"لكن العاصفة تهبّ من الجنة" فن شرق أوسطي

21 يونيو 2016
معرض "لكن العاصفة تهب من الجنة" (العربي الجديد)
+ الخط -
"لكن العاصفة تهب من الجنة: فن معاصر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، تحت هذا العنوان يحتضن متحف غوغنهايم في نيويورك معرضاً يشارك فيه 17 فنانًا وفنانة يتناولون في أعمالهم مواضيع عديدة، تبدأ بالسياسي والاجتماعي ولا تنتهي عند العمارة والرياضيات والهندسة. المعرض المستمر حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول، يبدو كجامع لفنون وجنسيات مختلفة، إذ إن الأساليب المستعملة والأدوات المستخدمة متنوعة لأقصى حد، فمن اللوحة إلى الفيديو الآرت والتجهيز وغيرها من الفنون. أما المشاركون فمن مصر وتونس والسعودية والجزائر ولبنان وأفغانستان وإيران وباكستان وتركيا وغيرها.

يتوزع المعرض في قاعتين منقسمتين بجدران تفصل أحيانًا بعض الأعمال عن بعضها الآخر، وتجمع بينها في أحيان أخرى وفي المكان نفسه من دون أن يكون هناك رابط واضح بينها. ويشكل توزيع الأعمال الفنية بحد ذاته تحديًا لأسباب عدة، من بينها تلك التي يفرضها البناء المعماري لمتحف غوغنهايم نفسه من الداخل، إذ له شكل لولبي يمتد على جميع الطوابق فيصعد الزائر إليها ويتنقل بينها، وكأنه يمشي داخل أسطوانة يتوسطها الفراغ، ويحيطه في كل خطوة عمل ما على الجدران المنحنية في شكلها المتناسب مع شكل الأسطوانة. في بعض تلك الطوابق يأخذ التصميم تعرجًا داخليًا إضافيًا، يحيل الزائر إلى القاعات المختلفة التي تحتضن في العادة معارض فنية متنوعة ومتباينة. لا شك أن لتوزيع فضاء العرض الفني وتصميمه وطريقة تقسيمه، تأثيرًا على تلقي العمل الفني لدى الناظر وعلى الأعمال المعروضة سلبًا أو إيجابًا.

قلب المعرض

قلب المعرض هو عمل للفنانة نادية كعبي - لينكه، وهي من مواليد تونس وتعيش حاليًا في برلين. تتميّز أعمالها بحرفية عالية واستخدام أساليب فنية حديثة مختلفة، من بينها تقنية "النحت بالفضاء". ترتكز هذه التقنية على جزئين يركبان العمل وهما المادة وظلها، بحيث يكون ظل العمل وانعكاسه على محيطه، جزءًا أساسيًا من العمل وليس مصادفة أو جزءاً ثانويًا. صنعت كعبي - لينكه عملها بتقنية متقدمة. وقد استغرق تركيبه داخل المتحف عشرة أيام كاملة، أي حوالي 100 ساعة عمل، وبمساعدة سبعة أشخاص. يحمل عملها عنوان "البساط الطائر". لكن الزائر الذي يمكنه أن يتجول تحته بل وحتى أن يلمسه، يشعر أن العمل أقرب في شكله إلى المدرج منه إلى البساط، وهو ما تفسره فكرة العمل. حيث قامت الفنانة بمرافقة مجموعة من تجار البضائع في الشوراع من المهاجرين من أفريقيا إلى جنوب أوروبا. وأعادت تصميم الشكل الهندسي للقماشة والدرج في الشوراع التي كان هؤلاء يضعون أغراضهم فوقها لتصنع منها شكلًا مثيرًا يفاجئ الزائر بحجمه من جهة، ومن جهة أخرى الدقة في عمله وتعقيد تركيبته، رغم "البساطة الظاهرية" في شكله للوهلة الأولى. ويتكون العمل من 2500 سلك مطاطي تربط سطحه، المثبت بأسلاك تثبته بسقف المتحف، وبقاعدته المعلقة بالهواء. ويصل وزنه إلى حوالي 225 كيلوغراما. يعالج العمل موضوع الهجرة والغربة والتنقل من أجل حياة أفضل، من دون أن يسمي بلدًا بعينه.

متحف غوغنهايم/ فن من الشرق الأوسط 

استحوذ عمل كعبي - لينكه على قاعة العرض التي وضع في وسطها، على نحوٍ بدت فيه أعمال الفنانين الآخرين ضئيلة ليس فقط بسبب حجمها مقارنة بضخامته، بل كذلك بسبب قربها منه، ما يجعل الزائر يوليها اهتمامًا أقل. إذ إن ظلال عمل كعبي - لينكه تسيطر على المكان.
وأحد تلك الأعمال المثيرة، عمل للفنان الإيراني راكين هاريزاده. يأخذ هاريزاده صورا فوتوغرافية تصدرت مواضيعها نشرات الأخبار أو شغلت وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يقوم بطباعتها أو إعادة تركيبها بعدة طرق، من بينها الرسم فوق الصورة الفوتوغرافية الأصلية أو عمل كولاج منها. في رسمه فوقها، يخطط أشكالًا لحيوانات مستوحاة من الميثولوجيا الفارسية القديمة، ويحوّل تلك الصور الفوتوغرافية ومواضيعها إلى عالم من "الغروتيسك"، ساخرًا من تناقضات وعبث العالم الذي نعيش فيه.


متحف غوغنهايم/ فن من الشرق الأوسط 

أثر غرداية في لوكوربوزييه

تتعامل العديد من الأعمال مع ثيمة العمارة وبأساليب مختلفة. من أبرزها عمل للفنان الجزائري الأصل قادر عطية، مواليد فرنسا ومقيم في برلين. وهو فنان فوتوغرافي وكذلك فنان تجهيزات وأعمال مركبة. يتناول عطية في عمله ثيمة الاستعمار من باب العمارة. ويأخذ موضوع تأثير عمارة مدينة غرداية الجزائرية، التي يعود تأسيسها إلى حوالي المئة العاشرة بعد الميلاد، على المعماري السويسري/ الفرنسي لوكوربوزييه الذي يعدّ من مؤسسي "عمارة الحداثة" في القرن العشرين. ويشير عطية في التقديم المصاحب للعمل، إلى أنه فوجئ عندما علم بتأثر لوكوربوزييه بمعمار غرداية والتخطيط المديني بعدما زارها في الثلاثينيات من القرن الماضي، من دون أن يشير للأمر في أدبياته. تميّزت تلك العمارة بأشكال منحنية دائرية من الطين والرمل وبنائها المنظم والاقتصادي، وهو ما تأثر به لوكوربوزييه لاحقًا، وظهر في عدة أعمال له ، خاصة تلك التي بنيت في باريس. واستخدم عطية مجسمًا لعمارات في منطقة وادي ميزاب، وأعاد تصنيعها من مادة "الكسكس"، والمعروفة كذلك باستخدامها في مطبخ تلك البلاد لأكثر من ألف عام. ويلفت عطية بذلك الانتباه إلى "سرقة" العمارة وأفكارها من المناطق المستعمرة، من دون أن يقوم هؤلاء "المستعمرين" ولو بذكر تأثير البلاد المستعمَرة فيهم. على الجدار، وضع عطية صوراً فوتوغرافية لبنايات صممها لوكوربوزييه، وصوراً لعمارة غرداية وكذلك صورة لوكوربوزييه. تحاول هذه الصور كما المجسّم إظهار تلك العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر التي لا تبدو دائما ظاهرة للعيان.

متحف غوغنهايم/ فن من الشرق الأوسط 

لا شك أن جمع 17 فنانًا يشكل تحديًا من ناحية طريقة العرض وترتيبها كما من ناحية العلاقة غير المباشرة أو المباشرة بين تلك الأعمال المنجزة بشكل منفرد، وهنا يأتي دور المسؤول عن المعرض، أي القيّم، ورؤيته، وخاصة أن المعرض يأخذ خلفيات الفنانين الجغرافية، أي أصولهم، كهمزة وصل بين أعمالهم، ويضعها بوعي أو من دونه تحت المظلة نفسها. لكن السؤال هو: هل تكفي أصول هؤلاء الفنانين لعرض أعمالهم في المعرض نفسه؟ كما أن جمع هذا العدد من الأعمال في قاعتين صغيرتين نسبيًا يجعل الاستمتاع بها والتعامل معها ناقصًا، وهي إشكالية تظهر في الكثير من المعارض الجماعية.
المساهمون