"نظرة" ترصد مائة عام من الحراك النسوي المصري

17 مارس 2019
تظاهرة ضد التحرش في القاهرة عام 2014 (أحمد إسماعيل/الأناضول)
+ الخط -


أصدرت مؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية، تقريرًا حديثًا بعنوان "مائة عام من مركزية الجسد في الحراك النسوي المصري: تطور سؤال الجسد بين 1919 و2019"، في الذكرى المئوية لثورة 1919، مع توثيق أول تظاهرة نسائية في مصر يوم 16 مارس/ آذار 1919 انطلقت لمقاومة الاحتلال البريطاني، واعتراضاً على اعتقال سعد زغلول ونفيه في الثامن من مارس من العام ذاته.

وتحت عنوان "الخروج إلى المجال العام"، رصد تقرير المؤسسة المصرية "تراجع مشاركة النساء في المجال العام المصري إلى عدة قرون مضت، ولا تمثل ثورة 1919 في حدّ ذاتها أول خروج للنساء في المجال العام أو أول حضور لهن في الأفعال الاحتجاجية(...) وكانت المسيرة النسائية في أحداث ثورة 1919 ذات دلالة خاصة، لكونها أول عمل نسائي منظم وجماعي - باستثناء مؤتمر رشيد - ما شكل لحظة وعي هؤلاء النساء بأجسادهنّ الجماعية كـ"نساء"، وبصعوبة وجود هذه الأجساد في المجال العام بين رصاص قوات الشرطة وعنفها وتذمُّر الرجال من هذا الوجود في ما بعد".

وتابع التقرير: "ربما تكون اللحظة الأخرى المعبرة عن بدايات هذه الحركة النسائية في أذهان الكثيرين، هي لحظة خلع هدى شعراوي وسيزا نبراوي حجاب الوجه (أو النقاب) أثناء رجوعهما من روما في مارس/ آذار 1923، بعد مشاركة "نساء مصر" في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي. ومثلت كل من هدى شعراوي ونبوية موسى وسيزا نبراوي الاتحاد النسائي المصري.

وأوضح التقرير أن نبوية موسى كشفت وجهها عام 1909، وذلك الحدث كان يعتبر ثورياً وشكل نقطة تحول مهمة لأكثر من سبب. كما لم تعتبر شعراوي ونبراوي قرار خلع حجاب الوجه قراراً "شخصياً"، بل كان هناك وعي بأن هذا القرار قرار سياسي أو علني مرتبط بوجودهما في المجال العام، وأن جسديهما يمكن أن يوصلا رسائل سياسية شديدة الوضوح حول النساء وحقوقهنّ.

وتابع: "لم يكن وجود هذه الأجساد بقوة في احتجاجات ثورة 1919 وتنظيمها في ما بعد في لجنة الوفد المركزية للسيدات أولاً، ثم الاتحاد النسائي المصري كافياً لإعطائهنّ حقوقهن السياسية في دستور 1923، إلا أنهن انتزعن حقهن في التعليم". وأضاف: "أصبح بالفعل وجود النساء في المجال العام - على الأقل للتعليم - وتحرر أجساد النساء من مختلف الطبقات من بعض القيود المرتبطة بالمظهر أكثر قبولاً مجتمعياً".




واعتبر التقرير أن "الثلاثينيات والأربعينيات تظهر هذا التحول بوضوح، وبدأت تظهر كيانات وجمعيات ومجلات نسائية تهتم وتطالب بحقوق النساء، فعلى سبيل المثال أسست فاطمة نعمت راشد الحزب النسائي المصري في 1942، كما بدأت درية شفيق في تحرير مجلة "المرأة الجديدة" عام 1936، ثم أسست مجلة بنت النيل في 1945، ثم اتحاد بنت النيل عام 1948".

وقال: "تكرر مشهد المسيرات النسائية بعد إدراك للقوة الاحتجاجية الجماعية لتلك الأجساد أو كونها تتشارك شيئاً ما، مثل المسيرة التي قادتها درية شفيق برفقة 1500 سيدة واقتحمت البرلمان المصري في فبراير/ شباط عام 1951 للمطالبة بحقوق النساء السياسية، وكذلك المسيرة النسائية الكبرى التي نظمت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 لدعم المقاومة الشعبية في منطقة القناة، وشاركت فيها العديد من النساء والنسويات آنذاك، مثل درية شفيق وسيزا النبراوي وإنجي أفلاطون وسيدات وفديات والحزب النسائي المصري.. إلخ".

بين الأصالة والحداثة والقمع

وتحت عنوان "بين الأصالة والحداثة والقمع"، انتقل التقرير من بدايات تبلور الفكر والحركة النسوية في مصر الملكية إلى الحقبة الناصرية، بعد تولي الضباط الأحرار السلطة في 1952 وتوطيد قبضة عبد الناصر شخصياً على السلطة والمجال العام منذ 1954، وهي فترة اتسمت بوجود واضح للنساء في المجال العام والحركة النسائية/ النسوية، مع تصورات راسخة لدى السلطة عما تريده من أجساد النساء وكيفية تحكمها بها، معتبراً أن "التحكم في أجساد النساء وجنسانياتهنّ جزء أساسي من عملية تشكيل السلطة والدول القومية الحديثة في أغلب السياقات التاريخية".




وتابع: "بينما شجعت الدولة الناصرية النساء على العمل، وأعطى دستور 1956 النساء حق الانتخاب والترشح، إلا أنه في نفس الوقت أزاحت الدولة أجساد نساء أخريات. فكانت درية شفيق من خلال اتحاد بنت النيل تطالب بحقوق النساء السياسية في الانتخاب والترشح قبل ثورة 1952، وبالرغم من تفاؤلها في بداية حكم الضباط الأحرار، إلا أن آمالها سرعان ما تبخرت مع تشكيل لجنة خالية من النساء لوضع دستور مصر الجديد. وقادت شفيق إضرابها الشهير عن الطعام في نقابة الصحافيين مع 8 من زميلاتها عام 1954 للمطالبة بحقوق النساء السياسية، ما أسهم بشكل أساسي في ترجمة تلك الحقوق في دستور 1956، ثم أضربت وحيدة عن الطعام عام 1957 في السفارة الهندية اعتراضاً على "ديكتاتورية" عبد الناصر، وهو ما تسبب في وضعها تحت الإقامة الجبرية، وقضت شفيق 18 عاماً في العزلة حتى وفاتها في 1975، ولم تعد أبداً للمجال العام حتى بعد قرار السادات إعطاءها حريتها. وتلى وضع شفيق تحت الإقامة الجبرية، العديد من أمثلة تقييد الحرية التي عانت منها النساء الناشطات، فتم كذلك القبض على وداد متري عام 1959 لاتهامها بالشيوعية وقضت خمسة أشهر في السجن، وتم اعتقال إنجي أفلاطون أيضاً في نفس العام، وقضت أكثر من أربع سنوات في السجن قبل خروجها عام 1963.

أربعة عقود من المطالبة بالحقوق الجسدية

وتحت عنوان "من السبعينيات إلى الألفينيات: أربعة عقود من المطالبة بالحقوق الجسدية"، أشار التقرير إلى أن تأريخ الموجة النسوية الثالثة بداية الثمانينيات وربطها بظهور وتأسيس عدد من المنظمات والمجموعات النسوية، هي الموجة الثالثة، ومقدماتها بدأت في حقبة السبعينيات، التي شهدت بداية حقيقية للمطالبة بالحقوق الجسدية، ولطرح الأسئلة حول الجسد وحميميته والحب والعذرية والعنف الجنسي في المجالين الخاص والعام. 

وربما فتح السياق العالمي المرتبط بالحركات الطلابية والفنية والنسوية في الستينيات باباً للمطالبة وطرْح أسئلة متعلقة مباشرة بالجسد، إذ اتسمت الستينيات بما سُميت "الثورة الجنسية" التي طرحت فيها بجرأة أسئلة متعلقة بالحريات الجنسية والعلاقات الحميمية.

ثم شكلت التسعينيات نقلة في ما يخص طرح الأسئلة عن ختان الإناث والحقوق الجسدية والصحة الإنجابية، وتحديداً مع إقامة المؤتمر الدولي الثالث للسكان والتنمية، الذي تنظمه الأمم المتحدة عام 1994 في القاهرة.

وتعد قضية الختان من أولى القضايا المرتبطة بالحقوق الجسدية، التي حققت الحركة النسوية من خلالها مكتسبات حقيقية. ففي عام 2008، تم تجريم ختان الإناث في المادة 242 مكرر من قانون العقوبات. وبالرغم من الإشكاليات العديدة المرتبطة بتطبيق تلك المادّة، إلا أن وجودها في حد ذاته كان يعدّ انتصاراً بعد سنوات من النضال.

ورصد التقرير أكثر من واقعة مثيرة للجدل، ففي 25 مايو 2005 الذي سمي بـ"الأربعاء الأسود"، تم الاعتداء على صحافيات وناشطات أمام نقابة الصحافيين. وهدفت الانتهاكات الجنسية الموجهة لأجساد المتظاهرات أو الموجودات في المحيط كـ"نساء"، إلى إزاحة أجسادهن من المجال العام. وإذا كان استخدام العنف أو الحبس تجاه أجساد النساء "المحتجة" أو المعارضة للسلطة أيا كانت أمراً معتاداً في الأزمنة المختلفة، إلا أن استخدام انتهاكات جنسية موجهة للنساء على أساس نوعهن بهذا الوضوح كان أمراً فارقاً.




وتابع: "بدأت قضية العنف الجنسي في البروز بشكل واضح (...) لا تمارس فقط من قبل فاعلي الدولة ولا تستهدف النساء المسيسات فقط، بل تمارس من قبل فاعلين مجتمعيين ومواطنين عاديين. فشهد عام 2006 اعتداءات جنسية جماعية في عيد الفطر أمام دور السينما بوسط البلد، ونشرت على نطاق واسع عبر المدونات الإلكترونية. وفي 2008 حصلت نهى رشدي، على أول حكم متعلق بقضية تحرش جنسي، حن تم حبس المتحرش ثلاث سنوات، وكانت قضية التحرش الجنسي قد اكتسبت زخماً كبيراً".

وفي العام نفسه شكلت 16 منظمة "قوة عمل مناهضة العنف الجنسي"، وقدمت مقترحاً لتعديل قانون العقوبات في ما يخص موادّ العنف الجنسي عام 2010.

كما كان مركز النديم يعمل على قضية العنف الأسري منذ 2005، وتتويجاً لهذه الجهود قدم المركز مشروع قانون لبرلمان 2010 حول العنف الأسري. وسبق ذلك في 2009 إعداد مشروع قانون لمناهضة التحرش الجنسي من المجلس القومي للمرأة، استجابة لضغط المجموعات النسوية.

وخلص التقرير إلى أنه "مع نهاية العقد الأول من الألفينيات كانت قضية العنف على أساس النوع - وتحديداً التحرش الجنسي - محل اهتمام من الحركة النسوية وتشكل إحدى أولوياتها".

أسئلة الجسد والجنسانية

وتحت عنوان "تطور أسئلة الجسد والجنسانية بعد يناير/ كانون الثاني 2011"، أشارت الورقة إلى أن فتح المجال العام مع أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 أدى إلى تدفق آلاف الشابّات إلى المجال العام، وتعدّ الموجة النسوية التي تلت ثورة يناير هي موجة الحقوق الجسدية وأسئلة الجسد بامتياز، مع ارتباط ذلك بنضال النسويات للعقود الثلاثة التي سبقت الثورة على قضايا الختان والعنف الجنسي.

وتابع: "شكلت ثورة يناير اختلافين أساسيين في ما يخص التعامل مع قضايا الجسد؛ أولهما مرتبط بتناول قضية العنف الجنسي نفسها، الذي شهد تحولاً بعد ثورة يناير، وثانيهما مرتبط بطرح قضايا أخرى متعلقة بالحقوق الجسدية والجنسية بشكل أكثر جرأة وانفتاحاً من ذي قبل، لتجعل قضايا الجسد بشكل عام أحد الأسئلة والقضايا المحورية داخل الحركة النسوية المصرية حالياً والمطروحة دائماً إلى النقاش التطور". 

ولفت التقرير إلى أن "أحداث ثورة يناير وتبعاتها شهدت وقائع عنف جنسي مروّعة في محيط التظاهرات والتجمعات، بالأخص الفترة ما بين 2011 و2014، وبدأت جرائم العنف الجنسي المعروفة أو الموثقة منذ فبراير/ شباط 2011 حينما تعرضت مراسلة أجنبية وهي مراسلة قناة سي بي إس لاعتداء جنسي جماعي أثناء تغطيتها للأحداث في ميدان التحرير".

 

دلالات
المساهمون