"قلمون" 29: استعادة إرث يوسف سلامة الفلسفي

12 أكتوبر 2024
مفهومه عن "الجامعة السورية" شكّل الأساس النظري لتجاوز الأيديولوجيات الشمولية
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ركز العدد التاسع والعشرون من "قلمون" على إرث يوسف سلامة الفلسفي، مستعرضًا مساهماته في المواطنة والدولة والديمقراطية، واهتماماته بالمنطق والفينومينولوجيا والتصوف، وتأثير حالته الصحية على توجهاته الفكرية.
- تضمنت الدراسات مقارنات بين مفاهيمه الفلسفية والسياسية، مثل الجامعة السورية والدولة الوطنية، وناقشت مقاربات متعددة لفلسفته، بما في ذلك السلب والفينومينولوجيا والتجربة الصوفية.
- شمل العدد دراسات متنوعة حول البرجوازية الوطنية السورية، وتحولات يهود سورية في القرن التاسع عشر، وظاهرة التخفّي في السياسة، مع مراجعات لكتب تتعلق بالفكر السياسي والتاريخي السوري.

شكّلت مؤلّفات أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 - 2024) حالة خاصة في النقاش الفلسفي العربي المعاصر. وضمن هذا السياق صدر عن "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" في إسطنبول العدد التاسع والعشرون من "قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية"، وتضمّن ملفّاً خاصّاً حول صاحب "من السلب إلى اليوتوبيا.. دراسة في هيغل وماركيوز" (2008) وإسهاماته الفكرية حول المواطنة والدولة والديمقراطية ومستقبل سورية، وكذلك حول أفكاره عن المنطق والفينومينولوجيا والتصوف.

عنيت دراسات الملفّ بقراءة فلسفة يوسف سلامة في هذه الميادين. فقد وجدت ورقة عبد الباسط سيدا، "الجامعة السورية ونقد وهم الهوية عند يوسف سلامة"، أن مفهوم الجامعة السورية عند سلامة، بوصفه الأساس النظري الفلسفي لأيديولوجية سياسية مستقبلية، قادر على تجاوز ثغرات الأيديولوجيات الشمولية السابقة، وانعكاساتها السلبية في الاجتماع السوري. وسعى سيدا في بحثه إلى المقارنة معرفيّاً وسياسيّاً بين مفهومَي الجامعة السورية والدولة الوطنية عند سلامة من ناحية ومفهوم المشروع الوطني السوري من ناحية أُخرى.

أمّا خلدون النبواني فحاول في دراسته "عيون العقل عند يوسف سلامة" مساءلة سبب اهتمام  سلامة بفينومينولوجيا أدموند هوسرل التي كتب حولها رسالته الأكاديمية الأولى. تنطلق الدراسة من افتراض وجود علاقة مُمكنة بين حالة الضعف البصري التي ألمّت بسلامة واهتماماته اللاحقة بالفلسفات العقلية على حساب الفلسفات المادية والحسية. ومن هنا، يرى الباحث أن سلامة كان أكثر اعتماداً على الصوت الشفاهي المسموع من الكلمة المكتوبة مثله مثل سقراط.

تضمّن الملف خمسة أبحاث تناولت إرث يوسف سلامة من جوانب فكرية مختلفة 

"الفكر السالب ومسالك اليوتوبيا: مدخل لقراءة يوسف سلامة" عنوان دراسة شادي كسحو الذي يُناقش فيها مفهوم السّلب عند سلامة من وجهة نظر أنطولوجية قائمة على جدل العلاقة بين الذات والموضوع، مقترحاً تعريفاً للسلب بوصفه رؤية فلسفية يسعى سلامة من خلالها إلى حَرْف الوجود وزحزحته عن كلّ أشكاله وتمثّلاته القارّة والثابتة.

تضمّن الملفّ أيضاً دراسة بعنوان "مقاربات سلامة الفينومينولوجيّة للمنطق والدين وفلسفة الحياة" لوصال العش، توقفت فيها عند ما عدّته "وجوه الجدّة الفلسفيّة" عند سلامة من خلال التركيز على طريقته الدقيقة في بسطه إشكالية المنطق عند إدموند هوسرل، وعبر تعقّبه أُسس المنطق، وتأثيره في حياة الإنسان وفهمه للعالم.

وتناولت دراسة نادرة خوجة، "هيرمينوطيقا التجربة الصوفية عند يوسف سلامة"، دلالات التجربة الصوفية وأبعادها المعرفية عند سلامة من خلال تتبّع حركة الذات، وما تمرّ به من أحوال ومقامات وخبرات في رحلتها نحو الاتصال بالمطلق. وترى الباحثة أن التجربة الصوفية في فكره تختزن أُفقاً وجوديّاً قائماً على خبرات حدسية وشعورية تتجاوز المدوّنة الدينية الرسمية القائمة على ظاهرية النص الديني، وتستند إلى فهم فلسفي خاص يمنح الذات قدرة فائقة على التحرّر من القيود والسجون الأيديولوجية والعقلية، وذلك عبر تجربة داخلية فريدة تستند إلى الحدس والخيال والإبداع.

أمّا قسم الدراسات، فاشتمل على ثلاث منها خارج الملف، حلّلت الدراسة الأولى لحسين القاضي، "البرجوازية الوطنية السورية بين الماضي الحاضر والمستقبل"، دور البورجوازية الوطنية في سورية من الناحية الاقتصادية، والمنعكسات السياسية لهذا الدور منذ انتهاء الحكم العثماني حتى اليوم. كما توقفت عند الأزمة التي عاشتها البورجوازية الوطنية خلال مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، ثم تحوّل بعض عناصر هذه البورجوازية إلى بورجوازية "كومبرادورية" تعيش على السمسرة، بعد خضوع سورية لحكم "حزب البعث العربي الاشتراكي"، أما بعضها الآخر، فلم يعد له دور مهم في الاقتصاد السوري إلّا في مجال الصناعة الحرفية أو التجارة أو المقاولات التي تخدم القطاع العام.

وبيّنت دراسة حسن الخطيب، "التحولات البنيوية ليهود سورية في القرن التاسع عشر"، أنّ حياة اليهود في سورية شهدت تحوّلات بنيوية منذ القرن التاسع عشر، وذلك تحت تأثير عاملين مهمّين هُما: التدخّل الأوروبي في شؤون الدولة العثمانية، والتنظيمات العثمانية التي سعت لإنهاء نظام الذمّة الإسلامي والتحوّل إلى نظام المواطنة الحديث على النمط الأوروبي. 

وعنيت الدراسة الثالثة، "التخفي والتواري في الحياة السياسية السورية" لعمر كوش، بظاهرة التخفّي والتواري عن أعيُن السلطة في الحياة السياسية في سورية، مع التركيز على مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وخاصّة مرحلة النظام الأسدي، بنسختيه الأب والأبن. وأراد الباحث من ورقته الكشف عن وجه لم يُدرَس من أوجه التجربة السورية العامّة التي تتعلّق بحياة السوريين ونضالهم من أجل أن يصبحوا مكشوفي الآراء والأصوات والوجوه.

وفي باب الترجمات، تضمّن العدد دراسة بعنوان "آفاق المستقبل السوري: التسرّب والزمنية والتجربة التاريخية في تنوّعها" لأندرياس باندك بترجمة أحمد عيشة. يقدّم هذا البحث بعض التأمّلات النظرية حول طرق تفكير السوريين في المستقبل، وتعاطيهم معه، وذلك في سياق الحديث عن ارتباطاتهم المتنوّعة والمتغيّرة بالماضي، وهي ارتباطات وجدها الباحث حاسمة في فهم كيفية تحرّك السوريين نحو آفاق مستقبل مختلفة.

يُضاف إلى ما سبق ثلاث مراجعات كتب؛ الأولى لكتاب يوسف سلامة "الإسلام والتفكير الطوباوي: هل الإسلام يوتوبيا؟" قدّمها محمد عثمان محمود، والثانية لكتاب جيمس ل. غفلين "الولاءات المتضاربة: القومية والسياسة في سورية مع أفول شمس الإمبراطورية" أنجزها عمّار ديوب، أما الثالثة، فلكتاب "تطوّر سوريا السياسي في ظل الانتداب" للسياسي السوري إدمون ربّاط أنجزها عمار السمر.

يُذكر أن "مجلّة قلمون" دورية فصلية محكّمة يصدرها "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" منذ 2017، وقد ترأّس تحريرها منذ تأسيسها يوسف سلامة حتى رحيله في الرابع من آذار/ مارس 2024، مشرفاً بذلك على إصدار سبعة وعشرين عدداً، بحثت ملفّات هذه الأعداد في المجتمع السوري والسياسة والاقتصاد والعسكرة والدين والفنّ والأدب، واختتمها بملفّ عن الآثار السورية.

المساهمون