آفاق مسيرات العودة: نهاية الهدوء مقابل الهدوء

13 يونيو 2018
يعول أهالي غزة على المسيرات لكسر الحصار(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يواظب الشاب الثلاثيني سائد غنيم على المشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار في غزة في كل يوم جمعة، وهو اليوم المركزي للفعاليات الوطنية التي أُطلقت تزامناً مع ذكرى يوم الأرض في 30 آذار/ مارس الماضي للفت الانتباه للأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها مليونا فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، الذي تحول إلى أكبر سجن في العالم. قبل خمس سنوات كان سائد يعمل في مجال البناء كعامل مساعد وكانت الظروف المعيشية أفضل من الآن، لكنه حالياً بلا عمل. ومنذ عامين توقفت إلى حد كبير حركة الإعمار والبناء وانحصرت فرص العمل في أعداد محدودة جداً، نتيجة الظروف الاقتصادية والإنسانية القاسية. يحدو سائد أمل في أنّ تحرك مسيرات العودة المستمرة العالم من أجل إنهاء المعاناة المتفاقمة، وأنّ ينجح الفلسطينيون في مواصلتها من أجل الضغط على إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر لتخفيف ضغوطهم على الفلسطينيين المحاصرين في غزة.



يؤمن سائد، وهو أب لطفلتين، أنّ "إسرائيل سترضخ إلى مطالب أهالي غزة إن استمرت المسيرات وشهدت زيادة أعداد المشاركين فيها، لأنها باتت تقلقهم وتذكرهم أنهم محتلون وقتلة ومجرمون". ومثل سائد يوجد آلاف الفلسطينيين الذين يشاركون في المسيرات والذين لا يشاركون أيضاً، لكن جميع الفلسطينيين في غزة يعتقدون أنّ الحصار سيخفف على الأقل إذا ما استمرت مسيرات العودة على الحدود، في ظل ما أنتجته من اهتمام دولي متنامٍ بغزة بعد سنوات من الإحباط والإهمال. وعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، المعروف بالكابينيت، اجتماعات خاصة بشأن غزة، لكن ما يتسرب منها يؤكد أنّ إسرائيل لن تمنح غزة كسراً كاملاً للحصار إلا بشروط لم تقبل بها حركة "حماس" في وقت سابق.


تعلم "حماس" جيداً أنّ هناك ثمناً يجب أنّ تقدمه أو تدفعه مقابل كسر الحصار، وهي إذ تغض الطرف عن بعض المطالب من أجل كسر الحصار وإنهاء معاناة مليوني فلسطيني، إلا أنها لا تملك تقديم كل ما تريده إسرائيل والأطراف التي تضغط وتتوسط من أجل الحل في غزة. يمكن لـ"حماس" أن توقف نشاطاتها العسكرية مؤقتاً، وأن تضمن سريان الهدوء كما كانت تضمنه بعد العدوان الأخير في 2014، لكنها بالتأكيد لا يمكن أنّ تقبل بأن يكون الأسرى الإسرائيليون الأربعة لديها جزءاً من أي صفقة لإنهاء الحصار فقط.
تتمسك "حماس" بملف الأسرى الإسرائيليين كأمر منفرد، وهي التي تسعى بكل قوة إلى أنّ يكون مقابل حريتهم، حرية عشرات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن الاحتلال يحاول إدخال ملف الأسرى المفقودين في المعادلة ولا يريد دفع ثمن لحريتهم.

ولم يعد الهدوء مقابل الهدوء ينفع في حالة غزة، في ظل إصرار الفلسطينيين على المضي في مسيرات العودة، حتى لو طلبت حركة "حماس" إيقافها، إلا أنها لن تنجح على الأغلب في منع الشباب الفلسطيني من مواصلة الحراك على الحدود، إن لم تقدم لهم منجزات حقيقية على الأرض. وتؤكد مصادر في "الهيئة العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار" لـ"العربي الجديد" أنّ الفصائل متفقة على المضي قدماً في المسيرات الحدودية السلمية، وتطويرها ما أمكن، للضغط على كل الأطراف، مع ضمان تخفيض أعداد الضحايا عبر الضغط على الشباب الفلسطيني لعدم الاقتراب من السياج الحدودي.

وتشير مصادر "العربي الجديد" إلى أنّ الفصائل تبحث "فتح نقاط تماس جديدة" لإرباك الاحتلال أكثر، ومن أجل تقوية المسيرات وتشجيع المزيد من الفلسطينيين على المشاركة فيها، وهو ما يبدو واضحاً من الحشود التي تتزايد يوماً بعد يوم. ويعيش مليونا فلسطيني في قطاع غزة ظروفاً اقتصادية ومعيشية هي الأصعب على الإطلاق، إذ وصلت نسبة البطالة إلى 49.1 في المائة في الربع الأول من عام 2018، وعدد العاطلين عن العمل وصل إلى 255 ألف شخص، و64 في المائة نسبة البطالة بين الخريجين الجامعيين.
والفقر في غزة وصل إلى 53 في المائة، أما الفقر المدقع فوصل من يقعون تحته إلى 33 في المائة، فيما تعاني 72 في المائة من الأسر في القطاع من انعدام الأمن الغذائي. وهذه الأرقام كفيلة باستمرار كل التحركات من أجل إنهاء الحصار المفروض على السكان منذ 12 عاماً على الأقل. لكن الخشية الكبرى في غزة اليوم هي أنّ أي اتفاق مقبل على عودة الهدوء قد تسبقه حرب طاحنة، وهذه تجربة خاصة للقطاع عايشها في أوقات سابقة، إذ إن جولات الهدوء الطويلة كانت دوماً تسبقها مواجهة قاسية وحادة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ التفاعلات الخاصة بمسيرة العودة تتواصل في مناطق عديدة من العالم، سواء لدى الاحتلال أو حتى المجتمع الدولي والإقليم، حيث تجرى مناقشة البعد الإنساني في القطاع. ويشير محيسن إلى أن الحراك المتواصل للشهر الثالث على التوالي قرب حدود القطاع الشرقية يستنزف الاحتلال الإسرائيلي ويضعه أمام حالة لا مثيل لها، إذ بات حائراً ومتخبطاً في كيفية التعامل معه، خصوصاً أنّ المتوقع خلال الفترة المقبلة، في ظل استمرار الحراك الشعبي وإصرار القائمين عليه على التواصل، هو أن تزداد عملية التفاعل على المستويات المختلفة من أجل إيجاد حلول للقطاع المحاصر إسرائيلياً من البوابة الإنسانية.

ويتساءل محيسن: "الحلول من البوابة الإنسانية هل ستكون مقنعة للمستوى السياسي؟ وهل ستكون جزءاً من مشروع سياسي كحل؟ وهل يمكن أن توظف هذه الحالة لتكون جزءاً من المشروع الخاص بصفقة القرن وتكون هي الخطوة الأولى لتطبيق المشروع بطريقة غير مباشرة؟". ولا يوجد حتى الآن بلورة لشكل معين أو لمشروع تناقشه غزة وتجيب عنه أو تقدم رؤية بشأنه. ويبدو أنه لا بد لغزة أن تقدم تضحيات أكثر مما قدمت لكي تدفع الأطراف جميعاً للتحرك لتقديم شيء لها، يلبي حاجتها ويكون مقنعاً لها ويقلل معاناتها.

واستمرار نجاح مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار مرتبط بثلاثة أعمدة رئيسية، وهي بقاء التوافق الفصائلي إلى أن يتحقق أمر يكون مقنعاً للجميع، وسلمية الأدوات المستخدمة وابتكار أدوات جديدة وتوفير مستلزمات الصمود للمنتفضين الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم، وفق محيسن. 
ويوضح محيسن أنّ الشكل المقنع يعني أن يتحقق جزء من مطالب الشارع الفلسطيني لتلبية حاجاته وأن يتمكن المواطن الغزي من التنقل بدون إعاقات، وفك الأزمات الداخلية ومعالجة البطالة المتفاقمة وتوفر المستلزمات الحياتية.
والقطاع المحاصر قادر على الصمود والتحمل لفترة طويلة، والاحتلال الإسرائيلي يعلم ذلك، حتى وإن راهن على عامل الوقت، فالتاريخ يشهد للقطاع وسكانه بقدرتهم على الصبر والصمود لمسافات طويلة وإصرارهم على نيل حقوقهم بكل الوسائل، على ما يذكر محيسن. ويشير إلى أن بعض الأطراف طرحت حلاً شاملاً ومتكاملاً، وارتكز هذا البعد على ما تحدثت به حركة "حماس" منذ سنوات وهو هدنة طويلة الأمد كإطار عام تشمل تفاصيل كثيرة، وهو ما يدل على أن الحل مع غزة سيكون سياسياً وإن بدا في طابعه إنسانياً.

وعن الحراك الدولي الأخير بشأن غزة، يشير الأكاديمي الفلسطيني إلى أنه لا يمكن وصف ما يجري في أروقة هذه المؤسسات الدولية والأممية بأنه إنساني بحت، وحتى إن بدا ذلك، لكن هذه المؤسسات وفق ارتباطاتها وسياساتها لن تتمكن من إنفاذ أي مشروع إنساني بدون ضوء أخضر سياسي من القوى الفاعلة الكبيرة في العالم، وعلى رأسها الإدارة الأميركية وإسرائيل.