ويرتكز احتمال "غروكو" بشكل أساسي على ما إذا كان رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز يستطيع الحصول على ما يكفي من الأصوات خلال المؤتمر الحزبي الذي سينعقد خلال يناير 2018، وبالتالي الموافقة على مفاوضات ائتلافية تهدف إلى تحمّل المسؤولية والطموح نحو حكومة مستقرة، ينتظر أن يكسب فيها الاشتراكي عدداً من الوزارات الأساسية، بينها المالية والخارجية.
ويقوم طرح الاشتراكي "كوكو" على شكل جديد من أشكال التعاون الحكومي مع المسيحي، أي أن يشارك الاشتراكي في الحكومة ويقتصر التعاون مع ميركل في مشاريع فردية محددة، كأن يتفق فيها مع الاتحاد المسيحي على مشاريع بعينها، منها ما يتعلق بأوروبا وحماية المناخ، ما يترك أيضاً هامشاً لكل فريق أن يقود مشاريعه على حدة، وهذا يعني أنّ المشاريع غير المتفق عليها يتم الحسم بشأنها داخل البرلمان. وهنا تبقى للكتل البرلمانية الحرية الكاملة في تشكيل أغلبية حول كل ملف أو قضية بعينها، وهذا ما يعتبره الاشتراكي عاملاً مؤثراً وإيجابياً وحيوياً للديمقراطية.
ويلقى هذا الطرح رفضاً من المستشارة وحزبها، التي تؤكد وبشكل شبه يومي على قيمة تأمين الظروف المستقرة للحكومة المستقبلية، وأعلنت موقفها السلبي من حكومة أقلية ولجأت أخيراً إلى توحيد المواقف مع زعيم الحزب الأصغر في الاتحاد هورست زيهزفر، قبل المفاوضات مع الاشتراكي، ما يجعلها ترفض هذا النموذج من التحالف الذي يقوم على تعاون محدود لن يكون بديلاً من الائتلاف الكبير، في وقت طالب العديد من قادة المسيحي الحزب الاشتراكي بالعودة إلى الجدية وممارسة السياسة. وانتقد الاتحاد هذا النوع من التحالف، واعتبره غير آمن للبلاد لأنه لا يشكل سوى تضامن جزئي، فيما وصفه زيهوفر، زعيم الاجتماعي المسيحي، "باللعب الجماعي". أمّا رئيس الكتلة البرلمانية للحزب نفسه ألكسندر دوبراينت، فقال: "إما كل شيء أو لا شيء"، فيما اعتبرت نائبة ميركل في الحزب يوليا كلوكنر "إما تريد أن تحكم أو لا تريد".
إزاء هذا التطور، دخل حزب اليسار على خط الأزمة التي تعيشها البلاد، واتهمت القيادية في الحزب كاتيا كيبينغ في حديث صحافي، الاشتراكي بالمراوغة وطالبته بالتكلم بشكل مباشر والخوض في مطالبه الاجتماعية بشكل واضح أو أن يختار الذهاب إلى انتخابات جديدة. وقالت "هناك ارتباك كبير وعلينا أن نفهم ماذا يريد من تحسين النظام الصحي وهل ينطبق على العاملين بدوام كامل فقط أو جزئي".
من جهته، قال السياسي الاشتراكي السابق أوسكار لافونتن لـ"راينشه بوست"، إن الاشتراكي "في وضع غير آمن"، ولا يعرف أي مسار عليه أن يسلك الآن"، متوجهاً إليه بالقول "عندما تخسر دائماً ناخبين يعني أنه عليك تغيير السياسة، ولا يمكنك أن تخوض الانتخابات عبر الأشخاص أنفسهم وبالخطط نفسها"، علماً أنّ استطلاعاً أجرته مجموعة "أرتي أل" الإعلامية بيّن أنّ 54 في المائة من جميع الناخبين يعتقدون أن الاشتراكي لا يعرف ما يريده حقاً، الحكم أو المعارضة.
ورغم وجود رأي آخر داخل الاشتراكي مؤيّد للائتلاف مع حزب ميركل عملاً بمبدأ أنّ ألمانيا أولاً ومن ثمّ الحزب، فإن أولى عمليات الرصد للمواقف الرافضة للائتلاف الكبير، بدأت تظهر. وهذا ما أعلنت عنه قيادة الاشتراكي رسمياً في ولاية تورينغن، من أنها ضد الائتلاف مع الاتحاد المسيحي، معتبرةً أنّ تجدّد الائتلاف الحكومي مع الاتحاد "سيعني خسارة أخرى لمصداقية الحزب"، في وقت حذّرت جمعية الحزب في ولاية شمال الراين وستفاليا من التورّط في وقت مبكر في الائتلاف، انطلاقاً من أنّ الاشتراكي اعتاد أن يكون الشريك الأصغر.
وقال زعيم الحزب في الولاية ميشائيل غروشيك، لصحيفة "دير شبيغل"، إنه "يجب على الاشتراكي التركيز على العودة لحجمه السياسي وقوته مرة أخرى، ليكون عندها بديلاً حقيقياً للاتحاد المسيحي". وكشرط مسبق للائتلاف، طالب القيادي الاشتراكي الاتحاد بتنازلات، وأوضح أنّ حزبه "لا يضع أي خطوط حمراء، ولكن من دون تحسّن ملموس وتجاوب من قبل المسيحي حول مجالات سوق العمل والمعاشات التقاعدية والسياسة الصحية، فإنه من غير المعقول أن يعطي مؤتمر الحزب الضوء الأخضر لمزيد من المناقشات، لأن بضعة عناوين لطيفة من قبل المسيحي لا تكفي".
من جهته، وضع رئيس وزراء ولاية ساكسونيا السفلى الاشتراكي ستيفان فايل، شروطاً لإجراء مفاوضات مع الاتحاد المسيحي اعتباراً من يناير المقبل. وشدّد في حديث له، على أنه "من دون الاشتراكي لا شيء يعمل. وعلى الاتحاد الاجتماع مع الاشتراكي بمزيد من الاحترام والاستعداد للتعاون، لأن البعض وبالأخص الشريك الأصغر في الاتحاد، الحزب الاجتماعي المسيحي، ما زال يجلس على صهوة عالية"، داعياً الاتحاد "للعمل بجد وكفاءة لأن المواطنين تعبوا من الأحاديث غير المثمرة، والأمر لا يحتاج إلى مناقشات متطابقة، إنما إلى خطوط عريضة واضحة".
ويبدو أن شولتز يعيش تحت الضغط. واللافت أنه كان هناك الكثير من الصمت بعد الجولة التمهيدية الأولى بين الطرفين، والتي انعقدت الأربعاء الماضي ودامت أكثر من ساعتين. ولم يتم الكشف عن تفاصيل الجولة، في حين أن الجميع بانتظار ما ستكون عليه أصوات مندوبي الاشتراكي، 440 ألفاً، لاتخاذ القرار بعد انتهاء المحادثات الاستكشافية. إلا أنه ووفقاً للتقديرات، فإنّ ما يصل إلى ثلثي المندوبين ما زالوا ضد "غروكو" جديد.
ويقوم الاعتراض من قبل الاشتراكي على رفض الاتحاد الخوض والتعاون في الكثير من الملفات، بينها زيادة الضرائب على أصحاب المداخيل المرتفعة، علماً أنّ الحزب يسعى للعودة إلى تحسين التواصل مع الناس بعد نتائج الانتخابات الكارثية أخيراً (20.5 في المائة)، وهو الذي فقد وفي غضون عقدين من الزمن نصف ناخبيه، ويعيش اليوم أزمة وجودية، والائتلاف الكبير يعني بالنسبة إليه الطريق إلى السقوط، وهذا ما يدفعه إلى تفضيل إعادة الانتخابات.
ويعتبر خبراء في السياسة الألمانية أنّ العديد من مقترحات الاشتراكي تفتقد إلى وجود فكرة واضحة لمستقبل ألمانيا، فيما تدرك ميركل أنّ شولتز يحتاج إلى ما يبقيه على "قيد الحياة" داخل حزبه، بعدما تبين أنه "يتقن فنّ القيادة"، إنّما لم يفلح بعد في إظهار موهبة وبراعة التفاوض، إضافة إلى عدم امتلاكه خطة بديلة بعد فشل تحالف جامايكا، ووجد نفسه مضطراً لتطوير خطة موثوقة للظفر وحزبه بائتلاف متجدد وقوي مع ميركل، وأنّ الأمر يتطلب الاعتماد على الكثير من التكتيك والمناورات.
ويرى العديد من المراقبين أنّ على شولتز، وفي حال قرّر وحزبه الانخراط مجدداً في الائتلاف الكبير، أن لا يستسيغ فكرة الحصول على منصب نائب المستشارة وأن يصبح وزيراً، لأنه من الأفضل له أن يبقى خارج الحكومة، وبالتالي سيكون له هامش أكبر للتعبير عن مواقفه كزعيم لحزب ينافس ميركل على منصب المستشار، وباستطاعته كذلك توجيه الانتقادات بأريحية. مع العلم أن هناك قناعة بأنه من الممكن أن يكون ضحية، لأن كل شيء يجب أن يكون مختلفاً الآن. وتوقّف المراقبون أيضاً أمام سلطة المستشارة الآخذة في التضاؤل، وهي إذا ما فشلت للمرة الثانية في تشكيل حكومتها بعد فشل جامايكا، فستكون لذلك آثار إيجابية لمنافسيها في حال عدم التوصل إلى إمكانية تجديد التعاون مع الاشتراكي الذي يطرح ملفات حيوية، من بينها ملفات الضرائب ونظم الضمان الاجتماعي والهجرة.