أغاثا كريستي سينمائيًا: جاذبية الجريمة

06 ابريل 2018
كينيث براناه (تشارلز ماكويلان/Getty)
+ الخط -
تُعتَبر أغاثا كريستي (1890 ـ 1976) أشهر كاتبة لأدب الجريمة في القرن الـ20.
استطاعت أن تمزج، بشكل نادر الحدوث، بين تقديم قصص جريمة ممتلئة بالألغاز، ومسلية وسهلة القراءة بالنسبة إلى شريحة واسعة من الجمهور، بأدبٍ ليس رخيصًا أو متساهلاً.

فاللغة التي كتبت بها، والمجهود الذي بذلته في تقديم حبكات قوية وعوالم فريدة، في مكان واحد يضمّ شخصيات كثيرة مرسومة جيدًا، وذكاؤها اللامع في رمي الأدلّة المتناثرة أمام القارئ، ثم تجميعها في النهاية للوصول إلى حلّ؛ هذا كلّه جعل رواياتها مقدَّرة أدبيًا، بالإضافة إلى قابليتها الشديدة للاقتباس السينمائي، وجاذبيتها للجمهور والمنتجين، وهو ما حدث في ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته تحديدًا، بتحقيق نحو 40 فيلمًا مقتبسة كلّها من أدبها وألغازها، بينها أعمال لمخرجين كبار، أمثال بيلي وايلدر (1906 ـ 2002) وسيدني لوميت (1924 ـ 2011). 

لكن ذلك الاهتمام خفت تمامًا في العقود التالية، ربما بسبب تغيّر المزاج العام، ونوعية السينما التي يُقْبل عليها الجمهور، وتعقّد أفلام الجريمة نفسها أكثر من قبل، إذْ أصبح الرائج والأكثر عصرية أفلام جريمة على قدرٍ عالٍ من العمق، تغوص في نفوس المجرمين، أو تغرق في واقعية تفاصيل البحث الحديث (نتاجات ديفيد فينشر مثلاً). أمرٌ لا توفّره الروايات الكلاسيكية لأغاثا كريستي وألغازها الخفيفة، ما جعل اقتباسها السينمائي يندثر كلّيًا مع أعوام الألفية الجديدة.

لكن، في الفترة الحالية، عادت أغاثا كريستي إلى الواجهة بقوّة، بفضل 4 اقتباسات سينمائية، اثنان منها عُرضا عام 2017، واثنان مُنتظران بشدّة خلال العامين المقبلين.
أول تلك الاقتباسات Crooked House للفرنسي جيل باكي ـ برنّير (1974)، تمثيل ماكس أيرونز وغلن كلوز وكريستينا هاندريكس وجيليان أندرسن (مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه، صادرة عام 1949): فيلم مكان واحد، كروايات كثيرة لكريستي، يحاول فيه محقّق خاص كشف جريمة قتل جدّ حبيبته السابقة.




ثاني الاقتباسات وأهمها، متمثّل بإخراج البريطاني كينيث براناه (1960) "جريمة في قطار الشرق السريع" (2017)، والتمثيل فيه إلى جانب جوني ديب وبينيلوبي كروز وميشيل بفايفر وغيرهم (مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه، صادرة عام 1934): في القطار، تقع جريمة غامضة، يتولّى المحقّق هركول بوارو التحقيق فيها. بلغت إيراداته الدولية 350 مليونًا و629 ألفًا و317 دولارا أميركيا، مقابل ميزانية إنتاج تساوي 55 مليون دولار أميركي فقط.




بعد النجاح التجاري لـ"جريمة في قطار الشرق السريع" الذي اقتبسه سيدني لوميت عام 1974، ومثّل فيه ألبيرت فيناي وشون كونري، يعود براناه إلى عالم أغاثا كريستي، عبر "موت في النيل" (Death On The Nile)، عام 2019، مع الشخصية الأساسية نفسها، وإنْ في سياق أحداثٍ مختلفة.

لغاية الآن، لا توجد معلومات عن الممثلين المشاركين فيه. لكن، قياسًا بالنسخة السينمائية القديمة (1978) لجون غيلّريمان (1925 ـ 2015)، يُتوقّع أن تضمّ النسخة الحديثة عددًا كبيرًا من النجوم، إذْ يوجد 9 "أبطال" أمام لغز جريمة، تحدث على سفينة تمخر عباب نهر النيل في مصر، هذه المرّة.

أما الفيلم الـ4 المنتظر، فهو "شاهد الادّعاء" (Witness For The Prosecution)، الأهم والأكثر انتظارًا، لأسباب عديدة: أولاً، لأنه اقتُبس سابقًا في نسخة بيلي وايلدر عام 1957، ورُشِّح لـ6 جوائز "أوسكار"، بينها جائزتان في فئتي أفضل فيلم وأفضل إخراج، ولا يزال لغاية الآن ضمن أشهر أفلام الجريمة الكلاسيكية.



ثانيًا، لأن مخرج نسخة 2019 سيكون بِنْ آفلِك (1972)، وهو الـ5 له وراء الكاميرا، بعد 4 أفلام ناجحة، بينها Argo، في 2012، الفائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم.

ثالثًا، لأن مات دايمون (1970) سيُشارك أفلك في إنتاج الفيلم، وهو التعاون السينمائي الأول بينهما، بعد 21 عامًا على حصولهما على "أوسكار" أفضل سيناريو أصلي، عن Good Will Hunting لغاس فان سانت (1952)، ما يزيد التوقّعات بشأن الاقتباس المنتظر، ويجعله عملاً فنيًّا مُنتظرًا.

لا يوجد سبب واضح لعودة أغاثا كريستي إلى الواجهة السينمائية في هذه الفترة، ولاهتمام مخرجين ـ كبِنْ أفلك وكينيث براناه ـ برواياتها مرّة أخرى. ربما السبب الوحيد الواضح لغاية الآن، يكمن في أن رواياتها تلك "أدب قيم" بالفعل، وأن ألغازها الكلاسيكية، شكلاً ومضمونًا، جيّدة وذكية. ربما تفقد بريقها أحيانًا، لكنها تستعيد جاذبيتها وإمكانياتها في إثارة المتع المتنوعة، مجددًا.
المساهمون