17 نوفمبر 2024
أليست هذه حربك؟
رئيس وزراء إيطاليا، ماتيو رينزي، يواجه اليوم غضباً نيابياً وإعلامياً، بسبب مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي، جوليو ريجيني، في القاهرة، في ظروف غامضة، فيما ترجّح وسائل إعلام إيطالية أن يكون قد اعتُقل، وتمّ تعذيبه على يد الشرطة بطريقة بشعة، إلى أن قُتل بضربة شديدة على العنق.
يعود الغضب على رئيس الوزراء الإيطالي إلى دعمه السابق غير المحدود للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومباركته كل ما يقوم به الأخير بذريعة "الحرب على الإرهاب"، ويذكّر إيطاليون بعبارة رئيس الوزراء الشهيرة للسيسي "حربك على الإرهاب هي حربنا"، وهي العبارة التي ذاق معناها الطالب المسكين ريجيني.
بالطبع، نفت الرواية الرسمية المصرية بشدّة الاتهامات الموجّهة للشرطة المصرية، وأكّد مسؤول رفيع هناك أنّ الشرطة مشهود لها بالشفافية واحترام حقوق الإنسان! لكن الطريف أنّ الرواية الشفافة جداً لهذه الشرطة قالت إنّه توفي في حادث سير، قبل أن يطالب الإيطاليون بتشريج الجثة، وإرسال فريق تحقيق إلى القاهرة لمتابعة القضية، ويُكتشف أنّ ريجيني تعرّض لتعذيب شديد، وبتر للأعضاء، قبل أن يقضي تحت الضرب العنيف.
ريجيني طالب الدكتواره الذي أحب مصر، وآمن بالربيع العربي، كان يكتب موضوعه عن النقابات العمّالية المستقلة، وله مقالات باسم مستعار عن موضوعه، في مجلة المانفيستو اليسارية المعارضة، وكان، وفق تقارير إعلامية غربية، يتوقع اعتقاله من الشرطة.
علّق وزير الداخلية الإيطالي على تقرير التشريح لجثّة ريجيني بأنّه "تعرّض لعنف حيواني غير إنساني"، وهو وصف غريب حقّاً علينا في العالم العربي، وربما يثير سخرية من ذاقوا معنى التعذيب والسجون في العالم العربي. لأنّ التعامل، أصلاً، مع الإنسان في كثير من أقسام الشرطة في تلك الدول هو على قاعدة "حيونة الإنسان" (على حدّ تعبير ممدوح عدوان، وهو عنوان كتاب رائع له).
أليست هذه حرب رئيس وزرائكم المتحمّس لها؟ فشاب إيطالي واحد، ونحن حزينون جداً عليه، وهو لا يستحق أبداً ما حصل له، أحدث هذا الرعب والقلق والهلع، ووصف مسؤول إيطالي التقرير بأنّه استولى عليه منذ قراءته، فماذا يقول عشرات الآلاف من المصريين في ظروف غير إنسانية، ولا تمت إلى المعايير الحقوقية بصلة في السجون والمعتقلات، وهنالك عدد كبير قضى تحت تلك الظروف القهرية، ومنهم أساتذة جامعات معروفون.
أليست هذه حربكم يا سيدي؟ بالإضافة إلى ريجيني، دفع ثمنها هشام جعفر، الدكتور الباحث المستقل الذي يكاد يفقد بصره لمنع الأدوية عنه، هو نموذج آخر، وإسماعيل الإسكندراني الباحث المصري المجدّ الذي رجع لزيارة أمّه المريضة، فاعتقل في المطار، وغيرهم من الآلاف، عدد كبير منهم طلاب دراسات عليا وجامعات وأساتذة متميزون ومبدعون.
حسناً، دعونا ننتظر التقارير النهائية، ليست الرسمية المصرية، بل الإيطالية، عن ظروف الجريمة وحيثياتها وملابساتها التي وقعت بحق هذا الطالب، ولا يجوز، فعلاً، أن نستبق النتائج، على الرغم من أنّ التقارير الإعلامية الغربية تلمّح، بوضوح، للأدلة والمؤشرات المتوفرة. مع ذلك، فمثل هذه الحالة هنالك آلاف الحالات في مسرح عنف رسمي غير مسبوق، ولا حتى في أسوأ مراحل الدكتاتورية، كما أصبحت الصحف الإيطالية التي استيقظت فجأة، تصف الأمر!
الجريمة بحق الطالب الفقيد ريجيني مدانة تماماً، أيّاً كان الفاعل. لكن، من المفترض أن ندين الجريمة بحق آلاف المصريين اليوم، حتى لو تعاملنا معهم بمرحلة "ما دون الإنسان"، فما يحدث لا يمكن الصمت عليه.
يعود الغضب على رئيس الوزراء الإيطالي إلى دعمه السابق غير المحدود للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومباركته كل ما يقوم به الأخير بذريعة "الحرب على الإرهاب"، ويذكّر إيطاليون بعبارة رئيس الوزراء الشهيرة للسيسي "حربك على الإرهاب هي حربنا"، وهي العبارة التي ذاق معناها الطالب المسكين ريجيني.
بالطبع، نفت الرواية الرسمية المصرية بشدّة الاتهامات الموجّهة للشرطة المصرية، وأكّد مسؤول رفيع هناك أنّ الشرطة مشهود لها بالشفافية واحترام حقوق الإنسان! لكن الطريف أنّ الرواية الشفافة جداً لهذه الشرطة قالت إنّه توفي في حادث سير، قبل أن يطالب الإيطاليون بتشريج الجثة، وإرسال فريق تحقيق إلى القاهرة لمتابعة القضية، ويُكتشف أنّ ريجيني تعرّض لتعذيب شديد، وبتر للأعضاء، قبل أن يقضي تحت الضرب العنيف.
ريجيني طالب الدكتواره الذي أحب مصر، وآمن بالربيع العربي، كان يكتب موضوعه عن النقابات العمّالية المستقلة، وله مقالات باسم مستعار عن موضوعه، في مجلة المانفيستو اليسارية المعارضة، وكان، وفق تقارير إعلامية غربية، يتوقع اعتقاله من الشرطة.
علّق وزير الداخلية الإيطالي على تقرير التشريح لجثّة ريجيني بأنّه "تعرّض لعنف حيواني غير إنساني"، وهو وصف غريب حقّاً علينا في العالم العربي، وربما يثير سخرية من ذاقوا معنى التعذيب والسجون في العالم العربي. لأنّ التعامل، أصلاً، مع الإنسان في كثير من أقسام الشرطة في تلك الدول هو على قاعدة "حيونة الإنسان" (على حدّ تعبير ممدوح عدوان، وهو عنوان كتاب رائع له).
أليست هذه حرب رئيس وزرائكم المتحمّس لها؟ فشاب إيطالي واحد، ونحن حزينون جداً عليه، وهو لا يستحق أبداً ما حصل له، أحدث هذا الرعب والقلق والهلع، ووصف مسؤول إيطالي التقرير بأنّه استولى عليه منذ قراءته، فماذا يقول عشرات الآلاف من المصريين في ظروف غير إنسانية، ولا تمت إلى المعايير الحقوقية بصلة في السجون والمعتقلات، وهنالك عدد كبير قضى تحت تلك الظروف القهرية، ومنهم أساتذة جامعات معروفون.
أليست هذه حربكم يا سيدي؟ بالإضافة إلى ريجيني، دفع ثمنها هشام جعفر، الدكتور الباحث المستقل الذي يكاد يفقد بصره لمنع الأدوية عنه، هو نموذج آخر، وإسماعيل الإسكندراني الباحث المصري المجدّ الذي رجع لزيارة أمّه المريضة، فاعتقل في المطار، وغيرهم من الآلاف، عدد كبير منهم طلاب دراسات عليا وجامعات وأساتذة متميزون ومبدعون.
حسناً، دعونا ننتظر التقارير النهائية، ليست الرسمية المصرية، بل الإيطالية، عن ظروف الجريمة وحيثياتها وملابساتها التي وقعت بحق هذا الطالب، ولا يجوز، فعلاً، أن نستبق النتائج، على الرغم من أنّ التقارير الإعلامية الغربية تلمّح، بوضوح، للأدلة والمؤشرات المتوفرة. مع ذلك، فمثل هذه الحالة هنالك آلاف الحالات في مسرح عنف رسمي غير مسبوق، ولا حتى في أسوأ مراحل الدكتاتورية، كما أصبحت الصحف الإيطالية التي استيقظت فجأة، تصف الأمر!
الجريمة بحق الطالب الفقيد ريجيني مدانة تماماً، أيّاً كان الفاعل. لكن، من المفترض أن ندين الجريمة بحق آلاف المصريين اليوم، حتى لو تعاملنا معهم بمرحلة "ما دون الإنسان"، فما يحدث لا يمكن الصمت عليه.