"المؤشر العربي" والفساد في الدول العربية

16 أكتوبر 2014

لا يمكن فصل الفساد عن حالة البيئة الحاضنة له(Getty)

+ الخط -

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائج استطلاع "المؤشر العربي" لسنة 2014، يشمل الاستطلاع دراسة اتجاهات الرأي العام وانطباع المواطنين تجاه مواضيع مؤثرة في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، كما عن انطباعاتهم على مجمل ما يحيط بهم من أحداث سياسية ومواقف وحراك، إن على الصعيد الرسمي، أو في نتاج حركة المجتمع المدني وهيئاته في الاقطار العربية.

يشمل "المؤشر العربي" في إصداره الجديد استطلاع الرأي العام في 14 دولة عربية، وبالتالي، يمكن اعتبار نتاجه ممثلاً لاتجاهات الرأي العام في مجمل الأقطار العربية، بما يكسبه المصداقية والموضوعية. بطبيعة الحال، هذا لا يغني عن ضرورة شمول "المؤشر" في السنوات المقبلة جميع الدول العربية، استكمالا لوضع صورة شاملة ودقيقة لمسار تكوين الرأي العام العربي للقضايا الرئيسية والحياتية التي تمر بها الشعوب العربية.

يلتقي هذا التوجه مع أحد أهداف المنظمة العربية لمكافحة الفساد، المتعلق بإصدار تقرير دوري حول حال الفساد في الأقطار العربية. هذا الهدف المحوري في عملنا تعتريه مصاعب تقنية متعلقة بضرورة إيجاد معايير قياسية دقيقة وموضوعية، لجملة مؤشرات لحال الفساد وآليات مكافحته في الدول العربية. يتطلب ذلك الابتعاد عن كل ما يشكل "انطباعاً" أو "رأياً" لدى المُستَطلَعين، من دون إخضاعه للقياس العلمي بقدر المستطاع. هذا الاستخدام من مؤسسات دولية وإقليمية عديدة تنشر "مؤشرات الفساد"، والتي في غالبها "انطباعية" و"إدراكية" هو معرض انتقادنا افتقاده القياس وتغييبه للصورة الحقيقة والموضوعية للفساد.

وفي مراجعة نتائج "المؤشر العربي" للسنوات 2012 -2011 و2013، وجدت المنظمة العربية بالإمكان الاستفادة من آلية هذا المؤشر، في استقصاء نتائج يُمكن استخدامها، حين إعداد تقرير المنظمة العربية الدوري حول "حال مكافحة الفساد في الأقطار العربية". من أجل ذلك، تم التعاون بين المركز العربي والمنظمة العربية منذ منتصف سنة 2013 في تحديد جملة عناصر ومعايير، تتعلق جميعها بمدى انتشار الفساد ومواقعه ونظم مكافحته (إن وجدت) في الأقطار العربية مجال الاستطلاع، مع الأخذ بالاعتبار بإخضاع هذه المعايير للوزن الإحصائي، مقاربة للقياس والموضوعية.

أهمية هذا التعاون ليس فقط في التوصل إلى آلية ذات اهتمام مشترك بين مؤسستين عربيتين، ولكن، وبقدرٍ لا يقل أهمية، تعزيز سبل التعاون والتشاور بين منظمات العمل الأهلي والمدني ومراكز الأبحاث في الأقطار العربية. مع التأكيد على مبدأ الاستقلالية في العمل، وفي التوجه وفي المنظور، والحفاظ على ذلك دائماً.

ومع أن أبرز نتائج "المؤشر العربي" تم نشرها في تقرير صادر عن المركز العربي (http://en.calameo.com/read/00123143522762f010748)، إلا أن المنظمة العربية تعمل، الآن، من أجل إجراء تقييم مفصل لمجمل العناصر الواردة في التقرير، والمتعلقة بحال الفساد وآليات مكافحته، وكذلك من أجل تقييم الإدراك (الانطباع) العام حول وجود الفساد، كلما كان في الإمكان تعزيز هذا الإدراك بالقياس الموضوعي.

ولكن، من المناسب في هذا الطرح بيان ملاحظات رئيسة مؤثرة على وجود الفساد وانتشاره ووسائل مكافحته:

أولاً – أمن المواطن من أمن الوطن: يشير الاستطلاع إلى أن أكثر من نصف المستجيبين لا يشعرون "بالأمان" في أوطانهم. وهذا يتفق مع كون نحو 60% منهم قيموا وضع بلادهم الاقتصادي والسياسي بالسيء. وعبّر مستجيبون كثيرون بالرغبة في الهجرة، لغياب عامل الأمن. والرغبة في الهجرة تتولد في الغالب، لدى الشباب وأصحاب الكفاءات، نستطيع، بناء على ذلك، تقدير الهدر المحتمل في الرأسمال البشري، وتكوين الثروات في بلداننا، وتأثير ذلك على عملية الإنماء، وهو، أيضاً، ما يشير له "المؤشر" في معطياته الاقتصادية.

ثانياً – آليات مكافحة الفساد: الرقابة والمساءلة والمحاسبة: تعتمد مكافحة الفساد على أمرين أساسين: أولاً، وجود قوانين وتشريعات لمكافحة الفساد واضحة وصريحة، تقيّد المواطن باحترام القانون. وثانياً وجود إرادة سياسية لدى السلطات، مقتنعة بضرورة مكافحة الفساد. يُبين المؤشر العربي، في استطلاعه، أن هنالك ضعفاً في ثقة المواطن بسلطات الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية، وهي السلطات المسؤولة عن تنفيذ آليات مكافحة الفساد. المهم، في هذا، أن الهيئتين الأضعف ثقة لدى المواطن هما السلطة التشريعية (المسؤولة عن نفاذ عقده الاجتماعي مع الحاكم) والأحزاب السياسية (المسؤولة عن الدفاع والمطالبة بمصالح وحقوق المواطن).

وتعكس نتائج المؤشر العربي إلى غياب الإرادة السياسية في الأداء الحكومي (والذي بطبيعة الحال ينعكس على أدائها في مكافحة الفساد). إذ تفيد الاستطلاعات بأن أكثرية المستجيبين قيموا هذا الأداء تقييماً سلبياً.

وينسحب ذلك التقييم السلبي على حال الفساد في الدول العربية، انتشاراً ومكافحة. إذ بلغ عدد المقتنعين بأن الفساد المالي والإداري غير منتشر على الإطلاق 5% مقابل 91% من المستجيبين الذين أفادوا عكس ذلك. كما يبدو من الإفادات أن الرأي العام العربي منقسم حول جدية الحكومات العربية في مكافحة الفساد، وهو، بطبيعة الحال، أمر لا يدعو إلى الاطمئنان.

ثالثاً – المواطن وحكم القانون: إذا كانت المساءلة والمحاسبة والمراقبة هي آليات مكافحة الفساد، فهي، أيضاً، المعايير الواجب اتباعها للتحول الديمقراطي في البلاد. وهذا ما يؤسس للمقاربة والتكامل بين المفهومين. وإذ يشير المؤشر إلى وجود خلاف بين الناس حول تعريفهم (وبالتالي مفهومهم) للديمقراطية، يتفق معظمهم (62%) على وجوب توفر شرطين لإمكانية قيامهما، هما ضمان الحريات المدنية والعامة للمواطن، وتحقيق المساواة والعدل بين المواطنين. وهما شرطان متلازمان، يوضحان ليس فقط مسار المواطنية باتجاه التحول الديمقراطي، ولكن، أيضاً، تأسيس المواطنة مبدأ احترام حكم القانون والخضوع له في المطلق.

إن حكم القانون والنظام الديمقراطي شرطان أساسيان لمكافحة الفساد، ويؤسسان لقيام أنظمة وآليات، وما تتطلب من هيئات لمكافحة الفساد. وفي هذا الصدد، يوضح تقرير المؤشر ضرورة التوسع، شرحاً وتوصيفاً، لمفهوم الديمقراطية، والأنظمة السياسية الملائمة له، ومدى الاستعداد لتقبل التغيير في هذا الاتجاه، كما في التزام الأنظمة السياسية حكم القانون، وما يتطلبه من التزام بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، والاحترام والثقة المتبادلة بينهما.

هذا فيما يتعلق بالاستجابات المتعلقة بالفساد الذي تناولها المؤشر، ولكن، وفي عملية التقييم الشامل لحالة مكافحة الفساد في الأقطار العربية، لا يمكن الاستغناء عن بقية العناصر التي تناولها تقرير المؤشر العربي بتفصيل متميز، مبيناً أن من غير الممكن فصل حالة الفساد في أي بلد عن حالة البيئة الحاضنة له، وتأثير السياسة والاجتماع والدين في ذلك.

وأوضحت هذه التجربة للمنظمة العربية ضرورة توسيع المعايير التي تم اعتمادها سنة 2014، لتبيان معالم الفساد، وصولاً إلى نتائج أكثر شمولاً وأبرز حكماً. فدور الفساد في التعليم، وفي تأمين الضمان الصحي والشيخوخة والطفولة وحق المرأة وفي صناديق الاقتراع والتمثيل الشعبي وحقوق المواطن في الحماية القضائية، وفي الوصول إلى المعلومات، جميعها من الأمور واجبة البحث في هذا المجال.

وإذ يتم التركيز على دور السلطة، بركائزها الثلاث، في تعاملها مع الفساد، فذلك لا يعني التوقف عن البحث في دور المثقف في التبشير بثقافة مكافحة الفساد، أو في دوره في بعض الأحيان إلى الاستكانة لواقع الفساد الذي يجد حاله فيه.

_____________________________________
الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد

avata
عامر خياط

الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد