لم يعد الأهل في حاجة إلى مناسبة لتقديم الهدايا - ألعاب تحديداً - لأولادهم الصغار. ثمّة من يفعل ذلك بوتيرة يوميّة أو شبه يوميّة، وقد يأتي الأمر في أحيان كثيرة كشكل من أشكال المساومة أو الابتزاز. في الماضي، قبل أعوام ليست بكثيرة، لم يكن الطفل يتلقّى هديّة إلا في الأعياد أو في حالات استثنائيّة تستوجب ذلك. حينها، كان يفرح بلعبته الجديدة، وهي كانت بالفعل تستحقّ الحماسة التي اعتاد إظهارها صغير أو آخر.
اليوم، يتلقّى الطفل هداياً في الأعياد، وكذلك كلّما التزم الهدوء ولم يُحدث جلبة، وكلّما رتّب غرفة ألعابه أو ساهم في ذلك، وكلّما أنهى وجبة طعام لا يرغب فيها، وكلّما امتنع عن التفوّه بكلمات بذيئة... وتطول القائمة. لن نغوص في مسألة المساومة أو ما يمكن وصفه بالابتزاز، ولا في تبعاتهما على المدى البعيد، علماً أنّ الأطفال يبرعون في الأمر. تلك قضيّة بحدّ ذاتها.
وتكثر الهدايا/ الألعاب التي يتلقاها الأطفال، ليس فقط بسبب وتيرة تقديمها لهم، إنّما لأنّ الأهل صاروا يقدّمون أكثر من هديّة واحدة في المرّة الواحدة. ويحذّر من ذلك هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة وكذلك الذين يحاولون سبر المجتمع وأحوال أهله. هؤلاء يؤكدون أنّ كثرة الألعاب تجعل الطفل أقلّ إبداعاً وذكاءً، مستندين إلى دراسات عدّة في هذا السياق. ربّما لا يحتاج الأمر إلى دراسات، وتكفي مقارنة ما بين أطفال أيّام زمان وأطفال اليوم حتى يتبيّن ذلك جليّاً. أطفال أيّام زمان، والمقصود ليس جيلنا فحسب، إنّما الأجيال السابقة، كانوا يبتدعون ألعابهم فيصنعون قسماً كبيراً منها. من لم يخبره والده أو جدّته عمّا ابتكراه في أوقات فراغهما؟
تتّفق دراسات مختلفة على أنّ كثرة الألعاب تؤدّي إلى الاستحواذ على الطفل وتحفيزه بصورة مفرطة، لدرجة أنّه يعجز عن التركيز على أيّ منها. وتتأثّر بالتالي جودة اللعب لدى هؤلاء، علماً أنّ تلك النشاطات أساسيّة جدّاً في عمليّة نموّ الطفل. من هنا، لا بدّ من الحرص على عدم تزويد الأطفال بعدد كبير من الألعاب. هم لن يكونوا أكثر سعادة في حال تلقّوا هدايا/ ألعاباً كثيرة، إنّما من شأن ذلك أن يخلق رضا عند الأهل أنفسهم. هؤلاء، بعضهم على أقلّ تقدير، يردّدون كثيراً: لا نريد حرمانهم من أيّ شيء.
وفي مفارقة لافتة، كثيرون هم الأهل الذين يشتكون من كثرة ألعاب أولادهم ومن واقع أنّهم يهملون عدداً كبيراً منها. على الرغم من ذلك، يصرّون على تقديم المزيد لهم، من دون أن يدركوا التبعات السلبيّة لما "يقترفونه". إلى جانب ما سلف ذكره، لن يفقه الأطفال "الحدود" التي يتوجّب على أهلهم رسمها في مجالات عدّة. هذه كذلك قضيّة بحدّ ذاتها تستدعي التوقّف عندها... وللحديث تتمّة.