أوروبا يمينيّة.. الاتحاد غير مهدَّد بعد

02 يونيو 2014
212 عضواً لليمين واليمين المتطرّف من أصل 751 (getty)
+ الخط -

كان يجب أن تقع صدمة الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة، لكي يتأكد أن القارّة العجوز تغيّرت بالفعل، وبشكل جذري. وكأنها لم تعد تحتمل أفكارها "التقدميّة" التي صنعت منها قوة ثالثة، اقتصادية على الأقلّ، بين جبارين: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة؛ فمن أصل 751 مقعداً أوروبياً برلمانياً، أصبح اليمين واليمين المتطرف يحتلان 212 عضواً، و186 للاشتراكيين الديموقراطيين، في ظاهرة تحدث للمرة الأولى منذ إنشاء البرلمان في 10 سبتمبر/ أيلول 1952. لم يعد اليمين مجرّد فريق سياسي مهمّش، بل بات اللاعب الأقوى في البرلمان الأوروبي، في انتظار التحالفات المرتقبة، التي قد تمنحه حرية الحركة، أو تحاصره.

ومع أن أوروبا قاومت، وبحدّة، طيلة سنوات تكوّن اتحادها، عنصرية فئات اندثرت الى حدّ ما، إلا أنها، ولعوامل اقتصادية واجتماعية، باتت أسيرة "عنصرية" جديدة لم تعهدها في الفترة الماضية.

رحلة الصعود

يتذكر كثيرون كيف أن رئيس حزب "الحرية" النمساوي، يورغ هايدر، الذي توفي بحادث سيارة في العام 2008، تعرض لعزلة واسعة، بعدما رفض معظم قادة العالم مصافحته حتى، كونه عُرف بتمجيده النازية، رغم فوزه الانتخابي في بلاده. وفي هولندا، كان بيم فورتيون، عدوّ العرب والمسلمين الأول، قائداً لحملة هولندية مريرة، تُوّجت بانتصارات سياسية مرحلية، قبل أن يُقتل في 2002 على يد هولندي من معارضي سياسته المتطرّفة.

لاحقاً، بدأت الأمور تتغيّر نحو الأسوأ، إذ تفشّت ظاهرة العنصرية في ملاعب كرة القدم الأوروبية، خصوصاً ضد اللاعبين الأفارقة والعرب. بدأت قوانين الحدّ من الهجرة تتزايد، حتى في أكثر البلدان تسامحاً. فعلتها فرنسا مع رئيسها السابق، نيكولا ساركوزي، حين كان وزيراً للداخلية، بعد إعلانه الحرب على مَن سماهم "الأوباش"، وهم أبناء الجيل الثالث من المهاجرين العرب والأفارقة. لم يتوقف ساركوزي عند هذا الحدّ، بل استكمل سياسته في الاليزيه، مكرّساً "يمينية" فرنسا.

فرنسا أيضاً كانت بطلة رواية سوداوية، حين حدّدت، في صورة غير رسمية، نسبة وجود اللاعبين العرب والأفارقة في المنتخبات الوطنية الكروية بـ30 في المئة من كل منتخب. ومع أن القضية كانت بمثابة فضيحة حقيقية، غير أن الجميع تجاهلها، واستمرّ اليمين في رحلة صعوده.

قمّة المأساة كانت حين أقدم المتطرّف النرويجي، أنديرس بيرنغ بريفيك، على قتل 77 شخصاً وجرح 319 آخرين، في أوسلو وأوتويا النروجيتين، في العام 2011، ليُرسّخ تطوّر الفكر اليميني المتطرّف، في أرقى بلدان اسكندنافيا.

كان واضحاً أن تراكم الأمور سيؤدي الى انفجار ما، قد يكون سياسياً أو أمنياً، وهذا ما حصل في الانتخابات الأوروبية الأخيرة قبل أيام، وخصوصاً أن مسألة "الاستقلال" عن الاتحاد القاريّ، بات أكبر من مجرّد استقلال اسكوتلندا عن بريطانيا، أو استقلال إقليمي الباسك وكاتالونيا عن إسبانيا، أو الفلمنكيين عن بلجيكا. باتت الأحزاب اليمينية مقتنعة أن فرصتها الحالية قد لا تتكرّر، غير أن مستقبل الاتحاد الأوروبي لا يزال يبدو آمناً الى حدّ ما.

فالإعلان عن التحالف داخل البرلمان بين الكتل اليمينية المتطرّفة، أمثال "الجبهة الوطنية" الفرنسية، بقيادة مارين لوبن، وحزب "الحرية" الهولندي بقيادة خيرت فيلدرز، على أن تنضم إليهما لاحقاً بعض الكتل المتطرفة في إيطاليا والنمسا وبلجيكا، يوحي أن اليمينيين يريدون استغلال وجودهم داخل السلطة، لتغيير وتعديل قوانين الهجرة والعمل وغيرها، قبل تقرير مسألة الخروج من الاتحاد.

بالنسبة الى اليمين واليمين المتطرّف، فإن أمامه خمس سنوات لتحقيق ما يريد، قبل الاحتكام الى انتخابات أخرى، وخصوصاً أن الظروف التي أدّت الى نشوء الاتحاد قبل أكثر من نصف قرن، هي ذاتها التي ستتيح استمراره. وقتها، كان السوفيات في الشرق، والأميركيون على المقلب الآخر من المحيط الأطلسي، في الغرب. اليوم، بات الروسي في صلب الأزمة الأوكرانية في الشرق، المعطوفة على خطوط الغاز، والأميركي في الضفة الأخرى، في الغرب، ينتظر طلب الأوروبيين للنجدة.

في المقابل، فإن اليساريين لم يُهزموا بعد، وهم قادرون، إن أرادوا، على توحيد قواهم، وأن يلجموا اليمين، ومنع أي جنوح، أكان دستورياً أم سياسياً. بالتالي، فإنّ أوروبا ستجد نفسها أمام سنوات من الصراع الحزبي القاسي، ويُنتظر أن تؤول في نهاية المطاف الى انتظار الانتخابات المقبلة في 2019. في غضون ذلك، ستسعى الأحزاب اليمينية، داخل بلدانها، الى تحقيق انتصارات محلية، على غرار ما حصل في الانتخابات البلدية الفرنسية.

المساهمون