وسط ديون الحكومة السعودية المتراكمة والتي بلغت 143.2 مليار دولار في نهاية النصف الأول من العام الجاري، تعيش شركات المقاولات بالمملكة والمصارف المقرضة لها محنة حقيقية.
وحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية، فإنه منذ أكثر من عامين لا تسدّد الحكومة السعودية المستحقات المالية لشركات المقاولات التي تتزايد مديوناتها للمصارف والتي قدرتها تقارير بأكثر من 22 مليار دولار.
وتقدر قروض شركات المقاولات للمصارف السعودية والخليجية بحوالى مائة مليار دولار.ويعتمد العديد من شركات المقاولات على الاقتراض من البنوك المحلية والخليجية لتمويل المشروعات الكبرى.
وبعد إفلاس شركات كبرى مثل "سعودي أوجيه"، ووضع الحكومة يدها على مجموعة "بن لادن" العملاقة واعتقال رئيسها بكر بن لادن وإفلاس العديد من شركات المقاولات الصغيرة، جاء الدور على شركات مقاولات أخرى، ربما تكون أقل أهمية ولكنها تحمل ديوناً كبيرة ربما تؤثر على مستقبل الصحة المالية للبنوك السعودية والإماراتية المقرضة.
وقالت وكالة بلومبيرغ في تقرير في عطلة الأسبوع الجاري، إن وحدة مجموعة "جوانو وبارسكفيدس" السعودية التي تعرف اختصاراً باسم "جي آند بي"، والتي تتخذ من قبرص مقراً لها، تمت تصفيتها بعد أن فشلت في تسديد ديون قيمتها 7 مليارات ريال "نحو 1.9 مليار دولار" مستحقة لبنوك سعودية وإماراتية.وعزت الوكالة الأميركية معلوماتها إلى أشخاص على اطلاع على الأزمة المالية التي تعاني منها وحدة المقاولات السعودية "جي بي" وطلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم.
وقال هؤلاء الأشخاص لوكالة "بلومبيرغ" إن السبب في أزمة المجموعة المالية تعود إلى عدم تسديد وزارة الداخلية السعودية مستحقاتها عن عقود سكنية نفذتها لها، بالإضافة إلى عقود حكومية أخرى.
وحسب التقرير فإن شركة "جي آند بي"، تمت تصفيتها في قبرص بواسطة شركة تدقيق الحسابات "الفاريز آند مارشال".
وتقول الوكالة الأميركية "من بين المصارف التي تعود إليها ديون الـ1.9 مليار دولار، كل من بنك الأول الإماراتي والسعودي الفرنسي والسعودي الأميركي الذي يعرف اختصار بـ"سامبا"، والمصرف العربي السعودي". وتوقعت بلومبيرغ ألا تتمكّن هذه المصارف من الحصول إلا على جزء ضئيل من قروضها بعد تصفية الوحدة السعودية.
وتحدث هذه الأزمات لشركات المقاولات رغم التعهد السعودي الرسمي خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بمعالجة أزمة مستحقات قطاع المقاولات. وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد قال حينها إن الحكومة أنشأت لجنة خاصة لمعالجة مستحقات الشركات.
ووصف مقاول سعودي في تعليقات سابقة لرويترز أن ما يحدث من إفلاسات في قطاع شركات المقاولات يعكس التناقض في سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و"رؤية 2030" التي تتحدّث عن التحول الاقتصادي من الاعتماد على الدخل النفطي في الإيرادات العامة إلى بناء اقتصاد غير نفطي يقوم على تنمية وتطوير القطاع الخاص وزيادة الصادرات غير النفطية.
ويقول بعض الاقتصاديين في تقرير سابق لرويترز، إن وضع يد الحكومة على مجموعة بن لادن الناجحة، وأكبر المجموعات الإنشائية في العالم، يكشف عن تناقضات في خطة بن سلمان لبناء اقتصاد حديث يقلّ فيه الاعتماد على النفط. فقد احتضن فكرة الخصخصة، على أمل أن يعمل ذلك على تنشيط الاقتصاد، غير أن الدولة تدخلت في شركات مثل مجموعة بن لادن. ورغم أنه اتجه لمعالجة الفساد، فلم تكن هناك شفافية تذكر في تلك العملية.
ومع تراجع أسعار النفط من 87 دولاراً في أكتوبر/ تشرين الأول إلى نحو 60 دولاراً للبرميل بسبب استجابة بن سلمان، المتهم من قبل وكالة المخابرات الأميركية بأنه أعطى الأوامر لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لابتزازات ترامب المستمرة، من المحتمل أن تتفاقم أزمة الشركات التي تنفذ مشاريع حكومية في المملكة، وتتضاعف أزمة الثقة القائمة بين بن سلمان والقطاع الخاص ورجال الأعمال الذين توقف معظمهم عن تنفيذ مشاريع حكومية أو حتى المشاركة في المشاريع المطروحة من قبل البلديات.
ويتخوّف مجتمع الأعمال من الاتهامات بالفساد التي باتت تستخدم كسلاح لحصول الحكومة على أموال من الأثرياء.
وقالت مصادر حكومية إن الحكومة جمعت 400 مليار ريال "نحو 108 مليارات دولار" من الأثرياء والأمراء في حملة اعتقالات الريتز في العام الماضي، لكن بن سلمان قدّر المبلغ بنحو 35 مليار دولار في حواره مع بلومبيرغ بداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وخسرت البورصة السعودية نحو 59.6 مليار ريال (15.9 مليار دولار) خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لترتفع بذلك خسائر السوق خلال الشهرين الماضيين إلى 76.7 مليار ريال (20.4 مليار دولار)، متأثرة بالتقلبات الحادة التي سيطرت على تعاملات المستثمرين، بفعل الخوف من تداعيات اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكانت أزمة السعودية المالية بعد انهيار أسعار النفط في الأعوام الثلاثة التي تلت عام 2014، قد أجبرت السعودية على إيقاف مشروعات حكومية كبرى.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 أوقفت المملكة التعاقد على تنفيذ عدة مشاريع تصل قيمتها إلى تريليون ريال (270 مليار دولار)، وذلك في إطار إجراءات التقشف التي تم اعتمادها لمواجهة التراجع في إيراداتها.
وصدرت تبعاً لذلك قرارات بإعادة هيكلة بعض القطاعات الحكومية، ومراجعة نفقات عدد من المشروعات، كما تمت مراجعة مئات العقود وجدولة بعضها، وإيقاف التعاقد على تنفيذ عدد كبير من المشاريع التي لا يتناسب حجم الإنفاق عليها مع العائد الاقتصادي والتنموي.