14 سبتمبر 2024
أوهام ضد الانقلاب في مصر
النظام المصري مجرم، وما جرى في ميدان رابعة العدوية مجزرة، هاتان بديهيتان يمكن أن يتفق عليهما جميع من ينتمون إلى الإنسانية، وإلى المشاعر والعواطف السوية. لكن بعد أربع سنوات من المذبحة، يحق التساؤل عما حققناه، نحن المصريين، في سبيل إرجاع حقوق الضحايا والمظلومين، لكن الواقع أن الموقف العام مؤسفٌ، ويدعو إلى الحزن.
في الرابع عشر من أغسطس/ آب الجاري، قادني حظي العاثر أمام شاشة التلفزيون إلى متابعة فعالية نظمها ما يسمى "المجلس الثوري المصري" في تركيا، تزامنا مع الذكرى الرابعة لفض اعتصام ميدان رابعة. أقل ما يمكن أن يقال عنها إن معارضي الانقلاب يتكلمون مع أنفسهم ويردون على بعضهم، من دون أدنى اهتمام من العالم الخارجي بما يقولون، فلم تكن هناك إلا قناتان فضائيتان فقط تغطيان الحدث، على الرغم من وجود فضائيات عديدة مناهضة للانقلاب تبث من تركيا، أي أن الحدث لم يحصل حتى على اهتمام القنوات الموجودة في مكان وجود الفعالية، وعلى بعد أمتار منها.
توالى المتحدثون على المنصة، وألقوا كلهم خطبا نارية بصوت جهوري، صارخين ومتوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور ضد النظام المصري، في مشهدٍ مثير للأسى والشفقة. وكل ما تفيد به الخطب الرنانة هو أن هناك مناصب أسمع عنها للمرة الأولى، مثل "رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري"، وغير ذلك من مسميات وهمية لا تعني إلا حاملها، من دون أن يكون لها أي حيثية أو تعبير في الواقع. والمضحك أن من كان يقدم المتحدثين على المنصة مذيع في فضائية مناهضة للانقلاب، ثم قدّم هذا المذيع مذيعا آخر زميلا له في الفضائية نفسها، باعتباره عضوا في المجلس الثوري المصري، ليصعد هذا ويتحدث بكل جدية، وكأنه يقول كلاما مهما بالفعل.
صعد أحد المتحدثين في المؤتمر إلى المنصة ليبشر المصريين بأن النظام إلى زوال، من دون
أن يشرح لنا خطته أو الأسباب التي دعته إلى هذا التفاؤل الغريب، وهي عادته منذ ظهر على الشاشات بعد الانقلاب، فهو يبشر المصريين منذ أربع سنوات بأن النظام الحاكم في مصر سيخضع للمحاكمة الدولية. وفي مرة، أكد أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان قبلت دعوى تطالب بمحاكمة عبد الفتاح السيسي. وكان الشخص نفسه قد ظهر في يناير/ كانون الثاني 2014 ليزعم أن السيسي دفع ملايين الدولارات لمحام للدفاع عنه أمام المحاكم الدولية! بالإضافة إلى مواقف كثيرة مشابهة يغلب عليها التبشير والتفاؤل غير المنطقي.
لم يتعلم هؤلاء أي دروسٍ من تجربة إجهاض الانقلاب في البلد الذي يعيشون فيه، فعلى الرغم من إجهاض الانقلاب في ساعاته الأولى، إلا أن القيادات التركية استمرت في التحذير من احتمالية وجود محاولات أخرى تابعة لفشل المحاولة الأولى، مؤكّدين على ضرورة استمرار حالة الاستنفار الشعبي لمواجهة أي محاولاتٍ مستقبلية. أما هم فعلى الرغم من الهزيمة التي يعيشون فيها، وعدم استطاعتهم تحقيق أي اختراق في ملف مقاومة الانقلاب، إلا أنهم لم يتوقفوا عن إطلاق الوعود والتصريحات الوردية باقتراب النصر وساعة الحسم. بل كانوا مثالا للتندّر والسخرية في تصريحاتٍ عديدة لهم، مثل التصريح الذي أكدوا فيه أنهم "جاهزون لإدارة مؤسسات الدولة عقب إسقاط الانقلاب"، ويكفي أن نعرف أن هذا التصريح يعود إلى عام ونصف العام من دون أن يتغير شيء.
قبل هذا "المؤتمر"، كان قد أعلن عن "مؤتمر" آخر يجمع منظمات حقوقية للحديث عن
مجزرة رابعة، فإذا بهذا "المؤتمر" لقاء داخل استوديو فضائية مناهضة للانقلاب، ويقدمه مذيع في القناة، ويدير الحوار مع الضيوف بدون حضور أي جمهور أو وسائل إعلام، أي أننا أمام حالةٍ من الفشل، حتى في التفرقة بين المؤتمر الصحفي والحلقة التلفزيونية.
وصل الانقلاب في مصر إلى عامه الرابع، وبدلا من ملاحقة السيسي، إذا بالأخير هو من يلاحق المعارضين المصريين في الخارج، وجديدهم الناشط عبد الرحمن عز الذي أوقف ساعات في مطار برلين بناء على طلب من الإنتربول المصري ثم أفرج عنه، وقبله تعرّض المذيع في قناة الجزيرة، أحمد منصور، للموقف نفسه. حتى إن "معارضين" سئموا من استمرار وجودهم في الخارج من دون أفق واضح، فبادروا من أنفسهم، وطلبوا الصفح من النظام، وعادوا إلى مصر طائعين. وبدلا من أن يقدّم القائمون على الحراك المناهض للانقلاب في الخارج مراجعات عن الأداء الذي أوصل أشخاصاً معارضين إلى هذه المرحلة من اليأس، إذا بوجود من يشكك ويخوّن، ولا هم له إلا المزايدة على الآخرين، والدخول معهم في معارك تافهة، وصلت إلى حد تبادل رفع بعضهم القضايا أمام المحاكم التركية ضد بعضهم الآخر، ليأتي مشهد ذكرى مذبحة رابعة هذا العام لنجد المعارضة المصرية في الخارج تستمر في عقد المؤتمرات ونشر البيانات وإطلاق الوعود الجوفاء، فيما يستمر النظام في تثبيت أركانه وتدعيم أواصره من دون أن يعبأ بهم على الإطلاق.
في الرابع عشر من أغسطس/ آب الجاري، قادني حظي العاثر أمام شاشة التلفزيون إلى متابعة فعالية نظمها ما يسمى "المجلس الثوري المصري" في تركيا، تزامنا مع الذكرى الرابعة لفض اعتصام ميدان رابعة. أقل ما يمكن أن يقال عنها إن معارضي الانقلاب يتكلمون مع أنفسهم ويردون على بعضهم، من دون أدنى اهتمام من العالم الخارجي بما يقولون، فلم تكن هناك إلا قناتان فضائيتان فقط تغطيان الحدث، على الرغم من وجود فضائيات عديدة مناهضة للانقلاب تبث من تركيا، أي أن الحدث لم يحصل حتى على اهتمام القنوات الموجودة في مكان وجود الفعالية، وعلى بعد أمتار منها.
توالى المتحدثون على المنصة، وألقوا كلهم خطبا نارية بصوت جهوري، صارخين ومتوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور ضد النظام المصري، في مشهدٍ مثير للأسى والشفقة. وكل ما تفيد به الخطب الرنانة هو أن هناك مناصب أسمع عنها للمرة الأولى، مثل "رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري"، وغير ذلك من مسميات وهمية لا تعني إلا حاملها، من دون أن يكون لها أي حيثية أو تعبير في الواقع. والمضحك أن من كان يقدم المتحدثين على المنصة مذيع في فضائية مناهضة للانقلاب، ثم قدّم هذا المذيع مذيعا آخر زميلا له في الفضائية نفسها، باعتباره عضوا في المجلس الثوري المصري، ليصعد هذا ويتحدث بكل جدية، وكأنه يقول كلاما مهما بالفعل.
صعد أحد المتحدثين في المؤتمر إلى المنصة ليبشر المصريين بأن النظام إلى زوال، من دون
لم يتعلم هؤلاء أي دروسٍ من تجربة إجهاض الانقلاب في البلد الذي يعيشون فيه، فعلى الرغم من إجهاض الانقلاب في ساعاته الأولى، إلا أن القيادات التركية استمرت في التحذير من احتمالية وجود محاولات أخرى تابعة لفشل المحاولة الأولى، مؤكّدين على ضرورة استمرار حالة الاستنفار الشعبي لمواجهة أي محاولاتٍ مستقبلية. أما هم فعلى الرغم من الهزيمة التي يعيشون فيها، وعدم استطاعتهم تحقيق أي اختراق في ملف مقاومة الانقلاب، إلا أنهم لم يتوقفوا عن إطلاق الوعود والتصريحات الوردية باقتراب النصر وساعة الحسم. بل كانوا مثالا للتندّر والسخرية في تصريحاتٍ عديدة لهم، مثل التصريح الذي أكدوا فيه أنهم "جاهزون لإدارة مؤسسات الدولة عقب إسقاط الانقلاب"، ويكفي أن نعرف أن هذا التصريح يعود إلى عام ونصف العام من دون أن يتغير شيء.
قبل هذا "المؤتمر"، كان قد أعلن عن "مؤتمر" آخر يجمع منظمات حقوقية للحديث عن
وصل الانقلاب في مصر إلى عامه الرابع، وبدلا من ملاحقة السيسي، إذا بالأخير هو من يلاحق المعارضين المصريين في الخارج، وجديدهم الناشط عبد الرحمن عز الذي أوقف ساعات في مطار برلين بناء على طلب من الإنتربول المصري ثم أفرج عنه، وقبله تعرّض المذيع في قناة الجزيرة، أحمد منصور، للموقف نفسه. حتى إن "معارضين" سئموا من استمرار وجودهم في الخارج من دون أفق واضح، فبادروا من أنفسهم، وطلبوا الصفح من النظام، وعادوا إلى مصر طائعين. وبدلا من أن يقدّم القائمون على الحراك المناهض للانقلاب في الخارج مراجعات عن الأداء الذي أوصل أشخاصاً معارضين إلى هذه المرحلة من اليأس، إذا بوجود من يشكك ويخوّن، ولا هم له إلا المزايدة على الآخرين، والدخول معهم في معارك تافهة، وصلت إلى حد تبادل رفع بعضهم القضايا أمام المحاكم التركية ضد بعضهم الآخر، ليأتي مشهد ذكرى مذبحة رابعة هذا العام لنجد المعارضة المصرية في الخارج تستمر في عقد المؤتمرات ونشر البيانات وإطلاق الوعود الجوفاء، فيما يستمر النظام في تثبيت أركانه وتدعيم أواصره من دون أن يعبأ بهم على الإطلاق.