرة حتى من دون الفوز بالرئاسة في الانتخابات يوم الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات، رأى نصف الناخبين بالولايات المتحدة أن هذه القضية ذات أهمية كبيرة، وهم واثقون بقدرة المرشح الجمهوري على ضبط الحدود بشكل أفضل. وتعهدت هاريس خلال حملتها الانتخابية بإصلاح سياسات الهجرة واللجوء والحدود الأكثر تعقيداً منذ عقود، مجادلة بأن القرارات التي اتخذها بايدن بتشديد القيود ساهمت في منع عبور المهاجرين غير النظاميين. في 2019، إبّان ترشحها في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، تعهدت هاريس أكثر من مرة بإلغاء تجريم التورط في الهجرة غير القانونية. ورسمت صورة لها على أنها تقدمية ومدافعة عن هؤلاء الباحثين عن "فرص أفضل للحياة"، وتبنت سياسات غير مقيدة لعملية الهجرة، وهاجمت بناء الجدار، غير أنها في الانتخابات الحالية أقرت بأنها تراجعت عن موقفها السابق، متعهدة ببناء الجدار وبضوابط شديدة الصرامة. وبحسب هذه الصورة ستكون، وهي المدعية العامة السابقة، أكثر كفاءة من ترامب بملف الحدود.

تجاوزت أجندة ترامب الحالية الوعد ببناء جدار على الحدود، إلى تعهده بأكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة، وبرأيه فإن قضية الهجرة ستقوده إلى البيت الأبيض مثلما قادته في 2016. فيما تخلى الديمقراطيون تماماً عن مواقفهم الدفاعية عن أمن الحدود، وأصدر بايدن منذ أشهر أمراً تنفيذاً لتقييد طلبات اللجوء، بعد محاولات لتمرير تشريع بداية العام الحالي، اتفق عليه الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، غير أن الجمهوريين تراجعوا في اللحظات الأخيرة بناءً على رغبة ترامب في استغلال التشريع سلاحاً في الانتخابات. وتخطى عدد المهاجرين غير النظاميين الذين عبروا الحدود دون أوراق ثبوتية، طبقاً للأرقام الرسمية في الولايات المتحدة نحو 14 مليوناً، إضافة إلى مقيمين رسميين تجاوزوا مدد الإقامة، ونحو سبعة ملايين مهاجرين شرعيين ما زال تصنيفهم في البلاد من دون معالجة.

ووصف ترامب المهاجرين غير النظاميين الذين يدخلون البلاد عبر الحدود بصورة غير رسمية بأنهم يسممون الولايات المتحدة، واتهمهم باغتصاب النساء وقتلهنّ ونشر الجريمة والمخدرات في البلاد. كذلك اتهم هو ومرشحه لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، مهاجرين من هاييتي بأنهم يأكلون القطط والكلاب في أوهايو، ما أدى إلى حملة انتقادات واسعة، حتى من بين جمهوريين، وسط أمل لدى الديمقراطيين بأن تؤثر هذه التصريحات في تصويت الأميركيين من أصول لاتينية لصالح الحزب الديمقراطي.

ديمقراطيون بمن فيهم هاريس تراجعوا عن مبادئ بنوا عليها حملاتهم الانتخابية في 2019

قضية التكسير الهيدروليكي والتغير المناخي

قضية الحدود ليست القضية الوحيدة التي انحرفت فيها سياسات الحزب الديمقراطي يميناً على مدار السنوات الماضية بفضل ترامب، بل هناك قضية التغير المناخي والتكسير الهيدروليكي، عصب سياسات الحزب ورؤيته على مدار السنوات الثماني الماضية. غير أن ديمقراطيين، بمن فيهم هاريس، تراجعوا بشكل كامل عن مبادئ بنوا عليها حملاتهم الانتخابية في 2019، وذلك أملاً في كسب مزيد من الأصوات في هذه الانتخابات الحالية المتقاربة للغاية بين المنافسَيْن الرئيسيَّيْن، وخصوصاً في الولايات المتأرجحة (ميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن وأريزونا وجورجيا ونيفادا وكارولينا الشمالية)، وأهمها بنسلفانيا التي تعتمد على صناعة النفط.

ولوحظ هذا التراجع ليس فقط على مستوى الرئاسة، بل في برامج مرشحي الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب (سيختار الأميركيون في الخامس من نوفمبر أيضاً ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، 34 مقعداً من أصل 100 وكامل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435). ويعتمد استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة على التكسير الهيدروليكي، حيث يستخرج في الولايات المتحدة النفط الصخري، وذلك من مناطق التكسير التي تحيط بالبئر ذات الحجم المحدود، بخلاف النفط التقليدي. والولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم حالياً، ورغم ذلك يقول جمهوريون وترامب إن أسعار الوقود مرتفعة بسبب سياسات الديمقراطيين للحد من إنتاج النفط وخطط الطاقة النظيفة.

وعلى مدار الأسابيع الماضية نشر خمسة مرشحين من الحزب الديمقراطي لانتخابات مجلس الشيوخ إعلانات تضمنت صوراً لترامب، معظمها لتأكيد أنهم عملوا معه في مشروعات متعلقة بالطاقة، وأنهم مع التكسير الهيدروليكي. أما هاريس، فقد ناقضت مواقفها التي اتخذتها في 2019، وأعلنت أخيراً أنها لم تعد تدعم حظره، بعدما قالت خلال حملتها الانتخابية 2020 إنها بلا شك مؤيدة لحظر التكسير الهيدروليكي. أقرّت إدارة بايدن أكبر تشريع على الإطلاق بشأن التغير المناخي (الحد من التضخم عام 2022، المتعلق بالطاقة النظيفة). ووفق حملة هاريس "فإن هذه الإدارة خلقت 300 ألف وظيفة في مجال الطاقة، بينما خسر ترامب نحو مليون وظيفة"، متجاهلة انخفاض أسعار النفط عالمياً، ما أدى إلى تراجع الحفر في الولايات المتحدة بسبب الخسائر الكبيرة آنذاك، إضافة إلى وباء كورونا الذي أثّر بالإنتاج.

مخاوف الحزب الديمقراطي

وهناك خشية لدى ديمقراطيين من تسبب هذه التغييرات في أزمات مستقبلية للحزب الديمقراطي بدل كسب مزيد من الأصوات. وتسبب ترامب عقب فوزه على مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، في ميل الحزب الديمقراطي يساراً، وأصبح أكثر تقدمية، بينما يتجه الآن يميناً مع نجاح المرشح الجمهوري في الفوز بقضايا رئيسية، حتى وهو خارج السلطة. وبرزت مخاوف من أنه في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الحزب الديمقراطي سيصبح أكثر ميلاً لليمين في قضايا أخرى اقتصادية واجتماعية، أو على الأقل الابتعاد تماماً عن التيار التقدمي وسياساته التي يبدو أنها ستتلقى اللوم حال الخسارة.

المساهمون