أبو بدر وُلِدَ في المخيم

20 يونيو 2015
عملت 35 عاماً في تبليط المنازل (حسين بيضون)
+ الخط -

كانَ أبو بدر يحلم بحياة مختلفة تماماً. عرف لبنان عن كثب. لكنه علّق قلبه وعقله في فلسطين التي لم يرها يوماً. اكتسب لقباً بالصدفة لم يخطط له أهله، ويشعر أحياناً بثقله على صدره، ويذكره أكثر بألم اللجوء. فهو أول طفل فلسطيني لاجئ يولد في مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت. أمضى 65 عاماً من حياته، وهو يردد نشيد فلسطين الثورة والحرية. لم ينجح في تحقيق حلمه والتخصص في مجال الهندسة، بعدما منعته وفاة والده من إكمال دراسته الجامعية، والارتباط بحب حياته التي كانت زميلته في الجامعة.

يقول أبو بدر: "كنا نفكر في مستقبلنا سوياً. إلا أن الظروف حالت دون ذلك". ولد في مخيم برج البراجنة في لبنان عام 1950، "أي بعد سنتين على إنشائه"، يشرح. قبل أن يضيف: "هرب أهلي من منطقة الجليل الأعلى عام 1948 إلى لبنان، وولدت على يد داية (قابلة قانونية) بسبب عدم تمكّن والدتي من دفع تكاليف المستشفى. تعلمت مهنة التبليط حين كنت في الـ 18 من عمري لإعالة أهلي. قضيت 35 عاماً من حياتي في تبليط المنازل". أيضاً، عُين مسؤولاً للجنة الشعبية، وعمل على تسيير أمور الناس الاجتماعية.

يتابع أبو بدر: أن بيوت مخيم البرج كانت مصنوعة من التنك، والمراحيض مشتركة. يروي: "أذكر مشهد النساء والأطفال يقطعون مسافة لا بأس بها للوصول وأطفالهم إليها لقضاء حاجاتهم والاغتسال". عام 1962، احتفل أهالي المخيم بعد سماح وزارة الداخلية لهم ببناء منازل إسمنتية. يقول: "كان أهلي يظنون أن مكوثهم في المخيم لن يطول أكثر من 15 يوماً. حينها، حلم الجميع بالعودة، وكانوا على يقين أن الجيش العربي سيحرر فلسطين ويعيد الأراضي والبساتين المستعمرة من قبل الإسرائيليين إلى صاحب الحق. لكن ضاعت القضية، وضاعت أحلامنا، ولم نمل من المطالبة بحق العودة".

يضيف أبو بدر: "عام 1969، بدأت الثورة الفلسطينية في لبنان. لم يكن يسمح لنا بقراءة الصحف أو مشاهدة الأخبار. كنا نعتقل إذا ابتعنا صحيفة. تحولت بيوتنا إلى متاريس". يضيف: "كنا نحن أطفال المخيم نصعد على أسطح بيوت التنك التي كانت تقتلع بسبب العواصف، ونضع أكياس الرمل لتثبيتها. كان مشهد المخيم من الخارج أشبه بالثكنة. أعرف كل شارع من شوارع البرج. كنت أتنقل من حي إلى آخر هرباً من الاشتباكات. لم أكن طفلاً يرغب في القتال. تمنيت فقط أن أتعلّم وأحصل على وظيفة والزواج".

يؤكد أبو بدر أنه "على الرغم من كثرة المضايقات الأمنية للفلسطينيين في المخيمات، إلا أن الوضع الأمني والاستنفار الذي تشهده المخيمات اليوم لم يكن موجوداً". يعزو الأمر إلى الأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد حالياً، بالإضافة إلى التفجيرات خلال السنوات السابقة. يضيف: "تعتقد الدولة اللبنانية أننا نريد التوطين. صار عمري 65 عاماً، وما زلت أتحدث اللهجة الفلسطينية"، لافتاً إلى أننا "نساهم بنسبة 13 في المائة من ميزانية الدولة اللبنانية، بسبب التحويلات المالية من الخليج للفلسطينيين المحرومين من ممارسة 67 مهنة. الفقر يزداد، فيما ارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 50 في المائة".

يرى أن "الضغوط الاجتماعية تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات والسرقة وارتكاب الجرائم، علماً أنهم حاصلون على شهادات جامعية". يضيف أن "أحياء مخيم البرج ضيقة. نسير خلف بعضنا البعض". ويتابع: "كانت الأونروا تغطي جميع التكاليف الصحية وغيرها. على سبيل المثال، تكفلت بتغطية نفقات ولادة ابني في المستشفى. أما اليوم، فهي لا تهتم". يستطرد قائلاً: "لا يمكن شرب المياه لأنها ملوثة. رائحة المراحيض كريهة وتجلب الأمراض. لا أريد تذكر الحرب ومآسيها. أريد أن أعيش وأعمل كبقية الناس. أريد أن أموت بسلام".

اقرأ أيضاً: أسلاك الموت في برج البراجنة
المساهمون