أستانة 10 في سوتشي: تحايل روسي لتجاوز جنيف

28 يوليو 2018
يشارك دي ميستورا في اجتماع سوتشي(سلفاتور دي نولفي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في رفض حضور الجولة العاشرة من مسار أستانة الخاص بالأزمة السورية، المفترض عقدها يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، بسبب نقل مقره من العاصمة الكازاخية إلى مدينة سوتشي الروسية، في محاولة واضحة من موسكو للقول إنها باتت تملك كل مفاتيح الحل السوري، وإن الصراع حُسم لصالحها. وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة السورية، معتبرة أن الخسائر العسكرية المهمة التي تكبدتها في الميدان السوري لا يجب أن تؤدي إلى السماح لروسيا بتجاوز مسار جنيف عبر تعويم مسار أستانة ونقله إلى سوتشي.
وحرص متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في حديث لوكالة "نوفوستي" الروسية، أول من أمس الخميس، على إيصال رسالة أميركية واضحة بشأن المساعي الروسية لوضع نهاية لمسار جنيف التفاوضي مقابل تعويم مسار سوتشي كبديل، وذلك بدعوته "أطراف عملية أستانة لتوجيه جهودها إلى عملية جنيف وتقديم الدعم الكامل للمبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا". وأشار إلى أن واشنطن "ستواصل التعاون مع الأمم المتحدة أو الجهات الأخرى، بما في ذلك روسيا، لتشجيع كل الجهود الممكنة الرامية لدفع التسوية السياسية نحو الأمام وفقاً لما ينص عليه القرار 2254"، في ما عدّ رداً واضحاً على روسيا التي تبدو مصممة على ضرب المرجعيات الدولية للحل في سورية وهي قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي أبرزها بيان جنيف1، والقرار 2254، والتي تدعو الى انتقال سياسي عميق في البلاد، يحاول النظام وحلفاؤه القفز فوقه.



في مقابل الغياب الأميركي، ينتظر حضور وفدين من النظام والمعارضة السورية، ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن، فضلاً عن ممثلي الدول الثلاث الضامنة، أي روسيا وتركيا وإيران. وأكدت مصادر مطلعة، في حديث مع "العربي الجديد" أن الوفد العسكري للمعارضة "سيشارك في جولة أستانة 10 في سوتشي"، برئاسة أحمد طعمة، مشيرة الى أن الائتلاف الوطني السوري كلّف سليم الخطيب بمهمة مستشار للوفد. وأشارت المصادر نفسها إلى احتمال حضور أحمد العودة متزعم ما يُسمّى بـ"قوات شباب السنة" المتهم من قبل الشارع السوري المعارض بـ"الخيانة" عقب تسليمه المناطق التي كان يسيطر عليها في ريف درعا للجانب الروسي حيث أبرم اتفاقا بعيداً عن بقية فصائل المعارضة السورية.
وتأتي مشاركة المعارضة على الرغم من إدراكها للمخططات الروسية. وفي السياق، أشار رئيس الائتلاف السوري المعارض، عبد الرحمن مصطفى، أمس الجمعة، في لقاء مع الصحافة التركية في مقر الائتلاف بإسطنبول، إلى أن "روسيا تسعى إلى تحويل أستانة إلى مسار سياسي"، "لكن ذلك قد منع بسعي تركي لأن المسار السياسي مكانه (لقاءات) جنيف، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة".
بدوره، قال رئيس هيئة التفاوض السورية، نصر الحريري، الذي أقر بتلقي المعارضة "خسائر عسكرية مهمة"، في حديث مع "فرانس برس"، "لم يبق أمامنا إلا المسار السياسي الذي يتم فيه تطبيق بيان جنيف والقرار 2254" اللذين ينصان على مرحلة انتقالية في سورية يتم خلالها تشكيل حكومة تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة، وإجراء انتخابات. مع العلم أن المعارضة كانت قد تقدمت قبل أيام بأسماء مرشحيها لعضوية اللجنة الدستورية الموكل بتشكيلها دي ميستورا. ولفت الحريري الى أن "مسار جنيف متوقف منذ أشهر عدة والأمم المتحدة في وضع يرثى له مثلنا، ولا تستطيع أن تغير شيئاً في غياب الإرادة الدولية".
وبرأي عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، يحيى مكتبي، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن نقل مفاوضات أستانة إلى سوتشي "خداع روسي ومحاولة لخلط الأوراق"، معتبراً الرفض الأميركي للحضور "نوعاً من التعمية على الموقف الأميركي". وبالنسبة إليه فإن "كل ما يجري يؤكد إطلاق يد الروس في الملف السوري من قبل الأميركيين". ولفت إلى أنه لم تكن موسكو تجرؤ على القضاء على المعارضة السورية في الجنوب الا بموافقة أميركية.
من جهته، يرى القيادي في الجيش الحر، العقيد فاتح حسون، أن رفض الولايات المتحدة حضور أستانة 12 المقامة في سوتشي لا يعدو أن يكون ضمن سياسة شد الحبل ما بين روسيا وأميركا فيما الشعب السوري يدفع الثمن. واضاف حسون، في حديث مع "العربي الجديد" أن أميركا بابتعادها عن أستانة وسوتشي ترسل رسالة بأنها لن تنقاد لما تريده الدول الضامنة الثلاث، بل هي تقود من خلال مفاوضات جنيف، وطبعا الرسالة الحالية هي أنها لا تريد أن تكون في مباحثات يوجد دور لإيران فيها.
وتجرى الجولة العاشرة من مسار أستانة، الذي عقدت جولته الأولى في 23 يناير/كانون الثاني 2017، في وقت وظفت روسيا والنظام هذا المسار لسحق المعارضة السورية في ثلاث من مناطق خفض التوتر التي أقرها هذا المسار في 4 مايو/أيار 2017، وهي غوطة دمشق الشرقية، وريف حمص الشمالي، وجنوب سورية. ولم يبق الا منطقة خفض التوتر الرابعة في محافظة إدلب، ومناطق محيطة بها خصوصاً في ريف حلب الغربي، والتي باتت اليوم معضلة حقيقية، حيث يهدد النظام باقتحامها تحت ذريعة وجود هيئة تحرير الشام. وفي أحدث تهديد قال رئيس النظام بشار الأسد، الخميس، إن محافظة إدلب شمالي البلاد، وبقية المناطق التي ينتشر فيها "الإرهابيون" ستكون أولوية بالنسبة لعمليات الجيش السوري. وجاءت تصريحات الأسد عقب تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيه "إن أي تقدم لقوات النظام السوري في إدلب، يعني انتهاء اتفاق أستانة الذي تم التوصل إليه في سبتمبر/أيلول الماضي". وتحاول أنقرة حل معضلة هيئة تحرير الشام لسحب أي ذريعة روسية في القيام بحملة عسكرية في شمال غربي إدلب من شأنها نقل الصراع الى مستويات أكثر خطورة، حيث تضم محافظة إدلب أكثر من مليوني مدني، إضافة الى وجود أغلب فصائل المعارضة السورية، وهو ما يضفي على الموقف مزيداً من التعقيد. وإلى جانب ملف إدلب ينتظر أن تحضر قضايا عدة في الاجتماع، أشار إليها نائب مدير قسم الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية، أرتيوم كوجين، في مؤتمر صحافي، أول من أمس الخميس، بقوله إن اجتماع سوتشي "سيركز على الأوضاع الإنسانية في سورية" وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم". وبدأت موسكو تولي أهمية خاصة لمسألة النازحين واللاجئين السوريين في محاولة واضحة للتحكم بأماكن عودتهم والتأكيد على أن الصراع حُسم لصالح النظام السوري.
دلالات