الحوار الذي دام 40 دقيقة، وجرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتّحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، أعرب فيه كيري عن إحباطه إزاء عدم قدرته على إنهاء الأزمة السورية، إذ عبّر عن تفهّمه لإحباط السوريّين من السياسة الأميركية، محاولاً إيجاد تبريرٍ لذلك.
أتى حديث كيري بعد أيام من انهيار اتّفاق وقف إطلاق النار، الذي أشرف عليه كيري بنفسه بعد مداولات مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، وبالتزامن مع رفض الروس اقتراحاً جديداً كان قد قدّمه لوقف القصف على حلب.
وقد عُقد الاجتماع في مقرّ البعثة الهولنديّة للأمم المتّحدة في 22 سبتمبر/أيلول، وضمّ 20 شخصاً ممثّلين عن أربع مجموعات سوريّة تقدّم خدمات تتعلق بالتعليم والإنقاذ والخدمات الطبيّة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بالإضافة إلى عدد من الدبلوماسيين.
وذكرت الصحيفة أنّ تسجيل حديث كيري قام به أحد الحضور، وهو ليس سوريّاً، وأكدت أنّ العديد من المشاركين في الاجتماع أثبتوا صحّة التسجيل.
وخلال الاجتماع، حاول كيري أن يشرح للحاضرين أنّ الولايات المتّحدة لا تملك مبرّراً قانونيّاً لمهاجمة حكومة الأسد، في الوقت الذي تلقّت فيه روسيا دعوةً للتدخّل من قبل النظام السوري.
وقال "المشكلة هي أنّ روسيا لا تكترث بالقانون الدولي، لكن نحن نفعل".
وبحسب "نيويورك تايمز"، فقد عبّر الوزير الأميركي عن عجزه إزاء العمليّات العسكرية الروسية في سورية، وعدم قدرته على إقناع واشنطن للتدخّل بقوّة أكبر، كما لم يكن باستطاعته ما وصفه بـ"بيع" معارضي بشار الأسد، وفق سياسة لا يؤمن بها "بكلّ إخلاص".
إحباط كيري، فضلاً عن الاختلافات داخل إدارة أوباما، لم يعودا سرّاً الآن، كما يرى كاتب المقال. لكن المحادثات المسجّلة كشفت إحباطاً أكبر، إذ عبّر كيري عن خيبة أمله من أنّ الروس فاقوه دهاءً، معرباً عن عدم اتّفاقه مع بعض قرارات أوباما السياسيّة، مشيراً إلى أنّ الكونغرس لن يوافق البتّة على استخدام القوّة.
وأضاف كيري في التسجيل "نحن نحاول مواصلة الجهود الدبلوماسية، وأنا أتفهم أن الأمر محبط، لكنّكم لن تجدوا أحداً أكثر إحباطاً منّي".
إلى ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنّ العديد من المشاركين غادروا الاجتماع محبطين، مع قناعة بأنّ إدارة أوباما لن تقدّم لهم مساعدات إضافية. وبحسب ما ذكر أحدهم، وهو مصطفى السيوفي، مهندس مدنيّ، أنّ كيري أبلغ المعارضة السورية حرفياً "عليكم أن تقاتلوا من أجلنا، لكنّنا لن نقاتل عنكم".
وخلال الاجتماع ذاته، حاول السيوفي ورفاقه الضغط على كيري بلطف، ولكن من دون كلل، بخصوص ما اعتبره "تناقضات في السياسة الأميركية".
وفي حين أكد وزير الخارجيّة الأميركي أنّ "محادثات" تجري داخل أروقة الإدارة بعد حملة القصف المكثّفة على حلب، وانهيار المحادثات مع روسيا؛ عاد واستدرك قائلاً إنّ أي جهد أميركي لتسليح المعارضة أو الانضمام إلى القتال قد يأتي بنتائج عكسيّة.
وبحسب ما ورد في التسجيل، قال كيري "المشكلة، كما تعلمون، هي أنّه حينما نحرّك بعض القوّات هناك، فسيرفع الجميع الرّهان، أليس كذلك؟ روسيا ستضع المزيد من الجنود، ومثلها ستفعل إيران، وحزب الله، وجبهة النصرة، بينما ستضع تركيّا والسعودية كلّ ما لديهما من أموال، وحينئذ الخراب سيشملكم جميعاً".
كلام كيري، أيضاً، كشف عن تمييز صارخ في السياسة الأميركية تجاه الجماعات المقاتلة في سورية، بحسب الصحيفة، إذ ذكر أنّ أميركا تريد من المعارضة مساعدتها على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والقاعدة، لأنّهما "أعلنا الحرب علانية على الولايات المتّحدة". وفي الحديث عن "حزب الله"، حسم كيري موقف بلاده بالقول "هو لا يخطّط ضدّنا"، رغمَ أنّه يندرج ضمن قوائم الإرهاب الأميركية كذلك.
وفي خضمّ النقاش، واصل كيري حديثه عن العقبات التي تواجهه في أميركا، وهي تتعلق تحديداً بعدم استعداد الكونغرس لتشريع استخدام القوّة.
عندها ردّ أحد المشاركين السوريين قائلاً "لا أحد يطلب تدخّلاً عسكريّاً"، وأصرّ على أنّ المعارضة تحتاج المزيد من المساعدة.
لكنّ الوزير الأميركي، ومع احتدام النقاش، أبلغ السوريين بشكل مباشر أنّ أفضل أمل بالنسبة لهم هو القبول بحلّ سياسي لإدخال المعارضة في طور حكومة انتقالية، مضيفاً "حينها ستصبح أمامكم الانتخابات، ولتتركوا الشعب السوري يقرر من الذي يريد".
عند هذه النقطة تحديداً، فاجأ كيري السوريين الحاضرين، حينما اقترح مشاركتهم في انتخابات تشمل بشار الأسد، وذلك بعد خمس سنوات من مطالبة أوباما بتنحي الأخير.