أسئلة ما بعد ملاسنة.. الأحمد والحمد الله
أسئلة حرجة جدا، لكن مشروعة، واستنتاجات في غاية الخطورة، تطرحها قضية التلاسن الحاد الذي دار بين رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني، عزام الأحمد، ورئيس حكومة الوفاق الوطني، رامي الحمد الله، بشأن كيفية تعيين الوزراء في الحكومات الفلسطينية، الأخيرة منها تحديداً. والحقيقة أننا نقف أمام فضيحة مكتملة الأركان ومتعددة الأوجه، إذ تشمل مصداقية كتلة برلمانية كبيرة، يمثلها عزام الأحمد ومكتب رئاسة الحكومة، بل مصداقية أكبر حركتين فلسطينيتين، كان من المفترض أنهما قد "توافقتا" على الحكومة ووزاراتها.
لعل السؤال الأبرز، والأكثر خطورة الذي تطرحه تلك الملاسنة، هو: ما الذي جعل رئيس الوزراء يتصل بالبرنامج التلفزيوني لتكذيب ما كان قد قاله الأحمد؟ وهو الذي ليس معروفاً بحبه للمواجهة، وإيجاد الأزمات بشكل علني، إلى درجة أنه لم يقم بزيارة غزة إلا مرة، يوماً واحداً بعد الحرب أخيراً. وعلى الرغم من توليه منصب وزارة الداخلية! (جاءت الزيارة قبل يوم من مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة، وكأنها لتبرير حضور المؤتمر!) وإذا كان الوزراء الفلسطينيون يتم تعيينهم من دون أخذ رأي رئيس الحكومة في الاعتبار، فلماذا القبول، منذ البداية، بهكذا موقف؟ وما موقف حركة حماس التي كانت قد أعطت "صك الغفران" لحكومة "الوفاق"، (مع ملاحظة أنها تعض أصابع الندم على ذلك الآن، كعادتها في اكتشاف الأخطاء بعد الدمار، واتباعها سياسة شمشون!)، وهل كانت تعلم بمضمون ما كشف عنه الحمد الله؟
وكان رئيس الحكومة الفلسطينية قد برر مداخلته التلفونية بأن ما قاله عزام الأحمد "عيب" وأن "الشعب يجب أن يعرف الحقائق كاملة"، فما الذي سيحصل، بعد أن عرف الشعب الحقيقة؟ وهل هناك حقائق أخرى سيتم الإفصاح عنها؟ وما الهدف من ذلك؟
السؤال الأهم: الى أين تتجه القضية الفلسطينية، مع كل هذا الارتباك والغياب الفادح لحد أدنى من كفاءة وإدارة أو رؤية سياسية متماسكة؟ وهل دماء آلاف الشهداء الرجال والأطفال والنساء و66 عاماً من التشريد والتطهير العرقي والأبارتايد لا تستحق إدارة ذات كفاءة، لتسيير الحياة اليومية لثلث الشعب الفلسطيني؟ فقط ذلك، لا أكثر ولا أقل، إدارة مدنية تسير الشؤون اليومية من صحة وتعليم ومرور وجمع القمامة. هل هذا كثير على شعب يتميز بأعلى نسب تعليم في العالم؟ شعب أفرز وأنجب مفكرين وكتاباً وفنانين وشعراء كباراً؟ ألا يستأهل هذا الشعب إدارة شفافة، ديمقراطية، بعيدة عن المحاباة، توفر له الحد الأدنى من مقومات الصمود والمقاومة في ظروف مواجهة مع أشرس حكومات إسرائيل وأكثرها فاشية منذ 1948؟ في مواجهة عملية إبادة غير مسبوقة وتطهير عرقي واستيطان يلتهم الأرض، بشكل جعل إقامة حتى بانتوستان مستحيلا؟ في مواجهة حصار وثلاث حروب إبادة أتت على الأخضر واليابس، في قطاع غزة وحولته إلى أكبر معسكر اعتقال على سطح الكرة الأرضية؟ في ظل انهيار القطاع الصحي بالكامل وانقطاع الكهرباء؟ وانعدام الأمان الفردي للمواطنين؟ وغياب فرص العمل؟ وتدهور التعليم؟ والقائمة تطول، ونحن لا نستطيع تشكيل إدارة من دون محاباة أو فئوية!
المخيف أن أحد الأجوبة يأتي من الإعلامي، ماهر الشلبي، في نهاية البرنامج التلفزيوني: "اللي مش معجبه السلطة يدور له على بلد غير هالبلد!" والمعلوم أنه تبعا لاستطلاعات كثيرة، ونتائج انتخابات 2006، فإن غالبية سكان الضفة الغربية وقطاع غزة "مش معجباهم" السلطة. فما العمل؟