أبعد من الهجاء

11 يونيو 2015
"عمّان في الليل" محمد عبلة / مصر
+ الخط -

لا جدوى من هجاء المدينة العربية أو إسقاط نموذج عليها ومحاكمتها وفقه. لا توجد مدينة يُحتكم إليها، هناك مدن وتجارب تاريخية يُستأنس بها. وكما أن تاريخنا الاجتماعي مراوحات بين تريّف وتمدّن، فتاريخ العالم كذلك.

وصف مدينة مثل عمّان بكونها عنقوداً من القرى ينطبق تماماً على لندن، بل لعل الأخيرة أكثر من ينطبق عليها وصف عنقود القرى التي يربط بينها المترو، إلى درجة أننا نتخيلها وقد عاد أهلها يزرعون البطاطا في حدائق بيوتهم لو توقف المترو شهراً.

ما يزعج في نقد النخب العربية للمدن وتهكّمهم عليها، هو ظنهم أن نقائص المدينة العربية حكر عليها. لا ينتبهون مثلاً أن عواصم "النور" و"الضباب" بنيت على الاستعمار ونهب ثروات الشعوب وسحق الإنسان. لكن هذا لا يزعج نخبنا. 

لعل خراب مدن عربية تاريخية من بغداد إلى حلب، ووقوع بعضها في أيدي سلطات جاهلة وعصابات تكفيرية، يجعلنا أكثر حساسية وإدراكاً لقيمة ما عندنا.

هذه المدن المشوّهة بتلال الإسمنت هي ما لدينا، ولا يجوز أن تواصل نخبنا تحقيرها. التحقير هو الوجه الآخر للتمجيد الفارغ والغنائيات الرخوة المتعالية على الواقع، وهو الوجه الآخر لخطاب السلطة.

المدينة العربية بحاجة إلى تضافر إرادة سياسية ووعي مجتمعي وفكر معماري وتخطيطي بما يشكّل خطة إنقاذ. أعرف، للهجاء فتنته وللشكوى لذّتها، لكن هذا لن يأخذنا إلى أي مكان.

المساهمون