تشهد علاقة نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالقضاة، أزمة مكتومة، بسبب عدم موافقة رئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزارة المالية على زيادة مخصصات صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية في وزارة العدل، والذي يحصل منه جميع أعضاء الهيئات القضائية على بدل العلاج الشهري. وفي الوقت نفسه إصرار الحكومة على تمرير قانون تنظيم انتداب القضاة الذي من المقرر أن يطبق ابتداءً من يناير/ كانون الثاني المقبل، وسيترتب عليه إلغاء انتداب ما يزيد على 70 في المائة من إجمالي القضاة الذين يعملون كمستشارين قانونيين للمصالح الحكومية، وبالتالي حرمانهم من القسم الأكبر من مداخيلهم الحالية.
وأدى تزامن مشكلة موازنة بدلات العلاج مع قانون تنظيم الانتداب، إلى ظهور محاولات مستميتة في أروقة وزارة العدل والهيئات القضائية للالتفاف على النص الدستوري الذي يحظر استمرار انتداب القضاة للعمل في الجهات الحكومية بعد مرور 5 سنوات على إصدار دستور 2014، إذ يتم تأجيل إصدار هذا القانون بحجة عدم قابلية هذا النص الدستوري للتطبيق، بسبب الزعم بحاجة الجهات الحكومية لخدمات القضاة المنتدبين لترتيب أوضاعها القانونية، الأمر الذي يثير مشكلة بين القضاة من جهة ووزارة العدل من جهة أخرى.
فوزير العدل المقرب من دائرة السيسي الخاصة، المستشار حسام عبدالرحيم، يدفع بقوة في اتجاه إصدار القانون بصيغة يراها تحقق الفائدة المرجوّة من استمرار انتداب القضاة في الأماكن الحساسة، كرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس النواب وبعض الهيئات الاستثمارية والرقابية، تحت تعريف واسع ومرن في مشروع القانون لعبارة "إدارة شؤون العدالة" المذكورة في النص الدستوري كاستثناء يسمح بانتداب بعض القضاة فقط. وفي الوقت نفسه، يرى الوزير أن إصدار القانون سيحقق الهدف الرئيس من إصرار دائرة السيسي على تمرير القانون، وهو تخفيض الإنفاق العام على فئات المستشارين الحكوميين المنتمين للهيئات القضائية، استمراراً لعدم رضا السيسي، بل وغضبه أحياناً، من تفاصيل الإنفاق داخل الهيئات القضائية، وحصول مئات القضاة على مبالغ مالية تفوق ما يحصل عليه أعلى المسؤولين الحكوميين في الجيش أو الشرطة، نتيجة مزاوجتهم بين رواتب القضاء ورواتب عملهم في السلطة التنفيذية، فضلاً عن إصدارهم أحكاماً وفتاوى تمنع تطبيق نظام الحد الأقصى للأجور عليهم.
فالقضاة المنتدبون في الوزارات ودواوين المصالح الحكومية العادية، يمثّلون النسبة الأعظم من إجمالي عدد المنتدبين، وبصدور القانون الجديد سيتم إلغاء انتدابهم جميعاً، ما سيؤدي إلى توفير مئات الملايين من الجنيهات كل عام. هذا الأمر لا يروق للقضاة، لأنهم إذا اكتفوا برواتبهم التي يحصلون عليها من عملهم القضائي فسوف يؤدي هذا إلى هزة كبيرة في مداخيلهم السنوية وبالتالي سيتزعزع مستواهم الاجتماعي.
اقــرأ أيضاً
ومن المقرر وفق القانون الجديد، ألا يحصل أقدم نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس مجلس الدولة، على أكثر من 60 في المائة من الحد الأقصى للأجور المحدد بالقانون، وهو 42 ألف جنيه (نحو 2400 دولار)، أي حوالي 26 ألف جنيه (نحو 1500 دولار) شهرياً، في حين كان الانتداب يضمن لمعظم القضاة المنتدبين في وظيفة حكومية واحدة ما يتجاوز ضعف هذا المبلغ شهرياً، علماً أن حوالي 20 في المائة من قضاة مجلس الدولة تحديداً منتدبون في أكثر من وظيفة حكومية إلى جانب عملهم القضائي.
قلق القضاة الذي يعتريهم لأول مرة من انتقالهم مستقبلاً إلى خانة العوز، أو على الأقل إلى شرائح اقتصادية أدنى مما تمتّعوا به منذ تسعينيات القرن الماضي، تزامن هذه الأيام مع بوادر حكومية "غير إيجابية" تجاه الأوضاع المالية للقضاة وهيئاتهم بشكل عام. ففي الوقت الذي طالبت فيه وزارة العدل بتخصيص حوالي 900 مليون جنيه (نحو 51 مليون دولار) لبدلات العلاج الشهرية، خصصت وزارة المالية لهذا البند حوالي 250 مليون جنيه (نحو 14 مليون دولار). وبينما طالبت الوزارة بزيادة حوالي 20 في المائة في إجمالي موازنات المحكمة الدستورية ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، أقرت الحكومة زيادات طفيفة لا تزيد على 10 في المائة، معظمها موجّه للأعمال اللوجستية وليس الرواتب.
هذا في الوقت الذي تطالب فيه الجمعيات العمومية للقضاة، خصوصاً محاكم الاستئناف ومحكمة النقض، بزيادة أعداد المعيّنين في النيابة العامة من خريجي كليات الحقوق سنوياً، لمواكبة الزيادة الضخمة في أعداد القضايا سنوياً، والتي أصبح انخفاض عدد القضاة بصورة ملحوظة عائقاً أمام إنجازها، في ظل ضغوط حكومية وبرلمانية للإسراع في إجراءات المحاكمات.
لكن مصدراً في وزارة العدل كشف لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة ليست متعسفة مع القضاة من فراغ، محمّلاً القضاة قدراً كبيراً من أسباب الأزمات المتتالية منذ بسط السيسي سلطته على القضاء بإصداره قانوناً يسمح له باختيار رؤساء الهيئات القضائية في إبريل/ نيسان من العام الماضي. فقد تلقى السيسي شكاوى من وزير المالية تفيد بصدور أحكام "سرية" غير معلنة لوسائل الإعلام، بين عامي 2014 و2017، تلزم الحكومة بفتح اعتمادات إضافية لسداد مستحقات مالية للقضاة، بصرف بدلات ومكافآت لجهود غير عادية، مقابل نظر القضاة في أنواع جديدة من الدعاوى، كالمنازعات الانتخابية بالنسبة لمحكمة النقض، والمنازعات الضريبية بالنسبة لمجلس الدولة، على الرغم من أنهم ينظرون هذه الأنواع من القضايا بموجب الدستور.
وأضاف المصدر أن الحكومة وجدت نفسها مدينة بموجب الأحكام القضائية التي استصدرها القضاة، بمبالغ تفوق ملياري جنيه (نحو 113 مليون دولار)، فأدى هذا الأمر إلى صدور تعليمات من السيسي إلى رؤساء الهيئات القضائية بالكف عن ملاحقة الدولة بتلك الأحكام، ومنع أعضاء الهيئات من إقامة دعاوى قضائية لاستصدار أحكام لصالحهم، فضلاً عن منعهم من فتح أي اعتمادات إضافية للموازنات المسلّمة لهم منذ بداية العام المالي الحالي 2017-2018.
واعتبر المصدر أن تلك المشاكل ذات الطبيعة المالية "متشابكة ولا يمكن حلها بمعزل عن بعضها"، لا سيما أنه من المتوقع أن يمطر القضاة، بعد إلغاء الانتداب، الدولة بالدعاوى والملاحقات لصرف المبالغ المالية المؤجل صرفها بموجب الأحكام القضائية، ما ينبئ بمزيد من التوتر بين الطرفين، خصوصاً بعد تشديد الرقابة المالية على حسابات القضاة وتحويل كل الهيئات لنظام الصرف المالي الإلكتروني، بدعوى "تطبيق الشمول المالي على كل سلطات الدولة" بهدف حقيقي أهم للنظام، هو مراقبة أوجه إنفاق تلك الهيئات.
وأدى تزامن مشكلة موازنة بدلات العلاج مع قانون تنظيم الانتداب، إلى ظهور محاولات مستميتة في أروقة وزارة العدل والهيئات القضائية للالتفاف على النص الدستوري الذي يحظر استمرار انتداب القضاة للعمل في الجهات الحكومية بعد مرور 5 سنوات على إصدار دستور 2014، إذ يتم تأجيل إصدار هذا القانون بحجة عدم قابلية هذا النص الدستوري للتطبيق، بسبب الزعم بحاجة الجهات الحكومية لخدمات القضاة المنتدبين لترتيب أوضاعها القانونية، الأمر الذي يثير مشكلة بين القضاة من جهة ووزارة العدل من جهة أخرى.
فالقضاة المنتدبون في الوزارات ودواوين المصالح الحكومية العادية، يمثّلون النسبة الأعظم من إجمالي عدد المنتدبين، وبصدور القانون الجديد سيتم إلغاء انتدابهم جميعاً، ما سيؤدي إلى توفير مئات الملايين من الجنيهات كل عام. هذا الأمر لا يروق للقضاة، لأنهم إذا اكتفوا برواتبهم التي يحصلون عليها من عملهم القضائي فسوف يؤدي هذا إلى هزة كبيرة في مداخيلهم السنوية وبالتالي سيتزعزع مستواهم الاجتماعي.
ومن المقرر وفق القانون الجديد، ألا يحصل أقدم نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس مجلس الدولة، على أكثر من 60 في المائة من الحد الأقصى للأجور المحدد بالقانون، وهو 42 ألف جنيه (نحو 2400 دولار)، أي حوالي 26 ألف جنيه (نحو 1500 دولار) شهرياً، في حين كان الانتداب يضمن لمعظم القضاة المنتدبين في وظيفة حكومية واحدة ما يتجاوز ضعف هذا المبلغ شهرياً، علماً أن حوالي 20 في المائة من قضاة مجلس الدولة تحديداً منتدبون في أكثر من وظيفة حكومية إلى جانب عملهم القضائي.
قلق القضاة الذي يعتريهم لأول مرة من انتقالهم مستقبلاً إلى خانة العوز، أو على الأقل إلى شرائح اقتصادية أدنى مما تمتّعوا به منذ تسعينيات القرن الماضي، تزامن هذه الأيام مع بوادر حكومية "غير إيجابية" تجاه الأوضاع المالية للقضاة وهيئاتهم بشكل عام. ففي الوقت الذي طالبت فيه وزارة العدل بتخصيص حوالي 900 مليون جنيه (نحو 51 مليون دولار) لبدلات العلاج الشهرية، خصصت وزارة المالية لهذا البند حوالي 250 مليون جنيه (نحو 14 مليون دولار). وبينما طالبت الوزارة بزيادة حوالي 20 في المائة في إجمالي موازنات المحكمة الدستورية ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، أقرت الحكومة زيادات طفيفة لا تزيد على 10 في المائة، معظمها موجّه للأعمال اللوجستية وليس الرواتب.
هذا في الوقت الذي تطالب فيه الجمعيات العمومية للقضاة، خصوصاً محاكم الاستئناف ومحكمة النقض، بزيادة أعداد المعيّنين في النيابة العامة من خريجي كليات الحقوق سنوياً، لمواكبة الزيادة الضخمة في أعداد القضايا سنوياً، والتي أصبح انخفاض عدد القضاة بصورة ملحوظة عائقاً أمام إنجازها، في ظل ضغوط حكومية وبرلمانية للإسراع في إجراءات المحاكمات.
وأضاف المصدر أن الحكومة وجدت نفسها مدينة بموجب الأحكام القضائية التي استصدرها القضاة، بمبالغ تفوق ملياري جنيه (نحو 113 مليون دولار)، فأدى هذا الأمر إلى صدور تعليمات من السيسي إلى رؤساء الهيئات القضائية بالكف عن ملاحقة الدولة بتلك الأحكام، ومنع أعضاء الهيئات من إقامة دعاوى قضائية لاستصدار أحكام لصالحهم، فضلاً عن منعهم من فتح أي اعتمادات إضافية للموازنات المسلّمة لهم منذ بداية العام المالي الحالي 2017-2018.
واعتبر المصدر أن تلك المشاكل ذات الطبيعة المالية "متشابكة ولا يمكن حلها بمعزل عن بعضها"، لا سيما أنه من المتوقع أن يمطر القضاة، بعد إلغاء الانتداب، الدولة بالدعاوى والملاحقات لصرف المبالغ المالية المؤجل صرفها بموجب الأحكام القضائية، ما ينبئ بمزيد من التوتر بين الطرفين، خصوصاً بعد تشديد الرقابة المالية على حسابات القضاة وتحويل كل الهيئات لنظام الصرف المالي الإلكتروني، بدعوى "تطبيق الشمول المالي على كل سلطات الدولة" بهدف حقيقي أهم للنظام، هو مراقبة أوجه إنفاق تلك الهيئات.