أمن الوطن من أمن المواطن

16 نوفمبر 2014

الالتزام بمفهوم العدالة الفكرة المؤسسة لنشوء الدولة (Getty)

+ الخط -

نظمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر مؤتمراً دولياً، عقد في الدوحة يومي 5 و6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، شارك فيه حشد واسع من ممثلي هيئات حكومية عربية ومنظمات دولية، وحضره ناشطون من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، مهتمون بإشكالية المقاربة بين مهام الحفاظ على الأمن من جهة واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته في البلدان العربية من جهة أخرى. 

فعلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية خيراً بطرحها الموضوع، خصوصاً على ضوء ما يجري في المنطقة العربية من صراعات دموية، تهدد أمن الوطن والمواطن وسلامة مساره ومصيره. كما أن مجرد مقاربة مسألة "تحديات الأمن الوطني" من موضوع "حقوق الإنسان" تشير، وبدقة، الى إمكانية حدوث تعارض في المفهومين عند التطبيق العملي. وهذا أمر طبيعي، يحدث كلما تسيء السلطة تطبيق مفهوم "المصلحة العامة" بشأن "سلوك الأفراد" في المجتمع، والذين هم، في واقع الحال، أصحاب "المصلحة العامة".

يتولد هذا الإشكال، وكما هي الحال في مجمل علاقات السلطة بالفرد، نتيجة سوء فهم لدور كل من طرفي المعادلة للواجبات والحقوق، وبالتالي للمهام والأدوار المترتبة على كل منهما. المهمة الأولى، إذن، تتعلق بتوضيح الحقوق والواجبات، ضمن معايير ثابتة، تقع جميعها ضمن إطار الحفاظ على أمن الوطن والمواطن، أولاً. واحترام سلطة واستقلال القانون والتشريعات ثانياً. وأخيراً، الالتزام بمفهوم العدالة، وهي الفكرة المؤسسة لنشوء الدولة واستدامة مرافقها العامة والخاصة.

ما يُعقّد هذه العلاقة التشابكية غياب الثقة لدى المواطنين بـ"سلطات الأمن"، وهو، على أية حال، تعبير شائن، يدل على ممارسة "التسلط" من "الأمن" على المواطنين. غياب الثقة هذه يولّدَ الخوف لدى المواطنين من أجهزة الأمن حتى أصبحت ثقافة عامة، يستدل منها ارتباط موظف الأمن بمفهوم "التخابر" و"التنصت" و"العمالة" للسلطة وجمع "المعلومات" عن المواطنين، بهدف التصدي لهم. وما يعمّق غياب الثقة بين الأجهزة والمواطن، ويعيق التعامل بينهما هي حالة السرية وعدم الشفافية وغياب التصريح عن المعلومة، التي تميز سلوك الأجهزة الأمنية وأعمالها.

الحفاظ على الأمن يعني ابتداء الحفاظ على أمن المواطن. فأمن الوطن من أمن المواطن، وليس العكس. والشواهد كثيرة لدول حققت "أمنها" بالقسر والإكراه وممارسة التسلط لنرى انهيار سلطتها أمام حاجز كرامة المواطن، ورفضه قبول الإهانة وتفشي الفساد. وبيّنت التجربة أن من نجح في التفاعل مع هذا الحراك هو من استكان لمطالب الناس، وهي، في حدودها الأساسية، ما يؤمن كرامتها وحسن عيشها ويضمن حقوقها، أي من يحافظ على أمنها الداخلي والخارجي.

المطلوب، إذن، إيجاد حالة عالية من الثقة بين المواطن وأجهزة الدولة وبخاصة اجهزة الأمن. ولتمكين ذلك يتوجب خلق ثقافة تستند إلى مفردات لغوية، وممارسات واضحة، مُشرّعة قانوناً، ترتكز على مبدأ أن مهمة أجهزة الأمن في الدولة تعني، أساساً، الحفاظ على أمن المواطن من أي اعتداء خارجي أو داخلي. وليس من مهمتها إطلاقاً أن تحافظ على السلطة الإجرائية ومصالحها في البقاء في الحكم، والذي قراره، في نهاية الأمر، منوط بممثلي الشعب في السلطة التشريعية. يعتمد هذا التوازن، في الجوهر، على فكرة العدالة، والتي من مخرجاتها الممارسة الديمقراطية، والتي هي الآلية المتاحة لتحقيق العدالة.

الأمر الآخر في تعزيز ثقافة الحفاظ على أمن المواطن، وثقته بالأجهزة الأمنية (والإجرائية بشكل عام) يتعلق بالشفافية والإفصاح، فحق المواطن في الوصول إلى المعلومات أصبح من الحقوق المقرّة دولياً، فليس من الطبيعي، وليس من العدالة، الطلب من المواطن الحفاظ على أمن بلاده، وهذا من صلب ما تُرتب عليه حقوق المواطنة من واجبات، في الوقت الذي تُحجب عنه المعلومات، للقيام بواجباته وممارسته لمواطنيته. هذا لا يعني سلوك التشهير، أو الإفصاح عن أمور تتعلق بالمخاطر المحيطة بالبلاد. وفي هذا الشأن، يتوجب وضع معايير دقيقة لمثل هذه المعلومات الأمنية، بحيث تنعدم إمكانية الاجتهاد المبتذل، بما يؤدي إلى سقوط التوازن الحرج بين ما يجب الإعلان عنه وما يجب إخفاؤه. سقوط هذا التوازن يضعف ثقة المواطن بأجهزة الأمن.

هذه تساؤلات ونقاط أثيرت في جلسات الندوة المشار اليها أعلاه. والعبرة ليست إثارتها والحديث عنها فقط، وإنما في متابعة ما تم بحثه فيها، كما في مراقبة ومساءلة ومحاسبة الاجهزة الأمنية في البلدان المشاركة في هذا اللقاء عن مدى التقدم الحاصل في تعزيز مفهوم وثقافة كون "أمن الوطن من أمن المواطن". هذه المسؤولية تشترك بها الجهات الرسمية والهيئات المشاركة، كما هي، أيضاً، من مهام الجهة الداعية للمؤتمر "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر".

avata
عامر خياط

الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد