"لقاء الخوف" بين ترامب ونتنياهو اليوم: دعم أميركي بقيود

15 فبراير 2017
طالب نتنياهو بعدم استفزاز الإدارة الأميركية (ليور مزراحي/Getty)
+ الخط -
قلّل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عشية توجهه إلى واشنطن وفور وصول طائرته إليها بانتظار لقائه اليوم مع الرئيس دونالد ترامب، من سقف التوقعات المرجوة من اللقاء بينهما، في محاولة استباقية منه لتبرئة نفسه في وجه ضغوط اليمين الديني الاستيطاني، ومزايدات خصومه الداخليين في حزب الليكود. 

نتنياهو، الذي كان قد انضم بعد انتخاب ترامب إلى جوقة القائلين في إسرائيل بأن وصول الأخير إلى البيت الأبيض فرصة تاريخية لإسرائيل، حرص قبل صعوده الطائرة إلى واشنطن، على القول إنه سيعمل على تعزيز التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة، وحماية مصالح الأمن القومي لإسرائيل وفق قيادته هو لدفة الأمور. واستحضر نتنياهو نفس العبارة التي استخدمها إسحاق رابين عندما تغلب بعد صراع مرير دام 17 عاماً، على خصمه اللدود شمعون بيريز، في الانتخابات التمهيدية (البرايمرز) لحزب العمل في عام 1992. فقد استهل رابين خطاب النصر يومها بجملة "أنا سأقود وأنا سأوجه السفينة"، في إشارة من رابين إلى أنه لا يعتزم تقديم تنازلات لخصمه شمعون بيريز. لكن نتنياهو قصد من عبارته الرد على زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، الذي كان طالب نتنياهو في الأيام الأخيرة، ومعه أيضاً عدد من وزراء الليكود، باستغلال فرصة اللقاء مع ترامب من أجل "طي مشروع حل الدولتين نهائياً".



وعلى الرغم من أن نتنياهو قال إنه وترامب "يتشاركان نفس الرؤية بشأن الأخطار الكبيرة في المنطقة، ولكن أيضاً الفرص السانحة وسنتحدث عن الاثنين بطبيعة الحال"، إلا أنه بات واضحاً، وفق تقديرات الطرف الإسرائيلي أيضاً، أن التأييد المطلق الذي أعلن عنه ترامب مراراً خلال حملته الانتخابية لن يكون على أرض الواقع بمثابة شيك مفتوح.  

وعلى الرغم من الضجيج القائم في إسرائيل بشأن "الفرصة التاريخية" التي يوفرها انتخاب ترامب، إلا أنه يبدو أن نتنياهو بات يدرك أن الإدارة الجديدة رغم ميولها الواضحة لجهة دعم إسرائيل، إلا أن هذا الدعم لن يكون بدون قيود. وقد أقرّ نتنياهو بذلك خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت"، التي انعقدت يوم الأحد الماضي، لبلورة مطالب نتنياهو من الإدارة الجديدة. وقال نتنياهو لوزراء الكابينت "إن ترامب ليس في جيب إسرائيل، كما أنه يتعين أخذ شخصيته بالحسبان وعدم كسر قواعد اللعبة، ناهيك عن أن ترامب يؤمن بإبرام الصفقات وبإدارة مفاوضات للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

وجاء هذا التوجه من نتنياهو بشأن الحذر في كل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني مع ترامب، مكملاً لمواقفه في الأسابيع الأخيرة التي طالبت الوزراء بعدم استفزاز الإدارة الأميركية وانتظار التنسيق مع ترامب وعدم اتخاذ خطوات مفاجئة، على أثر الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ترامب ونتنياهو في 23 من الشهر الماضي. وقد كشف نتنياهو في هذا السياق للوزراء أنه عندما أبلغ ترامب أنه ملتزم بحل الدولتين لكن الفلسطينيين يرفضون تقديم تنازلات ويرفضون السلام، أجابه ترامب "إنهم يريدونه وسيقدمون التنازلات".

ويبدو أن هذه المحادثة هي التي جعلت حكومة نتنياهو تعيد حساباتها في كل ما يتعلق بالمأمول من إدارة ترامب، وخفض سقف هذه التوقعات، خصوصاً بعد سلسلة "الخيبات" الإسرائيلية من تراجع ترامب عن تصريحاته خلال المعركة الانتخابية، ومنها تصريحاته في صحيفة يسرائيل هيوم التي قال فيها إن البناء الاستيطاني لا يفيد العملية السلمية، فضلاً عن التسويف في كل ما يتعلق بمسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.

وتقدر الجهات الإسرائيلية المختلفة، أن المواقف الأخيرة لترامب، تأثرت على ما يبدو بعدما أجرى عقب توليه منصبه رسمياً اتصالات مع الدول العربية، ولقائه بالعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، لجهة ترجيح العودة إلى السياسات التقليدية للإدارات الأميركية في ما يخص النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وبما يخدم المصالح الأميركية في المنطقة العربية، خصوصاً تعزيز التعاون والتحالف مع الدول العربية لمواجهة إيران.

ولعله من المفيد الإشارة في هذا السياق إلى تصريح القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة سابقاً، داني ديان، للإذاعة العسكرية، صباح أمس الثلاثاء. وقال ديان إن "أول لقاء بين رئيس الحكومة وبين الرئيس الجديد في الولايات المتحدة هو لقاء مهم، لكنني أسمع تقارير من البلاد وكأن الحادي والعشرين من يناير أو السادس عشر من فبراير سيغيران وجه العالم، وأقترح على الجميع أن يضعوا الأمور في حجمها الصحيح".

ويعكس هذا التصريح عملياً، حقيقة التوقعات الإسرائيلية في ما يتعلق بالملف الفلسطيني. ومن الواضح أن نتنياهو بات يدرك أنه لن يحصل على تأييد مطلق، وبالتالي فإن أهم ما يصبو إليه في هذه المرحلة، هو التوصل إلى تفاهم أولي مع ترامب على تكريس الوضع القائم حالياً، وإبداء تفهم أميركي، وليس بالضرورة موافقة، للضغوط الداخلية في ائتلافه الحكومي، بما يمكنه من تحريك بناء استيطاني منضبط إلى حد ما "وفق المنظور الإسرائيلي"، في الكتل الاستيطانية الكبيرة وداخل نطاق المستوطنات القائمة حالياً.

ولعله من المفيد الإشارة أيضاً إلى ما ذهب إليه رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ألوف بن، عندما وصف لقاء القمة بين نتنياهو وترامب بأنه "لقاء الخوف". ولفت إلى أن نتنياهو يدرك هذه المرة في ظل رئيس يعلن التأييد لإسرائيل، أنه فقد عملياً أهم أداة كانت له في ولايتي باراك أوباما، وهي محاولة استغلال ما أتاحته له الخريطة السياسية الداخلية في عهد أوباما، من استغلال التأييد الجمهوري والأغلبية الجمهورية في الكونغرس لمناكفة الرئيس الديمقراطي في البيت الأبيض. وقال بن إن الجمهوريين في الكونغرس، على الرغم من مقتهم للرئيس دونالد ترامب، إلا أنهم سرعان ما سيصححون مسارهم وفقاً لسياسته الرسمية، فيما لن يجد نتنياهو عند الديمقراطيين تأييداً ضد البيت الأبيض.

في المقابل، وفي ظل كل هذه المؤشرات، سيواصل نتنياهو بشكل لافت خطه الحالي بإبراز خطر إيران في المنطقة عموماً وضرورة اتخاذ خطوات ضدها وفرض عقوبات اقتصادية عليها، مع دراسة سبل فتح الاتفاق النووي مع إيران، من جهة، والسعي لوقف المد الإيراني في سورية ولبنان. لكن هذا الموضوع، الذي يقر نتنياهو بأن هناك اتفاقا شبه تام بينه وبين ترامب بشأنه، قد يرتد لاحقاً ضد نتنياهو في حال أدى التعاون والتحالف الأميركي مع الدول العربية في الخليج ومع مصر أيضاً، إلى نتائج في سياق مواجهة إيران وتنظيم "داعش"، وكنتيجة أو تحصيل حاصل لتفاهمات أميركية روسية، من جهة وأخرى عربية أميركية، تعيد إلى الأذهان سيرورات انعقاد مؤتمر مدريد الدولي للسلام، وجرّ إسرائيل إلى هذا المؤتمر بعد الحرب الدولية على العراق، إثر غزو الأخير للكويت.