ألمانيا 2016: التفاتة إلى الإصلاح وشرط الإنسان

05 يناير 2017
من "بينالي برلين للفن المعاصر" 2016
+ الخط -

رجل عجوز، تجاوز السبعين، يفقد تجارته ومعها كل القيم التي آمن بها، بعد خيانة أقرب الأصدقاء إليه، يتحوّل إلى مجرّد عامل بسيط في محل زوجته التي تبيع لوازم الرقص، ويدمن الكتابة في مدونات الانتحار على الشبكة العنكبوتية، شخصية تختصر ربما إنجازاتها وإخفاقاتها حياة الإنسان الغربي في مرحلة الرأسمالية المتأخرة، ولكن يبدو أنها شخصية لم تقنع كثيراً النقد الألماني، الذي استقبل رواية مارتين فالرز (1927)، "رجل ميت" Ein Sterbender Mann استقبالاً باهتاً.

وفي الوقت نفسه الذي ظهرت فيه هذه الرواية، بداية السنة، ستظهر نسخة نقدية لكتاب "كفاحي"، بعد سقوط حقوق نشر الكتاب في الواحد والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول 2015، الذي يوافق الذكرى السبعين لرحيل الزعيم النازي أدولف هتلر.

صدرت النسخة النقدية للكتاب عن مؤسسة التاريخ الحديث في ميونخ، وقد تطرّق المشرفون على هذه الطبعة للعديد من القضايا، من بينها ظروف نشأة هذا الكتاب، وما الذي كان يهدف إليه هتلر من خلال نشره. وبالنظر للقوة الرمزية للكتاب، اعتبرت الصحف الألمانية أن هذه النسخة النقدية تمثل مساهمة في التنوير السياسي ـ التاريخي، حول حقبة مظلمة من تاريخ ألمانيا.

وبمناسبة الاحتفال بمرور خمسمائة عام على حركة الإصلاح الكنسي التي تزعمها رجل الدين الألماني، مارتن لوثر، عرفت عدة مدن ألمانية افتتاح معارض خاصة بحركة الإصلاح، هدفها تسليط الضوء على جذور المجتمع الحديث، ومدى تأثير حركة الإصلاح الديني عليه.

ولم يتوقَّف الاحتفاء بلوثر وحركة الإصلاح الديني على المتاحف فقط، إذ عرفت ألمانيا تنظيم مؤتمراتٍ علميّة مختلفة حول حياة لوثر وإرثه، كما عرضت المكتبات الألمانية كتباً جديدة حوله، من أبرزها كتاب راينهارد شفارتس الذي صدر مؤخراً، ويحمل عنوان: "مارتن لوثر، معلّم الدين المسيحي"، وكتاب توماس كاوفمان: "مارتن لوثر"، الذي يقدم تأريخاً لحياته وأهم محطاتها، كما زينت عديد من المجلات الألمانية الشهيرة أغلفتها بصورة المصلح الكبير، وخصصت حيزاً كبيراً للحديث عن حياته، عصره وفكره، وتأثيره بالأديان الأخرى.

أما "جائزة السلام" (تمنح منذ 1950)، فقد قدّمت هذه السنة للكاتبة والفيلسوفة الألمانية كارولين إمكه، المعروفة بمواقفها النقدية، ووقوفها ضد نزعات الكراهية، وهي التي حمل آخر إصدار لها في العام المنصرم عنوانا معبرا: "ضد الحقد".

وفي كلمتها التي ألقتها بهذه المناسبة في كنيسة القديس باولوس، بحضور الرئيس الألماني يواخيم غاوك، أكدت على "لامشروطية حقوق الإنسان"، واستحالة أن نطالب الإنسان بتقديم شيء، حتى يستحقها.

"فلا توجد شروط يتوجب الإيفاء بها، حتى يمكن اعتبار شخص ما إنسانا وتقديم الحماية له"، مستشهدة بتزفتان تودوروف، الذي انتقد تحول "التعدد إلى لامساواة"، و"المساواة إلى هوية". ومعتبرة أن "هذه التحولات تمثل مرض عصرنا، فعبر هذه التقسيمات، بين الهوية والاختلاف، المفاهيم، لون البشرة، الأصل والدين والهوية الجنسية، تتم شرعنة العنف والتمييز".

وعرفت هذه السنة رحيل مثقفين عربيين في برلين، الأول ذاع صيته في العالم العربي وصيت كتاباته النقدية، وهو المفكر صادق جلال العظم. والكاتب والمترجم العراقي حسين الموازني، صاحب "حارس المهدي المنتظر"، والذي سبق ونشر أعمالاً روائية باللغة الألمانية ونشر في جرائدها لبعض الوقت، قبل أن يغيّبه الموت، قبيل صدور ترجمته لفرويد عن "دار الجمل"، وفي انتظار صدور روايته "صديق غوبلز" قريباً باللغة الألمانية.

دلالات
المساهمون