أخذ وردّ

19 يناير 2019
مشادة كلامية (ستيوارت كيربي/ Getty)
+ الخط -

أخذٌ وردّ. يمكن لحياة بأكملها أن تقوم على الأخذ والردّ. حياة بين شخصين أو بين مجموعة، ومن دون أية نتائج، إذا ما حلّ سوء الظن ضيفاً ثقيلاً. وأين الحكاية؟ هل هذه مجرّد وجهات نظر يحدث أن تظلّ مشتعلة؟ ولماذا لا تهدأ تلك السنوات الماضية، التي يفترض أن تطوي صفحاتها ما إن تنتهي؟ لا أجوبة. مجرّد أسئلة مكررة باهتة تبدو بالكاد مقاطع إنشائية دوّنت في كتب القراءة للحفظ فقط.

لكنّ حياتنا بأكملها قائمة على الأخذ والرد، ثمّ يُلام الصامتون المتفرّجون. يمكن لسائق أن يوقف سيارته في أي مكان، للدفاع على قيادته الممتازة للسيارة الذي شكّك فيها سائق آخر لا يعرفه. أمر مماثل يستحقّ كلّ هذا العناء، ويستحقّ الكثير من الأخذ والرد إلى أن يفرِغ ذلك "الكمّ" في داخله. وأيّ كمّ؟ هل يعرفه هو؟

ليس مهمّاً تحديد نوع الكم هنا. المهم في النهاية أنه ارتاح، وباتت لديه قصة يخبرها لزملائه في العمل، أم أصدقائه في سهرة المساء. وهؤلاء جميعاً، سيتحدّثون عن سمات "اللبناني" السيّئة، الذي يشتم ولا يصبر و... جميعهم يردّدون السمات نفسها ويجدون الحلّ في الهجرة إلى الخارج، قبل أن يستيقظوا في اليوم التالي لخوض تجارب جديدة فيها أخذ وردّ.
لا نتعب من الكلام... من كلام لا طائل منه. كلمات تضاف إلى كلمات لتخلق فوضى في الرؤوس لا أكثر. ضجيج يقتل الأحلام التي نتمسّك بها علّنا نتخلص من واقع مزعج ينتقل إلى أيامنا المقبلة، حتى إن لم نأذن له بذلك.

وحين نستذكر قصصاً تاريخية، سنقول إن فلاناً قال كذا وكذا عن قضية ما. وكان لآخرين آراء حول القضية نفسها. نقاشٌ قد يأخذ شكل أخذ وردٍّ. وهذه الحكايات لا تنتهي، وقد أنهكت البشرية.



المزيد من الأخذ والردّ. من أين لنا هذه القدرة على المتابعة وإعادة الحكاية من منتصفها أو أولها. وكأنها لا تنتهي، وكأننا في كل مرّة نعيد سرد حكاية جديدة... حكايات مؤلمة تخبر وجعاً وحقداً والكثير من الأشياء. وتصير مثل أحلامٍ تبحث عن مفسّر لها. ماذا تعني هذه الكلمات وهذه الأحداث؟

ننتظر. قليل من الوقت وننسى ونفسح المجال للمزيد من الأخذ والردّ. هل اعتدنا الأمر؟ كأننا نصرّ على العودة إلى الماضي، إلى مكانٍ كنّا فيه يوماً. لكنّ هذا لن يتحقق، بفعل قوة الزمن التي ستقذف بنا إلى الأمام مهما حاولنا العكس. هذه أحد شروط الحياة، وإن لا تصيب دائماً، وإن يعرف بعضهم الاستمرار، ويطلون برؤوسهم إلى الوراء.

وفي أخذ وردّ، سيقال إن الحياة قاسية، وإنها لم تقسُ بعد بما فيه الكفاية، وأنها قد تكون أكثر قسوة. وفي المشهد الأول الذي قد يظهر أمامنا، لاجئون كانوا يملكون كل شيء. هذا النقاش أيضاً قد يتطور إلى أخذ وردّ.
دلالات
المساهمون