كعادته في كل ربيع، يُطلق الاحتلال الإسرائيلي، مناوراته السنوية الشاملة على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلّة، التي يُجنّد فيها كل العناصر العسكرية والمدنية. واعتاد الإسرائيلي تسمية المناورات بـ "نقطة تحوّل"، التي وضعها بعد حرب يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006 على لبنان، ودشّنها في مايو/أيار 2007. وفي النسخة التاسعة من المناورات التي تحمل اسم "نقطة تحوّل 15"، يُبرز أكثر السيناريوهات رعباً، وفقاً لما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الجمعة، نقلاً عن رئيس "سلطة حالات الطوارئ" بتسلئيل تريفير، الذي اعتبر أن "سيناريو المناورات مأخوذ من أحد أفلام هوليوود المتعلقة بنهاية العالم، مع فارق وحيد وهو أن هذا السيناريو واقعي".
وتضمّن السيناريو الجديد: احتمالات لحرب شاملة، وتعرّض إسرائيل لهجمات صاروخية، وسقوط آلاف الصواريخ عليها من لبنان ومن قطاع غزة، وإمطار إيلات على خليج العقبة، بصواريخ من سيناء، واندلاع مواجهات وصدامات عنيفة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية. بالإضافة إلى نشوب صدامات وتظاهرات داخل إسرائيل، يُستخدم فيها الرصاص الحيّ من قبل المتظاهرين أنفسهم.
وفي تفاصيل "نقطة تحوّل 15"، تُطلق صواريخ عدة من هضبة الجولان السورية، وتحافظ إسرائيل على "ضبط النفس" لستة أشهر، قبل أن تتدهور الأمور بشكل خطير، وتنتقل معها عدوى إطلاق الصواريخ إلى لبنان. ثم يشمل التصعيد عمليات زرع عبوات ناسفة على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، وفي خطوط المواصلات، مع بدء محاولات لخطف جنود إسرائيليين.
ويتابع السيناريو: وبموازاة صواريخ الشمال، تنطلق زخات من الصواريخ من الجنوب (قطاع غزة)، لا تجتاز بداية مستوطنة "سديروت"، لكن الوضع يتفاقم مع وصول الصواريخ إلى إيلات. وتواجه بالتالي شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" في البداية صعوبة في تحديد هوية مطلقي الصواريخ، وما إذا كانوا من "حماس"، أم من فصائل متمردة، أم من جهات جهادية في سيناء. ووسط كل ذلك، تتساقط عشرات آلاف الصواريخ داخل العمق الإسرائيلي، ضاربة شبكة البنى التحتية للطرق والمواصلات البرية.
وتتوالى التطورات، وتُعقد جلسات طارئة لكافة الأجهزة الأمنية، بحضور ممثلي الوزارات والدوائر الحكومية، يعلن خلالها وزير الأمن أن "إسرائيل باتت في حالة حرب وتبدأ عملية استدعاء قوات الاحتياط". ثم تعقد الحكومة الإسرائيلية جلسة عاجلة. ووسط تفاقم الوضع، تستعر التظاهرات التي تكون قد اندلعت في اليوم السابق في الضفة الغربية، وتنتقل المواجهات أيضاً إلى البلدات الفلسطينية في الداخل، تحديداً في وسط إسرائيل وشمالها.
وتتحدث التقارير التي يرسلها قادة الشرطة الميدانيون إلى الحكومة، خلال التظاهرات، وفقاً للسيناريو، عن إغلاق المتظاهرين في الداخل محاور الطرق مستخدمين الأسلحة. ويُصدر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تعليماته للشرطة، ببذل أقصى ما يمكن لفتح الطرق الرئيسية وتفريق التظاهرات، ويوعز للجيش بضبط النفس على الحدود مع لبنان وقطاع غزة.
ويذكر السيناريو، أن كل هذه الإجراءات لا تجدي نفعاً، ففي اليوم التالي تتعرّض إسرائيل لهجوم صاروخي، عبر استخدام الصواريخ المتطورة، وبعيدة المدى، التي تخترق القبة الحديدية، وتتساقط في مختلف المواقع، تحديداً في شمالي البلاد.
وخلال كل ذلك، تتدمّر البنى التحتية من مبانٍ سكنية، وجسور، كما تتعطل شبكة الطرق والشوارع الرئيسية، وتندلع الحرائق في مختلف الأنحاء، ويتم استدعاء سلاح الجو لمواجهة وإسقاط الطائرات من دون طيار، التي اجتازت الحدود، وأيضاً لضرب منصات إطلاق الصواريخ.
وفي ظلّ الحالة "المأساوية" تتمكن خلايا تابعة لـ "حزب الله" من اجتياز السياج الحدودي هي الأخرى، لتبلغ مستوطنات إسرائيلية عدة، وتتخذ رهائن مدنيين، قبل أن تتمكن قوات الجيش، التي تم استنفارها، من السيطرة على الوضع.
ويدعو تريفير في هذا الصدد الإسرائيليين، خلال فترة التدريبات، إلى "تطبيق تعليمات الدفاع المدني بجدية، وأن يدخل كل فرد منهم إلى الغرف الآمنة لحظة إطلاق صفارات الإنذار". ويعترف لـ "يديعوت أحرونوت"، أن "السيناريو متشدد، وأنه لم يتم التساهل في أي نقطة منه". وأشار إلى أن "تدريب نقطة تحول 15، يُعدّ الأكبر في تاريخ إسرائيل". ويضيف "لم نكتب سيناريو مريحا للتطبيق، بل يمكن القول إننا نظرنا للحقيقة في عيونها. كما أن هذا السيناريو واقعي كلياً، فالحرب المقبلة قد تبدأ بعد فترة من التدهور الأمني على امتداد الحدود. الوضع اليوم هادئ لكن التصعيد قد يكون سريعاً، وقد يقع بنفس الوقت في الشمال والجنوب".
ويرى تريفير أن "تحذيرات وتهديدات (الأمين العام لحزب الله حسن) نصر الله، حول حجم الترسانة الصاروخية، يُجسّد أهمية الاستعداد للمعركة المقبلة، فلا يمكننا تجاهل ما يحدث في الطرف الآخر. ونحن لا نتجاهل لا استعدادات حزب الله ولا استعدادات حماس، ومساعيهما للتزوّد بالسلاح".
ويشير إلى أن "لعلّ الأبرز هو عدم تجاهل مساعي حماس لاستعادة قوتها العسكرية وإعادة حفر الأنفاق الهجومية، وتهريب الأسلحة". ويكشف أن "التدريبات ستشمل سلسلة من الأحداث التي نقدّر حصولها فعلاً: اضطرابات شديدة في الضفة الغربية وداخل إسرائيل، تضطر معها الشرطة إلى نقل قوات كبيرة، فضلاً عن تسلّل خلايا من اليابسة والبحر، كما حدث في الحرب الأخيرة على غزة".
ويشدد "لا يمكننا التغاضي أيضاً عن اختراق طائرات من دون طيار الأجواء الإسرائيلية، وليس بالضرورة طائرات صغيرة. كما نأخذ بالحسبان ضرب شبكة المواصلات والطرق، وإغلاق شارع 6 (المعروف بعابر إسرائيل ويشقّ الأراضي الفلسطينية المحتلة من النقب جنوباً، حتى حيفا شمالاً). بالإضافة إلى ضرب بنى تحتية مثل شبكات المياه، والكهرباء، ومنشآت تحوي مواد خطيرة، مثل تلك الموجودة في ميناء حيفا".
ويقرّ تريفير أن "التدريبات هذه المرة تشمل مواجهة أوضاع وسيناريوهات، لم يسبق أن تمّ شملها في تدريبات سابقة، بغية الاستعداد لمواجهتها". وكشف أنه "في سياق تحضيرات التدريبات، تم في الأشهر الأخيرة إعادة تحديد وتقسيم إسرائيل إلى مناطق لوائية مختلفة، وتوحيد خطاب الجهات المختلفة، في ما يتعلق بالمصطلحات والمفردات المستخدمة لتوصيف المراحل المختلفة من التدريبات".
وتصل التدريبات أوجها، اليوم الإثنين، عبر محاكاة حالة من التعرّض لهجمات صاروخية مع عمليات لإخلاء السكان من بيوتهم، عبر إطلاق صفارات الإنذار، ويؤدي الجنود في الكليات العسكرية دور المدنيين، الذين يتم إخلاؤهم. وسيتم نقل هؤلاء، بالاعتماد على نموذج "ملونيت" وهي تصغير لكلمة "ملون"، التي تعني فندق، لتوزيع السكان الذين تم إخلاؤهم على نقاط محددة ومعروفة، لتفادي ما حدث خلال الحرب على غزة من حركة فرار جماعية، وترك للمستوطنات الجنوبية بدون أي تنظيم أو ترتيب مسبق.
وفي حال فشل هذا كله، وازداد عدد الذين يجب إخلاؤهم ولم يتبق مكان في المراكز والنقاط المذكورة، فسيتم فتح "مراكز استيعاب" في النقب، مع تجهيز كافة البنى الضرورية كخدمات الكهرباء والمياه ومرافق صحية. وسيكون على السكان أنفسهم أن يحضروا معهم الخيام والفرش والبطانيات، وهو سيناريو ستتم محاكاته هذا الأسبوع أيضاً. كما تُطلق صفارات الإنذار، غداً الثلاثاء، مرتين في الداخل الإسرائيلي، مرة صباحاً ومرة مساءً. أما يومي الأربعاء والخميس، فستُسمع أصوات انفجارات في مناطق مختلفة، وسيتم إغلاق مواقع عدة.
اقرأ أيضاً: "القسام" تطوّر دفاعاتها في قطاع غزة