أفغانستان أمام أزمة جديدة بعد الانتخابات: تكرار لسيناريو 2014؟

01 أكتوبر 2019
نشرت الحكومة نحو 70 ألف رجل أمن (بولا برونستاين/Getty)
+ الخط -
يبدو أن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها أفغانستان في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، تتجه لتتحوّل إلى أزمة جديدة في البلاد بدل أن تكون استحقاقاً لدفع العملية السياسية، ففيما استطاعت السلطة اجتياز هذا اليوم وإنجاز الانتخابات على الرغم من المشاركة الضعيفة والاتهامات بالتزوير وهجمات حركة "طالبان"، إلا أن ما تبعها من إعلان الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، أمس الإثنين، فوزه فيها، بعد ترجيحات بفوز محتمل للرئيس الحالي أشرف غني بولاية ثانية، يشي بتكرار أزمة 2014 عندما قام عبد الله بخطوة مماثلة، قبل أن تتدخّل واشنطن وتدفع بحل تم على أساسه تعيين الأخير رئيساً تنفيذياً.

وفيما كان مرشحون معارضون لغني يتخذون المشاركة الضعيفة، بالإضافة إلى ادعاءات التزوير، ذريعة للتشكيك بمشروعية الانتخابات برمتها، أطل عبد الله في مؤتمر صحافي في كابول، أمس، معلناً فوزه وأنه سيقوم بتشكيل الحكومة، مؤكداً أن الانتخابات لن تحتاج لدورة ثانية. وليست هذه المرة الأولى التي يدعي فيها عبد الله فوزه في الانتخابات، بل إنه فعل ذلك في السابق أيضاً، ففي انتخابات 2009 كان هو أحد أطراف النزاع مع الرئيس السابق حامد كرزاي بعدما ادعى الفوز، ليحصل على منصب وزير الخارجية، وفي انتخابات عام 2014 حصل الأمر نفسه بادعاء عبد الله الفوز في الجولة الثانية وعدم قبوله نتائج الانتخابات، وفي النتيجة شُكّلت حكومة وحدة وطنية، بعدما دفعت الولايات المتحدة وتحديداً وزير خارجيتها جون كيري لتشكيل هذه الحكومة التي ترأسها الرئيس أشرف غني وتم إنشاء منصب جديد لعبد الله باسم الرئيس التنفيذي.

ومن المتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات النتائج الأولية خلال ثلاثة أسابيع، غير أن الأرقام غير الرسمية تشير إلى فوز غني في الدور الأول، وهو ما أشار إليه أيضاً بعض السياسيين المعارضين للرئيس، منهم محمد عطاء نور، الأمين العام للجمعية الإسلامية التي ينتمي إليها عبد الله، بالقول إن "الأرقام والمؤشرات تشير إلى فوز أحد المرشحين، ومن هنا لا منصب باسم الرئيس التنفيذي (يشير إلى عبد الله) وعلى الجميع أن يقبلوا النتيجة"، من دون دعوة الناس إلى الشوارع. وعطاء كان أحد المقربين لعبد الله قبل أن يختلف معه في الفترة الأخيرة. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد طلبت من جميع المرشحين الانتظار لإعلان النتائج وألا يستعجلوا في القضية. كما أكدت لجنة الانتخابات، في بيان لها عقب المؤتمر الصحافي لعبد الله، أنه لا يحق لأي مرشح أن يتحدث عن النتائج قبل أن تعلنها اللجنة رسمياً.

ويضع هذا التطور البلاد أمام أزمة جديدة، على الرغم من تخطي السلطة هاجس إجراء الانتخابات يوم السبت الماضي، في ظل التهديدات الأمنية الكبيرة، وأعمال العنف والتفجيرات يوم الانتخابات والتي أدت إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً، بحسب بعض الإحصائيات، على الرغم من انتشار أكثر من 70 ألف جندي من الجيش ورجال الأمن لحماية عملية التصويت.
لكن نسبة المشاركة كانت ضئيلة، وبحسب الأرقام التي أعلنتها لجنة الانتخابات، فإن ما يزيد على مليوني شخص أدلوا بأصواتهم في حوالي ثلثي مراكز الاقتراع، بينما الثلث الأخير لا تزال لجنة الانتخابات تعمل على نقل أوراقه إلى العاصمة ومراكز الأقاليم. وبينما تعتبر حركة "طالبان" ضعف المشاركة انتصاراً لها ونتيجة ما أطلقته من عمليات لإفشال هذا الاستحقاق، مشيدة بدور الشعب في إفشاله وعدم المشاركة فيه، وفق قولها، غير أن المراقب لمجريات الانتخابات الرئاسية يدرك أن قضية الأمن التي كانت أحد أهم الأسباب وراء ضعف نسبة المشاركة في التصويت ليست السبب الوحيد، خصوصاً أن مستوى التهديد الأمني كان أخف مما توقعه المراقبون والمواطنون.

وقالت "طالبان" إنها نفذت 531 عملية مسلحة على عملية التصويت، قتلت خلالها 258 عنصراً من الشرطة والأمن والجيش، وعناصر الجيش القبلي الموالين لهم، بالإضافة إلى إصابة 164 من رجال الأمن والموظفين في مراكز الاقتراع، مؤكدة أنها خلال يوم الانتخابات تمكنت من السيطرة على مديريتي بهارك وخواجه غار في إقليم تخار، شمال أفغانستان، وعدد من المراكز والثكنات الأمنية والعسكرية. بينما تؤكد مصادر غير رسمية مقتل 30 شخصاً جراء أعمال العنف والعمليات التفجيرية في مختلف مناطق البلاد. بالتالي كان الهاجس الأمني أحد أهم الأسباب وراء عدم رغبة المواطن في التوجّه إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته.


ثمة أسباب كثيرة وراء ضعف نسبة المشاركة، والذي اتخذه بعض المرشحين للرئاسة حجة لمحاولة نزع المشروعية من الانتخابات، مؤكدين أن نسبة المشاركة في الانتخابات لا تفوق العشرين في المائة، وهذا يعني أن الشعب لا يعتمد على هذا المشروع، فضلاً عما وقع من تزوير، حسب ادعائهم. وفي هذا السياق، قال زعيم الحزب الإسلامي، المرشح للرئاسة، قلب الدين حكمتيار، في حديث تلفزيوني، إن المشروع لم ينفذ كما كان يتوقع، والشعب لم يعتمد عليه، كما أن هناك تزويراً، ومن الأنسب أن تُشكّل حكومة مؤقتة للإشراف على عملية الانتخابات من جديد، مؤكداً أن كل الخيارات مفتوحة.

إضافة إلى ذلك، فإن إلغاء انتخابات المجالس الإقليمية، كان من أبرز الأسباب وراء ضعف المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، إذ عادة يصل عدد المرشحين للمجالس الإقليمية إلى الآلاف، وهم الذين يقومون بحث أنصارهم على التوجّه لمراكز التصويت. وفي هذا الصدد، قال الزعيم القبلي في إقليم خوست عبد المتين خان، لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع أن تكون النسبة ضعيفة منذ البداية، بعدما ألغت لجنة الانتخابات إجراء انتخابات المجالس الإقليمية، لأن الحملات الانتخابية تكون بين المرشحين للبرلمان والمجالس الإقليمية وهم الذين يحركون أنصارهم صوب مراكز الاقتراع، لا سيما أن الولاءات القبلية قوية في بلادنا، وضمن تلك الحملة وخلال عملية التصويت تستفيد الانتخابات الرئاسية وتكون نسبة المشاركة فيها قوية". وأوضح متين أنه خلال انتخابات المجالس الإقليمية، يوفّر المرشح وسائل مواصلات أيضاً لنقل المواطنين إلى مراكز الاقتراع، بينما كانت من المشاكل الأساسية في الانتخابات الرئاسية في كل الأقاليم مشكلة التنقّل.

كذلك، فإن الحوار الذي كان قائماً بين الأميركيين و"طالبان" في الدوحة، كانت له انعكاساته على الانتخابات، إذ كان يُتوقّع أن تؤجل الانتخابات لصالح المصالحة الأفغانية - الأفغانية، لأن اتفاق صلح كان سيؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة مؤقتة أو انتقالية، ولكن بعد إعلان الأميركيين إلغاء الحوار باتت الانتخابات الخيار الأقوى. على الرغم من ذلك، فإن شريحة كبيرة من الشعب كانت تدعو إلى تأجيل الانتخابات من أجل المصالحة، معتبرة انتخاب رئيس جديد عقبة في سبيل المصالحة. وعلى رأس هؤلاء الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي والزعيم السياسي سيد حامد جيلاني، وقادة من "الجهاد"، أبرزهم محمد يونس قانوني والجنرال المتقاعد محمد إسماعيل خان، وغيرهما من زعماء القبائل. هؤلاء طالبوا في مؤتمر صحافي قبيل الانتخابات بتأجيلها لأنها ستشكل عقبة في وجه المصالحة. كما أُطلقت حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالمصالحة وليس الانتخابات، وذلك على الرغم من اعتبار الحكومة أن الانتخابات أساس المصالحة لأن الرئيس المنتخب سيجري الحوار مع "طالبان".

وأدت المشاكل في آلية التصويت أيضاً إلى حرمان شريحة كبيرة من المواطنين من الإدلاء بأصواتهم. ومن المشاكل التي برزت، عدم وجود بعض الأسماء في قوائم الناخبين، وتثبيت أسماء رجال في قوائم النساء والعكس. إضافة إلى نقل قوائم الناخبين من إقليم إلى آخر، وعدم وصول الموظفين إلى بعض مراكز التصويت بسبب الخوف من "طالبان"، أو وصولهم في وقت متأخر. وكان من بين القوانين الجديدة أخذ صورة كل ناخب، الأمر الذي تسبّب في ضعف مشاركة النساء، خصوصاً في الجنوب، فبحكم الأعراف والتقاليد لا يمكن للنساء الخروج من المنازل عادة إلا عند الحاجة القصوى، لذا كان متوقعاً المشاركة الضعيفة من النساء في عملية التصويت، وهذا ما حصل.

المساهمون