"6 ابريل" .. أسرار النشأة وتحديات الأزمة

06 ابريل 2014

أعضاء في "6 إبريل" في وقفة احتجاجية (أرشيفية Getty)

+ الخط -

على الرغم من مرور 2190 يوماً، ما زلت أذكر ذلك اليوم، كاليوم. إصبع صغير تحرك، في قدم وطن، بدا للجاثمين على صدره جثة هامدة، لا يخشى منها، أو من عودة الحياة إليها.
فبعد الحراك الواسع، بين 2004-2005، والذي أحدثه ظهور حركة كفاية، وحزب الغد، وجريدة العربي، أول انتخابات رئاسية، تنافسية، دخلت مصر في ثبات، وإحباط، بفعل تبدد أحلام التغير السلمي بالطرق التقليدية، واستسلام معظم القوى السياسية لعلاقات توافقية مع نظامٍ، تناقصت شرعيته، وشعبيته، في الشارع المصري.

جاء يوم السادس من أبريل نيسان 2008، ليمسك الشباب بزمام المبادرة٬ وليمسح ما تراكم على وجه الحياة السياسية المصرية من صدأ وطحالب، بحرية، فيعيد بفرح المغامرة، وأبجدية الاقتحام، الأمل للحياة السياسية، بعد أن شحب وجهها، ونقص وزنها، وسكتت عصافير الحرية في سمائها، ولم يبق فيها غير كهنة السلطان، ومخبري أمن الدولة، وقارئي الفنجان، وصانعي الحجابات، وأصحاب الحسابات والتوازنات.

قبل 2190 يوما كنت في زنزانتي بسجن مزرعة طره، الزنزانة التي استضافت حسني مبارك بعدي، والتي أقمت بها بعد أيام من الانتخابات الرئاسية في 2005، وحتى خروجي عام 2009. كنت ألملم الأخبار من مذياع صغير، أنباء متعارضة، حول ما جرى ويجري، بين النجاح والفشل. لكن، كان شعوري أن شيخوخة النظام لم تملك القدرة على مواجهة طفولة الحدث وابتكار وحداثة أدواته.

في الساعة الحادية عشرة مساء، تحول شعوري إلى يقين، عندما انقطع التيار الكهربائي عن السجن، وسمعت صوت أقدام ثقيلة، تتحرك صوب زنزانتي، تختلط إيقاعاتها في أذني بأصوات المفاتيح التي تدور في الأبواب الحديدية الفخمة، والتي تسبق زنزانتي، وتنفتح واحدة تلو الأخرى، وكأنها انفجارات تحت جلدي، وسط ظلال، وخيالات، لا أرى تفاصيلها، كل الاحتمالات كانت واردة في ذهني.

عادت الكهرباء فجأة، بعد أن اكتمل المشهد، بحضور رجال أمن الدولة، وآخرين من المخابرات، وآخرين من السجون، وآخرين لم أعرفهم حتى الآن. بدأ الحديث ودياً ومريباً، فقررت أن أقتحم صمتهم، وابتساماتهم الفاترة، بسؤال مباشر عما حدث اليوم في مصر؟ فأجاب كبيرهم: احنا اللي جيين نعرف ونفهم منك؟ من هؤلاء؟ وكيف فعلوا ما فعلوه؟ اغتنم ضابط أمن الدولة الفرصة، وأخرج من جيبه الخلفي، كشوفاً بأسماء من تم اعتقالهم منذ صباح اليوم، طالباً مني الاطلاع على الأسماء.

لم أرفض، بل تلقفت الكشوف بلهفة، بينما كانت عيناي تمر على الأسماء بسرعة، كان يستوقفني كبيرهم، أمام كل اسم، قائلاً: هذه الفتاة زارتك في السجن في تاريخ كذا، وهذا زارك في تاريخ كذا، وهؤلاء أعضاء في حزب الغد، وهؤلاء كانوا أعضاء في حملتك الرئاسية، وهذا مديرا لمكتبك، وهذا مدير لمقر الحزب، وهذا سكرتيرك الخاص، وهذا ..وهذا..وهذا..

أغلقت الكشف، قبل أن استكمل قراءة الأسماء، وسألتهم: هل هذا اتهام جديد لي في سجني؟ فرد كبيرهم: بل هو استفهام، ف 80% من المقبوض عليهم اليوم من أعضاء "الغد"، أو حملتك الانتخابية الرئاسية، وبعضهم زاروك في سجنك قبل أيام.

قلت لهم لا تحملونا خطاياكم، فالنظام الذي زور الانتخابات الرئاسية، واعتقل منافس الرئيس، واخترق الحياة الحزبية، وأفسد الحياة السياسية، ماذا ينتظر؟

انتهت المقابلة التي أروي تفاصيلها، للمرة الأولى، بعد 6 سنوات، وما زالت ملامح الدهشة والصدمة على وجوه ممثلي أجهزة النظام محفورة في ذهني وحاضرة، وكأني أرى وجوههم أمامي الآن.

مشهد آخر لا يقل في دلالاته عن سابقه، ليكشف عن معنى "6 إبريل" ودلالته، الأخطر فيه أنه كان بعد ثورة 25 يناير بحوالي عام. حيث رفضت حضور إحدى الدعوات التي كان يوجهها المجلس العسكري لرؤساء الأحزاب فاتصل بي أحد أبرز قيادات المجلس معاتباً. وتحول العتاب إلى مشادة تليفونية، عندما أبلغته رفضي تصريحاتٍ للواء ممدوح شاهين، وتهجم الفريق سامي عنان علي في اجتماع حضره بعض رؤساء الأحزاب وفي غيابي. فقال الرجل نصاً، منفعلاً: إياك أَن تتصور أننا يمكن أن ننسى لك، ولمحمد البرادعي ول "6 إبريل" ما فعلتموه قبل 25 يناير.

ليست هذه الشهادات التي أُدونها اليوم، أَول مرة، لادعاء بطولة أو أبوة تاريخية لحركةٍ، تستعصي بتكوينها على فكرة الأبوة أو الاستيعاب. لكن، لإثبات أن "6 إبريل" كانت وستظل وقتاً ليس قصيراً، رقماً مهماً وموجعاً في المعادلة السياسية خصوصاً في أذهان نظام مبارك ودولته العميقة التي لن تتسامح مع بعض الرموز والحركات في مقدمتها حركة 6 إبريل، وامتداداً لكل من كان له دور فاعل في 25 يناير.

وأحسب أنني لا أدّعي أن حركة 6 إبريل، أو غيرها من الكيانات منزه عن الخطأ أو أنهم جماعات من الأطهار، الأبرار، ملائكة الوطنية المصرية، لكنني لا يمكن أن أتصورهم أيضاً عملاء، وشياطين، وممولين، وغير ذلك من اتهامات أعرف أن بعضها مجاف للواقع، ولحقائق أعلمها علم اليقين.

أعترف، مثلاً، أن فاعلياتٍ كثيرةً أقامتها الحركة، مثل مؤتمراتها السنوية ومؤتمرات القلة المندسة وغيرها من أنشطةٍ ثار حول تمويلها جدل خرافي، بينما الحقيقة أنها كانت تبرعات شخصية وعينية، شاركنا بنصيب فيها، كما شارك غيرنا من الرموز والقوى والأحزاب السياسية.

أما عن المقرات التي قيل أن "6 إبريل" اشترتها أو استأجرتها في وسط القاهرة٬ فمعلوم لدى الأجهزة التي روجت هذه الأكذوبة أنني أعرت الحركة مكتبي الشخصي سنوات ليجتمعوا فيه قبل أن ينتقلوا إلى فيلا بالقصر العيني أَعارهم إياها الدكتور ممدوح حمزة.
نعم في مراحل لاحقة لنجاح الحركة، وذيوع سيطها، محلياً ودولياً، تلقوا دعوات للسفر للخارج للمشاركة في مؤتمرات أو برامج تدريب، مع حركات شبابية مشابهة أو منظمات أهلية، لكن هذا لا يعني أن ترمى الحركة، وكل من فيها، باتهامات ساذجةٍ، وفقاً لنظرية "المؤامرة"، وربما أحسن المجلس العسكري صنعاً عندما اعتذر للحركة، بعد تورط أحد رموزه في توجيه مثل هذه الاتهامات المرسلة والتي كشفت تحقيقات أجراها النائب العام براءة ساحة الحركة منها.

أَعترف أيضاً بأنني لا أشعر دائما بالرضا تجاه الأداء السياسي لبعض قيادات "6 إبريل"، ولم أنجح وغيري في محاولات عديدة للم شملها، بعد ما تعرضت له من صراعات انعكست سلباً على صورتها في عيون الناس، لكن الأمل يحدوني في أن ينجح قادة معسكر 3 يوليو /تموز فيما فشلنا فيه، وقد بدت ملامح هذا النجاح في اجتماع الفرقاء قبل أيام للإعلان عن فاعليات الاحتفال بعيد ميلاد 6 إبريل، وهم صف واحد وجبهة واحدة.
لا يمكنني، اليوم، أن أرتكب حماقة أَن أَقول لأخواني وأبنائي في "6 إبريل": كل عام وأنتم بخير، حين لا أنتم بخير، ولا هم بخير، ولا الحرية في مصر بخير. وليست هناك لغة "عاقلة" منفصلة عن الواقع إلى هذا الحد فكيف أتحدث عن الخير، وأحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دوما، وهم من أهم رموز الحركة في السجون؟

كيف أقول لكم كل عام وأنتم بخير، بينما حركة 6 إبريل تنتظر حكماً يحظر نشاطها، بل هناك دعاوى ساذجة، لاعتبارها حركة إرهابية!
عندما تحدد المحكمة موعداً لنظر الدعوى هو 5 إبريل -تحديداً، كيف أقول لكم كل عام وأنتم بخير إلا على سبيل الدعابة وبمفهوم المخالفة. كيف أقول لكم كل عام وأنتم بخير، عندما تكون المحكمة ذاتها محكمة "الأمور المستعجلة" التي حلتها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها، ثم اختارت شهر يناير لتقضي فيه، بعودة اسم مبارك على الشوارع والمدارس التي رفع اسمه من عليها، وهي أيضاً لتي أعادت حرس الجامعة، وحلت أخيراً نقابات منتخبة!

يا أبنائي وأخواني: كل عام وأنتم "كما كنتم" حركة ضمير. حركة هواة.. ٳبداعية ابتكارية، صادمة ببراءتها وبساطة آلياتها وخفة دمها!

كل عام وأنتم، كما كنتم، قبيلة واحدة، تتحدث لغة واحدة، فوحدتكم ستقسم ظهر من يتوحمون على لحمكم، ويتربصون بكم. كل عام وأنتم، كما كنتم، لا تنظرون خلفكم توحدون صفوف ثورتكم، تجمعون ولا تفرقون. تسعون إلى وحدة ثورة يناير، واصطفافها، متمسكين بأهدافها وشعاراتها ومبادئها، وقيمها الغائبة.

كل عام، وأنتم كما كنتم، بل أكثر إصراراً على احترام المدى، غير مبالين بكل السكاكين المتربصة برقاب عصافير الوطن. واعلموا أن السكاكين لا تفرق بين ألوان العصافير، فلا تقعوا في هذا الخطأ ثانيةً، فالظلم لا يفرق بل يجمع، فلا تفرقوا ما يمكن أن يجمعوه لكم. كل عام، وأنتم كما كنتم. أنتم لمصر، فكونوا دائماً لها، ومن أجلها، ولا تبخلوا بما لم نبخل به في شبابنا، واحتملوا ما يجب أن يحتمله الشرفاء والمدافعون عن الحرية. ضعوا مصر دائمًا الهدف والأمل والغاية. وكل عام وأنتم، كما كنتم، وكما نتمنى لكم أن تكونوا. 

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة