لن تكون الدورة السادسة لـ"مهرجان السينما الإيرانية في باريس" (6 -12 يونيو/ حزيران 2018) استثناءً، إذْ تُفتتح بـ"الخنزير" (2018) للمخرج ماني حقيقي، وتنتهي بـ"الأرنب" (2018) للمخرج ماني بغباني. مهرجان يستمر أسبوعًا واحدًا، ويختار موضوعًا محدّدًا لكلّ دورة، ينتقي على أساسه الأفلام. نسخة هذا العام مُكرّسة للطفولة والمراهقة. نوع مَيّز السينما الإيرانية، واشتغل عليه كبارها، كعباس كيارستمي وبهرام بيضائي وأمير نادري وجعفر بناهي وأبي الفضل جليلي.
وقد يكون عالم الأطفال أفضل وسيلة للحديث عن عالم الكبار، ووسيلة السينما الإيرانية الذكية للالتفاف على الرقابة.
هذه التيمة تحضر في أفلامٍ كلاسيكية، كـ"أطفال السماء" (1997)، رائعة مجيد مجيدي المرشّحة لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي عام 1999 وتروي قصة شقيقين يتشاركان حذاءً واحدًا؛ و"رقص الغبار" (1998) لأبي الفضل جليلي، الذي نال جائزة "الفهد الفضي" في الدورة الـ52 (5 ـ 15 اغسطس/ آب 1998) لـ"مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي" وتدور قصته حول فتى صغير يعمل في كسّارة للأحجار، وفي ليالي منطقته النائية والمعزولة تأتيه أصوات تمنع عنه النوم، فيبدأ بالركض. ذات مرة، يلتقي فتاة من عمره، فيتبادلان نظرات تبدأ معها قصتهما الصامتة.
هناك أيضًا تحفٌ نادرة، كفيلم سهراب شهيد ثالث "مجرد حدث بسيط"، الذي يصوّر حياة طفل (10 أعوام) يُقيم مع أبويه في قرية صيادين على بحر الخزر، حيث وتيرة الحياة لا تتغيّر، وتسير على نمطٍ واحد حتى في أوقات الراحة والفراغ، إذْ ما هو الأمر الذي يشكّل حدثًا لأناس كهؤلاء؟ شيء لا يمكن تخيّله: بسيط ومفاجئ ومدهش في الوقت نفسه. فيلمٌ يعتبر من تحف السينما الإيرانية لهذا المخرج، الذي رحل عام 1998 في شيكاغو، وهو في الخمسينيات من عمره، ويُعتبر أول من أبدع أسلوبًا خاصًا في السينما الإيرانية، تاركًا أكبر الأثر على كيارستمي ومخملباف.
لا يكتفي المهرجان بتسليط الضوء مجددًا على هذه الأفلام، بل هناك بانوراما للسينما المعاصرة تشمل (8 أفلام) في "البيت"، سيناريو وإنتاج وإخراج أصغر يوسفي نجاد، و"منع" لمحسن قرائي، الذي عمل مساعدًا لبهرام بيضائي ورضا مير كريمي ومجيد مجيدي: يؤدّي حامد بهداد دور رجل فاسد، يكشفه رئيسه، فيقرّر العثور على عمل جديد؛ و"الساحر" لميلاد علمي يتناول مساعي إيراني يعيش في الدنمارك للحصول على الإقامة، يعمل في النهار في شركة نقل وليلاً يغري النساء على أمل الزواج، لكن حياته تتغير حين يقابل سارة.
أما فيلم"الرقم 17 سهيلة" لمحمود غفاري، يلقي الضوء على البحث عن زوج مع كلّ ما يشكّله ذلك، من تعقيدات للمرأة في بلدٍ يحكمه الدين والأعراف.
كما يهتم المهرجان في دورته هذه بأفلام وثائقية تتابع شخصيات فريدة، كالطالبة الجامعية في "شاعرات الحياة" لشيرين برغ نافار، التي تتخلّى عن الحياة المرفهة لتصبح ناشطة، وتكرّس حياتها للبيئة وزراعة الأرز، والحميماتي في "علي آغا" لكمران حيدري، الذي لم يمنعه لا العمر ولا المرض عن شغفه بتربية الحمام في شيراز. أما السيد نادري رجل الأعمال الغني، فيقترح ـ في "دبلوماسية السيد نادري التي لا تقهر" لبهتاش صنايعها ومريم مقدم ـ مشروعًا غريبًا لتحسين العلاقات بين إيران وأميركا، إذ يقرّر نسج "سجادة السلام" في مصانعه. لكن العقبات أمام مشروعه أكبر من أن يتمكّن من السيطرة عليها.
يُذكر أن جمعية باريسية يترأسها المخرج الإيراني الفرنسي نادر تكميل همايون تُنظّم المهرجان، سعيًا منها إلى "تحسين إدراك الثقافة الإيرانية في فرنسا، والتعرّف على وجوهها المتعددة، بتنظيم تظاهراتٍ ثقافية للقاء والحوار، ومنها المهرجان"، كما في تعريفٍ رسمي.