04 أكتوبر 2014
"ليس باسمنا".. ليتبرأ المسلمون من المتطرفين
تمادى المتطرفون المتلفعون بعباءة الإسلام من "القاعدة" وشبيهاتها في الإساءة للإسلام وأهله. وتمادى المسلمون في الصمت على أفعال هؤلاء المشينة، والتي من أمثلتها ضرب برجي التجارة الذي كان يعمل ويعيش فيه مدنيون، بطائرات خطفت، وعلى متنها مدنيون، إلى الفحش المسلكي الذي ترتكبه "طالبان" في خنق الحياة المدنية الحضرية، من إغلاق مدارس وخنق النساء وملاحقة العاملين في الإعلام والتعليم، إلى "بوكو حرام" التي لم تترك موبقة تسيء للإسلام، وسمعة أهله، إلا وارتكبتها باسم هذا الدين، إلى "داعش" التي تسللت في غفلة عن الجميع، وراحت تنحر السوريين نحر الدجاج، وتعين النظام عليهم.
متى يتبرأ المسلمون من "القاعدة" وشبيهاتها؟ والقصد، هنا، تبرؤ المجتمعات الإسلامية نفسها منهم، لا تبرؤ شيخ هنا، أو كاتب هناك. أفهم أن غالبية الصامتين لا يقبلون مسلك تلك الجماعات المتطرفة، ولا يحتملون أن تعيش بينهم، تفرض عقليتها عليهم، لكن المجتمعات المسلمة، ومنذ ضرب برجي التجارة، تصمت على أفراد هذه الجماعات وفكرهم، جهلا في أصول التصدي لها، أو كيداً بالآخر، العدو الذي لن يتمكنوا من مواجهته، ولا ساعدهم المجتمع الدولي على ذلك، وهو اللاهي عنهم بضعف مؤسساته، أو بمصالح "قبضاياته" المائية والحدودية وموارد النفط والغاز التي تدفعهم لغضّ البصر عن انتهاكات إنسانية، في مقابل مكاسب لدولهم. وضربة البرجين كانت خير مثال على ذلك، فقد تمّت في بلد يساند إسرائيل، ويدعم ظلمها الفلسطينيين، وقضمها أراضي الجوار. النتيجة أن يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 كان يوم تشف بالأعداء، وأسلوب انتقام لن يحقق أي أمر إيجابي، غير أن الكيد لا يصيب قلب العدو فقط، بل يرتدّ إلى المتفرجين، ولو كانوا على بعد مسافة عنه. والصمت عن إدانة هذا التطرف من نخب المجتمعات المسلمة يقدّم للأجيال الشابة نموذجاً يتطلعون إليه، وسط إحباطاتٍ، سببها بيئة متخلفة، لا تقدّم الحلول لمشكلات شعوبها، ولا تتيح هامش الحرية والشعور بالكرامة، أو القدرة على تحقيق إنجاز ما عبر طاقاتهم المتفجرة.
ولا يجب أن ننسى أنه كلما تفاقم التطرف "الإسلامي" في العالم، ارتدّت صفة الإرهاب إلى الدين نفسه، وإلى أتباعه، وهذا ما راح يتثبت، الآن، في الخطاب الإعلامي العالمي الذي يمنح كل هؤلاء القتلة النسبة إلى الإسلام، فيرتبط الفعل القبيح بالدين، وبكل من حمل هوية إسلامية، مجتمعات وأفراداً. إلى متى ستبقى المجتمعات الإسلامية سلبية حيال استخدام الإسلام مظلة للانتقام والقتل وارتكاب موبقات أخلاقية، كما يحصل الآن من خطف لفتيات مدارس في نيجيريا على يد "بوكو حرام"، واستباحة أرواحهن وأجسادهن؟ إلى متى تصمت المجتمعات الأهلية والمدنية المسلمة، بنخبها أو عامتها، على سرقة الدين، ليكون قناعاً للوحشية ضد الآخرين، وهي التي لا تكف عن التغني بسماحة الإسلام؟
على المسلمين إدراك أن هناك جهات دولية وإقليمية ومحلية تحرّك تلك الجماعات لمصالحها، وهؤلاء الممولون، أو الداعمون، إما أنهم يحملون عقلية متخلفة عن الركب الحضاري، ولا يفهمون من الإسلام شيئاً، أو يستغلون، عن سبق إصرار وتصميم، جهل الشعوب ومظلوميتها، فيوجهونها باتجاه مآربهم الخاصة، في مقابل تمويلهم وتسليحهم. لقد نُفخت الروح بـ "طالبان" أواخر السبعينيات، وتمّ تكوين "القاعدة" في الفترة نفسها، فترة الصراع البارد بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة اللذين جعلا من أفغانستان ساحة له، وها هي البلاد بعد عقود لا تطور خلالها المجتمع الأفغاني ولا استقر، بل تمادت "طالبان" في غيّها، وفي محاولتها إعادة الشعب إلى العصور الحجرية.
هل من داع للتذكير بأن المجتمعات الإسلامية عايشت، لقرون، أَديانا وثقافات أخرى، وحمت بظلها اليهودية والمسيحية والأقليات الدينية والقومية. لم تفعل، على سبيل المثال، ما فعلته الكاثوليكية الإسبانية في القرون الوسطى التي حين طردت الحكام المسلمين من الأندلس لم تحتمل بقاء المسلمين على دينهم، ولا احتملت اليهود أيضا، فنكلت بهم، وطردتهم خارج حدودها، ولم يجد غالبيتهم ملجأ أفضل من المجتمعات الإسلامية في شمال إفريقيا وشرق المتوسط وتركيا، مستقرا.
ما الذي تغيّر في العصر الحديث، إذن، حتى نبتت نماذج "القاعدة" وشبيهاتها؟ إنها "المظلومية" التي مرت على الشعوب المسلمة، الممزوجة بالجهل، المجرّدة من أدوات تغييرٍ مؤسساتية ديمقراطية، تعبّر عن نفسها في حالة انتقام من النفس، ومن الآخر، منطلقة من الشعور بالتهميش الذي جعلها خارج سياق حركة الزمن وإنجازاته، بحيث أن الإسلام، دينها، الذي بدأ بكلمة "إقرأ"، وجاء في الآية الكريمة "علم الإنسان ما لم يعلم"، تسوّقه الآن هذه المجموعات المتطرفة رمزاً للظلامية والارتداد إلى ما قبل التحضر البشري، بل وتتبجح إحداها بتسمية نفسها باسم مضاد للعلم والقراءة، مثل مجموعة (بوكو حرام). وهؤلاء الجهلة الذين لا يعرفون من الإسلام تاريخه وسياقاته لم يسمعوا أن من جاء برسالة هذا الدين، ناشد أمته بـ "طلب العلم ولو بالصين"، لكي يعطي مثلاً على جلالة العلم الذي تُطلب من أجله مشقة السفر والغربة، وكانت الصين، آنذاك، أقصى نقطة في العالم.
حقاً، صادمة هي النسخ المشوهة من رسالة نبيّ الإسلام، عندما يُغير أتباعها في هذا الزمن على المدارس، ويعوقون التعليم، يستميلون الأطفال الذكور إلى القتال، وإعادة إنتاج التخلف والقهر، ويرجعون الإناث إلى البيوت ملفوفات بالأقمشة التي تعمي قلوبهن قبل الأبصار. وبدل أن يقف المسلمون في موقف الصدّ والدفاع، أمام العالم المصاب برهاب الإسلام، ويكتفون ببكائيات تتهمه بالمبالغة، فليعلنوا تبرؤهم من تلك الجماعات المتطرفة بكل نسخها، وليكن ذلك ضمن حملة عامة، تفك ارتباطاً يحاول التطرف أن يعقده مع الإسلام، أو مع مذاهب منه. ولنعلنها عالياً أنه "ليس باسمنا، ترتكب هذه الفظاعات، وأننا لا نحسب مسلكهم إسلاماً، ولا نحسبهم مسلمين"، ولا يجوز منحهم بصمتنا، حاضنة لفظاعاتهم التي فاقت الخيال. بالتأكيد، ينبغي أن تكون هذه الدعوة مرفوقة بالانفتاح على حرية الرأي وحقوق الإنسان، والتصدي للفساد الذي يسرّب الدخل القومي وأموال المساعدات بعيداً عن التنمية، وهذا أقل ما يمكن أن تحمله المجتمعات من مسؤولية أخلاقية، لعلها تستعيد بعض جيل شبابها المتخبط في عتمة المتاهة.
متى يتبرأ المسلمون من "القاعدة" وشبيهاتها؟ والقصد، هنا، تبرؤ المجتمعات الإسلامية نفسها منهم، لا تبرؤ شيخ هنا، أو كاتب هناك. أفهم أن غالبية الصامتين لا يقبلون مسلك تلك الجماعات المتطرفة، ولا يحتملون أن تعيش بينهم، تفرض عقليتها عليهم، لكن المجتمعات المسلمة، ومنذ ضرب برجي التجارة، تصمت على أفراد هذه الجماعات وفكرهم، جهلا في أصول التصدي لها، أو كيداً بالآخر، العدو الذي لن يتمكنوا من مواجهته، ولا ساعدهم المجتمع الدولي على ذلك، وهو اللاهي عنهم بضعف مؤسساته، أو بمصالح "قبضاياته" المائية والحدودية وموارد النفط والغاز التي تدفعهم لغضّ البصر عن انتهاكات إنسانية، في مقابل مكاسب لدولهم. وضربة البرجين كانت خير مثال على ذلك، فقد تمّت في بلد يساند إسرائيل، ويدعم ظلمها الفلسطينيين، وقضمها أراضي الجوار. النتيجة أن يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 كان يوم تشف بالأعداء، وأسلوب انتقام لن يحقق أي أمر إيجابي، غير أن الكيد لا يصيب قلب العدو فقط، بل يرتدّ إلى المتفرجين، ولو كانوا على بعد مسافة عنه. والصمت عن إدانة هذا التطرف من نخب المجتمعات المسلمة يقدّم للأجيال الشابة نموذجاً يتطلعون إليه، وسط إحباطاتٍ، سببها بيئة متخلفة، لا تقدّم الحلول لمشكلات شعوبها، ولا تتيح هامش الحرية والشعور بالكرامة، أو القدرة على تحقيق إنجاز ما عبر طاقاتهم المتفجرة.
ولا يجب أن ننسى أنه كلما تفاقم التطرف "الإسلامي" في العالم، ارتدّت صفة الإرهاب إلى الدين نفسه، وإلى أتباعه، وهذا ما راح يتثبت، الآن، في الخطاب الإعلامي العالمي الذي يمنح كل هؤلاء القتلة النسبة إلى الإسلام، فيرتبط الفعل القبيح بالدين، وبكل من حمل هوية إسلامية، مجتمعات وأفراداً. إلى متى ستبقى المجتمعات الإسلامية سلبية حيال استخدام الإسلام مظلة للانتقام والقتل وارتكاب موبقات أخلاقية، كما يحصل الآن من خطف لفتيات مدارس في نيجيريا على يد "بوكو حرام"، واستباحة أرواحهن وأجسادهن؟ إلى متى تصمت المجتمعات الأهلية والمدنية المسلمة، بنخبها أو عامتها، على سرقة الدين، ليكون قناعاً للوحشية ضد الآخرين، وهي التي لا تكف عن التغني بسماحة الإسلام؟
على المسلمين إدراك أن هناك جهات دولية وإقليمية ومحلية تحرّك تلك الجماعات لمصالحها، وهؤلاء الممولون، أو الداعمون، إما أنهم يحملون عقلية متخلفة عن الركب الحضاري، ولا يفهمون من الإسلام شيئاً، أو يستغلون، عن سبق إصرار وتصميم، جهل الشعوب ومظلوميتها، فيوجهونها باتجاه مآربهم الخاصة، في مقابل تمويلهم وتسليحهم. لقد نُفخت الروح بـ "طالبان" أواخر السبعينيات، وتمّ تكوين "القاعدة" في الفترة نفسها، فترة الصراع البارد بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة اللذين جعلا من أفغانستان ساحة له، وها هي البلاد بعد عقود لا تطور خلالها المجتمع الأفغاني ولا استقر، بل تمادت "طالبان" في غيّها، وفي محاولتها إعادة الشعب إلى العصور الحجرية.
هل من داع للتذكير بأن المجتمعات الإسلامية عايشت، لقرون، أَديانا وثقافات أخرى، وحمت بظلها اليهودية والمسيحية والأقليات الدينية والقومية. لم تفعل، على سبيل المثال، ما فعلته الكاثوليكية الإسبانية في القرون الوسطى التي حين طردت الحكام المسلمين من الأندلس لم تحتمل بقاء المسلمين على دينهم، ولا احتملت اليهود أيضا، فنكلت بهم، وطردتهم خارج حدودها، ولم يجد غالبيتهم ملجأ أفضل من المجتمعات الإسلامية في شمال إفريقيا وشرق المتوسط وتركيا، مستقرا.
ما الذي تغيّر في العصر الحديث، إذن، حتى نبتت نماذج "القاعدة" وشبيهاتها؟ إنها "المظلومية" التي مرت على الشعوب المسلمة، الممزوجة بالجهل، المجرّدة من أدوات تغييرٍ مؤسساتية ديمقراطية، تعبّر عن نفسها في حالة انتقام من النفس، ومن الآخر، منطلقة من الشعور بالتهميش الذي جعلها خارج سياق حركة الزمن وإنجازاته، بحيث أن الإسلام، دينها، الذي بدأ بكلمة "إقرأ"، وجاء في الآية الكريمة "علم الإنسان ما لم يعلم"، تسوّقه الآن هذه المجموعات المتطرفة رمزاً للظلامية والارتداد إلى ما قبل التحضر البشري، بل وتتبجح إحداها بتسمية نفسها باسم مضاد للعلم والقراءة، مثل مجموعة (بوكو حرام). وهؤلاء الجهلة الذين لا يعرفون من الإسلام تاريخه وسياقاته لم يسمعوا أن من جاء برسالة هذا الدين، ناشد أمته بـ "طلب العلم ولو بالصين"، لكي يعطي مثلاً على جلالة العلم الذي تُطلب من أجله مشقة السفر والغربة، وكانت الصين، آنذاك، أقصى نقطة في العالم.
حقاً، صادمة هي النسخ المشوهة من رسالة نبيّ الإسلام، عندما يُغير أتباعها في هذا الزمن على المدارس، ويعوقون التعليم، يستميلون الأطفال الذكور إلى القتال، وإعادة إنتاج التخلف والقهر، ويرجعون الإناث إلى البيوت ملفوفات بالأقمشة التي تعمي قلوبهن قبل الأبصار. وبدل أن يقف المسلمون في موقف الصدّ والدفاع، أمام العالم المصاب برهاب الإسلام، ويكتفون ببكائيات تتهمه بالمبالغة، فليعلنوا تبرؤهم من تلك الجماعات المتطرفة بكل نسخها، وليكن ذلك ضمن حملة عامة، تفك ارتباطاً يحاول التطرف أن يعقده مع الإسلام، أو مع مذاهب منه. ولنعلنها عالياً أنه "ليس باسمنا، ترتكب هذه الفظاعات، وأننا لا نحسب مسلكهم إسلاماً، ولا نحسبهم مسلمين"، ولا يجوز منحهم بصمتنا، حاضنة لفظاعاتهم التي فاقت الخيال. بالتأكيد، ينبغي أن تكون هذه الدعوة مرفوقة بالانفتاح على حرية الرأي وحقوق الإنسان، والتصدي للفساد الذي يسرّب الدخل القومي وأموال المساعدات بعيداً عن التنمية، وهذا أقل ما يمكن أن تحمله المجتمعات من مسؤولية أخلاقية، لعلها تستعيد بعض جيل شبابها المتخبط في عتمة المتاهة.