"لعنة روسيا" تتمدد: شكوك حول وزير العدل وصهر ترامب

05 مارس 2017
سيشنز أثناء إعلانه "النأي بالنفس" بالملف الروسي (ميلينا مارا/Getty)
+ الخط -

ما زالت "لعنة روسيا" تطارد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتطيح المقرّبين منه، قبل إتمام المائة يوم الأولى الهامة في التقاليد الأميركية السياسية، وسط إصرار الديمقراطيين على ملاحقة "رجال ترامب"، أو الناشطين في حملته الانتخابية، المتورطين في اتصالات مع الروس، في الوقت الذي يتهمهم فيه الرئيس الأميركي بأنهم "يطاردون الساحرات"، في إشارة إلى "عبثية ما يقومون به". وبعد إطاحة الاتصالات مع الروس بمستشار الأمن القومي، مايكل فلين، بعد أسابيع من توليه مهامه مقدّماً استقالته، تُجبر تلك الاتصالات أيضاً وزير العدل الأميركي (المدعي العام)، جيف سيشنز، على النأي بنفسه عن التحقيقات المرتبطة باتصالات "رجال ترامب" بروسيا أثناء الحملة الانتخابية، وسط توقعات بإجبار سيشنز على الاستقالة أيضاً، بسبب "الكذب تحت القسم" أثناء جلسة إقرار تعيينه في الكونغرس.

ومن غير المتوقع أن يكون سيشنز آخر ضحايا "لعنة روسيا"، إذ بدأ الحديث عن اتصالات صهر ترامب، أحد كبار المستشارين في البيت الأبيض، جاريد كوشنر، بالسفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسلياك. وينظر إلى كوشنر باعتباره صاحب نفوذ كبير في إدارة ترامب، بالتنافس مع كبير موظفي البيت الأبيض، رينس بريبوس، وكبير استراتيجيي البيت الأبيض، ستيف بانون. جاء إعلان سيشنز، يوم الخميس، "النأي بنفسه" عن التحقيقات التي تتعلق بصلات حملة ترامب بالجانب الروسي، وهو "المدعي العام"، بمثابة إقرار بوجود "تعارض مصالح" في التحقيقات، تحديداً بعد اتهامه بالكذب تحت القسم، عندما نفى أي لقاء مع الروس العام الماضي، بينما تم إثبات لقائين له على الأقل مع السفير الروسي في واشنطن العام الماضي.

ونفى سيشنز خلال جلسة الاستماع التي عقدها مجلس النواب لتعيينه، عقده أي لقاء مع الروس خلال ارتباطه بحملة ترامب الانتخابية، ثم جدد نفيه لوسائل الإعلام لاحقاً، ما جعله في موقف حرج، عندما أقرّ بعقده لقاءين مع السفير الروسي، لكنه أكد أنه "لم يناقش حملة ترامب الانتخابية مع السفير الروسي". وطالبت رئيسة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، سيشنز بالاستقالة، بسبب كذبه تحت القسم، في الوقت الذي دافع فيه رئيس الأغلبية الجمهورية بول رايان، عن سيشنز، معتبراً أن "أعضاء الكونغرس يقابلون الكثير من السفراء بصورة دائمة"، إلا أنه لمّح إلى ضرورة نأي سيشنز بنفسه عن التحقيقات بصلات الروس مع حملة ترامب الانتخابية "إذا كان متورطاً".

وكان تعيين سيشنز وزيراً للعدل قد قُوبل برفض كبير من الأقلية الديمقراطية في الكونغرس، إلى حدّ وصف تعيين سيشنز بأنه "يمثل عودة إلى قوانين جيم كرو"، في إشارة إلى قانون الفصل العنصري في الولايات الأميركية الجنوبية، وذلك بسبب اتهامات لسيشنز بالعنصرية واتخاذ مواقف رافضه للإجهاض، وزواج المثليين، إضافة إلى معاداته للهجرة، خلال عمله مدعياً عاماً فيدرالياً في ولاية ألاباما لمدة 12 عاماً، قبل أن يُنتخب ممثلاً عن الولاية في الكونغرس. وسبق لمجلس الشيوخ أن رفض تعيين رونالد ريغان لسيشنز بوظيفة "قاض اتحادي" في ولاية ألاباما سنة 1986، بسبب مواقفه العنصرية.



وتأتي شبهات تورط جيف سيشنز بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، بسبب كونه من أوائل أعضاء الكونغرس الأميركي الجمهوريين الذين أعلنوا تبنيهم لترشح دونالد ترامب للرئاسة، ما جعله من المحسوبين على الدائرة الضيقة للرئيس. وكانت حملة ترامب الانتخابية قد أبعدت العام الماضي رئيس الحملة، بول مانفورت، ومستشار ترامب السياسي، كارتر بيج، بسبب صلات بالروس، وهو أمر مشابه لوضع سيشنز وكوشنر. ومن المستبعد أن يصمد سيشنز أمام الانتقادات الموجهة إليه، واتهامه بالكذب تحت القسم من قبل الديمقراطيين، ما يجعله في موقف ضعيف يصعب الدفاع عنه. وكان ترامب قد أكد "ثقته التامة" بسيشنز، قبيل إعلان الأخير "النأي بالنفس" عن التحقيقات الجارية حول صلات حملة ترامب بالروس، ما يضع الرئيس أيضاً بموقف صعب، يشبه تأكيده لثقته بمايكل فلين، قبيل إجباره على الاستقالة، الأمر الذي يعني أن مستقبل سيشنز السياسي على المحك أيضاً.

بدورهما، انتقد السيناتوران الجمهوريان، جون ماكين وليندزي غراهام، الكثير من خطط الرئيس الأميركي، تحديداً تلك المتعلقة بالهجرة، إضافة إلى انتقاد رؤيته للإسلام، في الوقت الذي طالبا فيه سيشنز بالنأي بنفسه عن التحقيق بـ"اللعنة الروسية"، مطالبين بتحقيق مستقل بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. كما انتقد غراهام خفض ميزانية وزارة الخارجية، معتبراً الخطوة "ضارة بالقوة الناعمة للولايات المتحدة"، في الوقت الذي أكد رفضه لرؤية ترامب للإسلام، قائلاً إن "إعلان الحرب على دين ستؤدي إلى خسارة الجميع".

واعتبر غراهام أن "هناك غموضاً في علاقة ترامب بالروس"، مشدّداً على أن "جيف سيشنز غير مؤهل للتدخل في هذا الموضوع". وأشار في حديثٍ لمحطة "سي إن إن"، إلى أنه "يجب معرفة العلاقة ما بين روسيا وحملة ترامب الانتخابية وحملة هيلاري كلينتون"، معتبراً أن "الجمهوريين غير سعداء بتدخل روسيا في الانتخابات. واليوم يستهدف الروس هيلاري كلينتون، وربما غداً يُستهدف الجمهوريون من الإيرانيين أو الصينيين".

أما ماكين فقد أكد أن "روسيا تحاول تدمير الديمقراطية"، متبنياً سردية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، لكن الشكوك حول "كيف تدخلت وهل نجحت في تدخلها أم لا"، داعياً إلى "الانتباه أكثر إلى الدور الذي تؤديه روسيا في أوروبا". وردّ أنصار ترامب على ماكين، متهمين إياه بأنه "يريد إشعال حرب مع الروس". مع العلم أن ماكين وغراهام، اللذين سبق لهما الترشح للانتخابات الرئاسية، من أكثر أعضاء الكونغرس الجمهوريين استقلالية داخل الحزب الجمهوري، وسبق لهما التعاون مراراً مع الديمقراطيين في قضايا يرونها متجاوزة لخلافات الحزبين، الديمقراطي والجمهوري. وتأتي انتقاداتهما في الوقت الذي ما زال الحزب الجمهوري يؤكد تبنيه الكامل لسياسات ترامب، من خلال تصريحات المتحدث باسم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، بول رايان.

المساهمون