ووفقاً لمصادر عراقية داخل مفوضية الانتخابات، فإنّ سكان المدن المحررة هم أقل مدن العراق تحديثاً لبياناتهم الانتخابية، كما أن أكثر من 65 بالمائة منهم لم يراجعوا مراكز الانتخابات لاستلام بطاقاتهم الانتخابية، وهو ما دعا إلى تنظيم حملات توعية منذ أيام عدّة لحث الناس على مراجعة مراكز تحديث بيانات الناخبين، غير أن التفاعل من قبل السكان لا يزال بطيئا.
وتحدث سكان تلك المناطق، لـ"العربي الجديد"، قائلين إنهم "لا يصدقون شعارات المرشحين"، واصفين "أعضاء البرلمان بقطع الشطرنج فاختيار رئيس الحكومة والبرلمان والجمهورية يتم بتوافق طائفي داخلي وتحت تأثير خارجي بطبيعة الحال لذا فالانتخابات غير ضرورية".
ورأى محمد طالب (46 عاماً)، وهو من مدينة الفلوجة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الانتخابات صورية وأنها لن تسمح بأي تغيير ما لم توافق عليه إيران أو الولايات المتحدة الأميركية"، مؤكداً "أن الشعارات غير حقيقية ومكررة منذ عقد ونصف، وأن همهم حالياً توفير مكان سكن والخدمات وليس تأييد هذا المرشح أو ذاك".
زعماء القبائل عاجزون
ويواصل سياسيون، في صلاح الدين(شمالاً)، عقد لقاءات مع زعماء القبائل؛ سعياً منهم لإقناع أتباعهم بالتصويت لهم. غير أن شاكر السامرائي، وهو زعيم قبلي، يؤكد أن "من الصعب حتى على زعيم القبيلة أن يقنع نصف أتباعه بالمشاركة في الانتخابات، وليس انتخاب شخص بعينه".
وقال السامرائي، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس هناك عائلة في صلاح الدين لم تتضرر من جراء داعش أو المعارك، السياسيون الفاسدون هم سبب وجود داعش، وما زال هؤلاء السياسيون موجودين في مناصبهم ويروجون لأنفسهم في الانتخابات المقبلة".
وأوضح: "إذا علم الناس بوجود أحزاب وشخصيات جديدة مخلصة فإنهم سيشاركون في الانتخابات من غير أن يدعوهم أحد، لكن الحق معهم فهم يرون أن المنافسة في الانتخابات تنحصر بين الأشخاص والأحزاب ذاتهم الذين تقاسموا المشاريع الخدمية والمقاولات التي كان يفترض أن تساهم في إنعاش المحافظة وتطويرها اقتصادياً وخدمياً".
الموصل الأكثر تضرراً
وتعد الموصل(شمالاً) أكثر مدن العراق تضرراً من تنظيم "داعش" والمعارك التي شُنت لتحريرها، إذ دمر الجانب الأيمن، والذي تحرر في يوليو/تموز الماضي بالكامل، كما تعرض الجانب الأيسر، والذي تحرر في يناير/كانون الثاني الماضي لتدمير جزئي، بينما الخدمات والبنى التحتية ما زالت معطلة في غالبية مناطق المحافظة.
وعلى الرغم من مرور نحو 9 أشهر على تحرير الجانب الأيمن من الموصل، لكن الأوضاع فيه ما زالت خطرة بسبب وجود قنابل قابلة للتفجير، فضلاً عن وجود جثث تحت أنقاض المنازل المهدمة بفعل القصف.
وتذهب آراء المواطنين هناك إلى عدم المشاركة في الانتخابات، وهو رأي الأغلبية، فيما يتحمس شباب من أهالي المحافظة لانتخاب شخصيات يقولون إنها أكاديمية ومثقفة ووطنية.
ويصر أحمد طارق، وهو شاب عاد إلى الدراسة الجامعية بعد انقطاعه عنها بسبب النزوح أثناء فترة سيطرة "داعش"، على المشاركة في الانتخابات، ويعمل مع رفاق له للترويج لشخصيات شابة وطنية.
ويقول طارق في حديثه، لـ"العربي الجديد"، "أنا على ثقة تامة بأن الموصل ستنهض من جديد، وتشهد تطوراً كبيراً في حال تسلم الشباب وأصحاب الكفاءات قيادتها".
وأضاف: "أنا وأصدقائي وعدد كبير من شباب الموصل ندعم أشخاصاً نعرفهم جيداً، لقد عانوا ما عانيناه، إنهم وطنيون ويسعون للنهوض بمدينتنا".
لكن طارق الذي يؤكد أنه نجح في إقناع العديد من الشباب في المشاركة في الانتخابات فشل في إقناع والده ووالته، قائلاً: "والداي يقولان إنهما شاركا في إيصال الفاسدين إلى السلطة بعد التصويت لهم في دورات سابقة، وهما نادمان على ذلك".
وتابع: "لقد تهدمت دارنا وقتل اثنان من أفراد أسرتنا، أخي وأختي، بفعل القصف. والدي يقول إننا لم نشاهد مسؤولاً انتخبناه تأسف على حالنا وزارنا ليشاركنا أحزاننا، ولم يفقد أي من هؤلاء المسؤولين أحد أفراد أسرته، ولم تتعرض أملاكهم لأذى؛ فهم يسكنون في مناطق آمنة ويتركوننا عرضة للموت ويعرفوننا فقط عند الانتخابات؛ لذا لن أنتخب أحداً بعد اليوم".
2.5 مليون نازح
وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الحكومية العراقية، دعت، الاثنين الماضي، إلى تسهيل إجراءات تسجيل أعداد النازحين في البلاد مع وجود حوالي 2.5 مليون نازح لم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن.
وفي الأنبار(غرباً) قال إعلاميون يعملون في مكاتب تابعة لأحزاب سياسية، إنّ عدداً كبيراً من السكان يوجهون لهم انتقادات حادة، لكونهم يروجون للأحزاب التي يعملون لصالحها.
سيف الدليمي، أحد هؤلاء الإعلاميين، أكد، لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يعد يعلن عن عمله أمام من لا يعرفه منعاً لحدوث مشكلة"، موضحاً "مرات عديدة وصل الأمر إلى التجاوز علي بالألفاظ من قبل أهالي الأنبار. الناس غاضبون من السياسيين والأحزاب، لذلك أحاول جاهداً أن أخفي عن الناس ارتباطي بحزب سياسي".
الدليمي، وبحسب اطلاعه على حال سكان محافظته ومعرفته بآرائهم من جهة، وعلاقته بالترويج للانتخابات من جهة أخرى، يؤكد أن "عدداً قليلاً من سكان المحافظة سيشاركون في الانتخابات المقبلة". والسبب وفق قوله "اتهام السكان للمسؤولين والأحزاب بالسرقة، وتفضيل مصالحهم الشخصية على المحافظة وسكانها وأنهم وراء سيطرة تنظيم داعش على المحافظة وتدمير بيوتهم وتهجيرهم".
وتشير إحصاءات مفوضية الانتخابات إلى أن أعداد الذين حدّثوا سجلاتهم الانتخابية في المدن المحررة، تشكّل نسبة ضئيلة مقارنة مع بقية المحافظات، إذ بلغت النسب في الأنبار 42 في المائة، وفي صلاح الدين 50 في المائة، فيما لم تتجاوز الـ30 في المئة في الموصل، لأسباب أمنية وأخرى إدارية متعلقة بضياع وثائق آلاف العائلات خلال المعارك مع تنظيم "داعش" والنزوح.