أيمان السيسي... تاريخ من الحنث بالقسَم في الحياة السياسية

05 يوليو 2018
السيسي يوظّف القسَم سياسياً في خرجاته الإعلامية (Getty)
+ الخط -
أقسم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمام عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك في يونيو/حزيران الماضي، على عدم إلحاق الضرر بمصر، في ما يخص مياه نهر النيل، مردداً وراء الرئيس المصري "والله والله لن نقوم بأي ضرر للمياه في مصر" في ظاهرة كثيراً ما تكررت في مرحلة ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013 إذ يستخدم السيسي القسَم والأيمان المتكررة خلال ظهوره الإعلامي، للتأكيد على نيّاته السياسية التي كثيرا ما خالفها وفق ما توثقه السطور التالية.

وثّق معد المادة عدداً من المرات التي أقسم فيها السيسي وحنث بأيمانه، من بينها ما وقع في 18 أغسطس/آب من عام 2013، خلال لقائه قادة وضباط الجيش والشرطة، والذي تحدث فيه عن عدم اهتمامه بالرئاسة التي لا تعدل في الأهمية حماية إرادة الناس، قائلا "أنا عاوز أقولكم شرف إن احنا نحمي إرادة الناس أعز عندنا وأعز عندي شخصيا من شرف حكم مصر، أقسم بالله على ذلك شرف حماية إرادة الناس وحريتها في إنها تختار من تشاء وتعيش كما تشاء أعز عندي، أنا أقسم بالله من حكم مصر".



 

وهو ما أعاد ترديده مرة ثانية خلال لقاء آخر في ديسمبر/كانون الأول، قائلاً "أنا أقسمت بالله إن إحنا مالناش طمع في أي حاجة وهاتشوفوا".




اليمينان السابقان كان مصيرهما الحنث، إذ أعلن السيسي في 26 مارس/آذار 2014 استقالته من منصب وزير الدفاع، وعزمه الترشح للانتخابات الرئاسية التي شهدت ما يُشبه الاستعراض لتنصيب الجنرال، رغم أنه سبق أن أقسم على أن لا مطامع له في شيء، قاصدا حكم مصر.



أبناء الجنرال

في كلمته بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، أقسم السيسي على أنه لم يُحابِ أولاده في عملهم، للتدليل على عدائه المجاملات والمحسوبية والوساطة، قائلاً: "والله العظيم، أنا لم أحابِ أحد حتى أولادي في شغلهم"، وهو ما كان مكرراً لما قاله السيسي خلال حواره التلفزيوني مع الإعلاميين لميس جابر وإبراهيم عيسى قبيل ترشحه للرئاسة عام 2014.


إلا أن قسم السيسي يبدو غريباً طبقاً للوظائف التي يعمل بها أبناؤه والتي لا يستطيع المصريون إلحاق أبنائهم بها إلا عبر تدخل متنفذين كبار، فقبيل وصوله إلى الرئاسة مباشرة شغل ابنه الأكبر مصطفى رتبة مقدم في جهاز الرقابة الإدارية، كما أن الابن الثاني محمود يتمتع بأهمية كبيرة في الجهاز، خاصة بعد اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، والذي تولى رئاسة الجهاز رسميا في يونيو/حزيران الماضي، بعد أن كان قائما بأعمال رئيس الجهاز بالإنابة، بالإضافة إلى عمله مديرا لمكتب رئيس الجمهورية، كما أن الابن الثالث حسن، والذي قال السيسي سابقاً إنه يعمل في إحدى شركات البترول، خريج كلية لغات وترجمة تخصص إنكليزي، وتم تعيين زوجته داليا محمود حجازي بالنيابة الإدارية، وفقاً لما جاء في قائمة بأسماء المعينين في النيابة الإدارية نشرتها الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 13 نيسان/إبريل من عام 2016، وهي وظائف مهمة غير متوفرة بدون الواسطة لكثير من المصريين.


كرسي الحكم

منذ تولي السيسي الرئاسة وهو دائم القسم على استعداده التخلي عن الحكم إذا كانت هذه هي رغبة الناس، كانت إحدى هذه المرات خلال احتفال وزارة الأوقاف بالمولد النبوي الشريف عام 2015، حينما قال "والله والله والله...ولا ثانية واحدة ضد إرادة الناس، والله ولا ثانية واحدة"، وكذلك خلال برنامج شعب ورئيس، قائلاً "والله العظيم، وانا بحلف بالله العظيم انا كنت أتمنى انه يكون موجود معانا واحد واتنين وتلاتة وعشرة...وتختاروا زي ما انتوا عاوزين".



إلا أنه اتخذ كل الإجراءات لمنع وصول أي مرشح منافس له في الانتخابات الرئاسية التي تمت في مارس/آذار الماضي، مثل حبس احتجاز المرشح السابق أحمد شفيق، واعتقال وسجن كل من العقيد أحمد قنصوة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الفريق سامي عنان، والملاحقة والتضييق على المحامي الحقوقي خالد علي، وذلك بعد إعلانهم عزمهم الترشح في مواجهة السيسي، بالإضافة إلى ما قاله  خلال مؤتمر "حكاية وطن" في يناير/كانون الثاني الماضي "لن أسمح لهم بالاقتراب من الكرسي ده".



القسم الرئاسي

أما يمين السيسي الذي علق في ذاكرة المصريين أكثر من سواه، فهو قسَمه الرئاسي الذي حددته المادة 144 من الدستور، والتي تنص على "احترام الدستور والقانون، والحفاظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه"، وهو ما لم ينفذ منه السيسي شيئًا بعد خرقه الدستور والقانون بتقييد حرية آلاف المصريين والتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، بل حتى مخالفة المادة 234 من الدستور الذي تم وضعه بعد الانقلاب العسكري في يناير/كانون الثاني من عام 2014، والتي تنص على أن "يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين، اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور"، وهو ما لم يحدث، إذ عزل السيسي الفريق صدقي صبحي وزير الدفاع والإنتاج الحربي في يونيو/حزيران الماضي.


خروج عن العرف


يصف عبده موسى الباحث في العلوم السياسية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات واقعة قسم رئيس وزراء إثيوبيا أمام السيسي، بـ"الخروج عن العُرف والقانون الدولي لصناعة مشهد للاستهلاك المحلي"، موضحا أنه منذ الاتفاق على مفهوم الدولة الحديثة أو ما يُعرف بالدولة الوستفالية (مصطلح يطلق نسبة إلى معاهدة وستفاليا عام 1648، وأسست لنموذج الدولة الحديثة التي تفرض سيادتها التامة على أقاليمها الجغرافية ويستقل قادتها بقرارهم السياسي الداخلي والخارجي) فإن الاتفاقات بين الدول تكون مكتوبة، ومع تطور القانون الدولي أصبحت تودع لدى الأمم المتحدة والمنظمات المتعلقة بموضوع الاتفاقية.

وتابع "نظّم القانون الدولي تلك الإجراءات، وليس هناك احتجاج دولي بتصريح لم يتم التوقيع والتصديق عليه".