"قسد" والإعلام: مضايقات تكبح الطموح

18 ابريل 2020
مضايقات تعرقل عمل الصحافيين (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
فتحت الثورة السورية الباب واسعاً أمام نشاط الإعلام البديل، لمواجهة وتفنيد الرواية الرسمية لنظام الأسد، بنقل الأخبار والصور عبر المحطات العربية والعالمية، ثم توسع هذا النشاط بعد اكتساب "الصحافيين الجدد" أو "المواطنين الصحافيين" خبرة ودراية في المجال. إلا أن العمل الإعلامي في سورية، والحديث هنا عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لا يزال يواجه مصاعب وعوائق، بدءاً بالمضايقات التي يتعرض لها الإعلاميون، مروراً بعدم القدرة على الاطلاع على مصادر الأخبار في ظل سلطات الأمر الواقع الجديدة التي تفتقد لأساسيات التعاطي مع المجال، وليس انتهاء بالإيقاف عن العمل أو الاعتقال. 

هذا الواقع ينطبق على العمل الصحافي والنشاط الإعلامي في مناطق شمال شرق سورية التي تخضع للإدارة الذاتية الكردية المسيطر عليها من قبل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، علماً أنها شهدت حركة إعلامية مكثفة، لتضم منصات عدة من إذاعات أو صحف الكترونية أو صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من إقرار الإدارة الذاتية عام 2016 قانوناً للإعلام ليكون نافذاً ومصدر ضبط للعمل الإعلامي في مناطقها، فلا تزال تتعرض للانتقادات من قبل الإعلاميين لجهة عدم تطبيقه.

يقول مدير مكتب "وكالة سمارت" الإخبارية السورية في مناطق الإدارة الذاتية، الصحافي أحمد برو، إن "المنطقة شهدت ثورة في المجال الإعلامي المرئي والمكتوب والمسموع، فظهرت عشرات الوكالات الإخبارية والقنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية، فضلاً عن افتتاح مكاتب تابعة لمؤسسات إعلامية عالمية في المنطقة"، في ظل ما وصفه بـ "هوامش حرية واسعة مقارنة بالمناطق الخاضعة لسلطة النظام أو المعارضة السورية".

في الوقت نفسه، يشير برو في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "مصاعب كثيرة لا تزال تواجه الإعلاميين، منها عدم القدرة على الحصول على المعلومة بشكل متساوٍ، نتيجة توجهات الإدارة في منح امتيازات خاصة لبعض الإعلاميين والمنافذ الموالية أو المقربة منها، ما يحول دون وصول بعض وسائل الإعلام وخاصة المعارضة لبعض سياسات الإدارة على المعلومة، إضافة إلى عدم نضوج وفهم لطبيعة عمل الصحافي والإعلامي، ومحاولات الربط بين بعض وسائل الإعلام المعارضة وجهات عسكرية وسياسية معارضة للإدارة، ما يشكل ضغطاً اجتماعياً ونفسياً على الصحافي والإعلامي، يضاف إلى ذلك طبيعة الإجراءات القانونية والضغوطات العامة التي تفرض على الصحافي للعمل وفق مسار محدد، خشية خسارته عمله أو إيقافه في حال تناول بالنقد الشديد ممارسات السلطات المحلية وتوجهاتها السياسية والعسكرية".

تنتشر في مناطق شرق سورية الواقعة تحت حكم الإدارة الذاتية الكردية العشرات من وسائل الإعلامية، كقنوات "روداو" و"روناهي" و"كردستان 24" و"زاغروس" و"روج آفا"، وإذاعات "آرتا إف إم" و"بوير إف إم" و"خابور إف إم" و"أوركيش إف إم" و"ولات إف إم" و"مشتى نور إف إم" و"سورويو" و"السنابل إف إم" و"صوت الرقة"، بالإضافة إلى الصحف الإلكترونية والمواقع كـ "آذار بريس" و"وكالة هاوار" و"الاتحاد برس" و"نورث برس" و"كورد ستريت" و"لاتي" وغيرها.

يلفت الصحافي في مؤسسة "آرتا إف إم" التي تضم عدداً من الوسائل الإعلامية المسموعة، دلوفان جتو، إلى أن "العمل الاعلامي شرق سورية أو المناطق الكردية قبل اندلاع الثورة كان محصوراً بالأحزاب السياسية وبشكل سري، عبر الصحف الحزبية وبعض المجلات التي تناولت مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها وظلت بعيدة عن عين الأجهزة الأمنية".

وبعد اندلاع الثورة السورية، يلاحظ جتو الذي عمل سابقاً مراسلاً لقناة "كردستان 24" انتشاراً في المنصات الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة، فضلاً عن المكاتب الخاصة بالمؤسسات الصحافية العالمية. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "أجواء عدة تهيّأت للعمل ميدانياً، لكن التحديات والعوائق لم تختف، فتعرض إعلاميون لمضايقات عدة، وبعضهم خسر حياته على الجبهات، وربما يكون السبب غياب خبرة الإدارة الذاتية في التعاطي مع الإعلام والعاملين فيه".

تعرّض الصحافيون والناشطون الإعلاميون في مناطق شرق سورية التابعة للإدارة الذاتية الكردية لانتهاكات مختلفة، منها الإيقاف عن العمل والنفي خارج المنطقة، علاوة على الاستهداف والقتل، وكان آخرها إيقاف مراسلة تلفزيون "الغد" ناز السيد والمصور المستقل بدرخان علي لمدة محددة عن العمل، بحجة استهزاء الأولى بأصحاب الإعاقة خلال تغطيتها، فيما اتهمت المصور بترويج انتشار فيروس كورونا المستجد في المنطقة، بالإضافة إلى سحب تراخيص عمل بعض الصحافيين.

الصحافي برزان فرمان الذي يعمل في "راديو بوير" تعرّض شخصياً لمضايقات عدة، نتيجة الإدلاء برأي مناهض لقرار صدر عن الإدارة الذاتية أو النظام السوري، ويوضح في تصريح لـ "العربي الجديد": "إذا كان هناك قرار غير صائب صدر عن كلتا الجهتين بخصوص مجتمعنا لا يمكنني أن أوصل فكرة، ويمكن القول إن حقوق الإعلام في سورية غير موجودة بتاتاً، الإعلام في سورية مجرد نقل صورة لمشهد أو حدث بعيداً عن النقد".

ويشير فرمان إلى أنه "ليست هناك رؤية محددة لتقييم الإعلام في المنطقة (شرق سورية)، سوى نقطة واحدة يجب علينا التركيز عليها، وهي إلزام الوسائل الإعلامية بالتقيد بالموضوعية والمهنية، سواءٍ في برامجها الإذاعية أو التلفزيونية أو حتى منشوراتها اليومية، ويبقى الإعلام وسيلة لنشر الأخبار. لكني أعتقد أن وسائل الإعلام في سورية عامة، وشمال وشرق البلاد خاصة، منحازة للحكومات أو لمنظمات خارجية تدعمها مالياً، وتطبق مشاريعها السياسية والاجتماعية عبرها".

ورغم اتساع مناطق شرق سورية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية إلا أن نشاط الصحافيين يتركّز بشكل رئيسي في مدينتي القامشلي وعامودا، بسبب الاستقرار النسبي الذي تعيشه المدينتان. وكانت الإدارة الذاتية قد أسست المكتب الإعلامي التابع لها في مدينة عين عيسى في ريف الرقة التي اتخذت منها عاصمة لها، إلا أن المكتب انتقل إلى عامودا مع كثير من الدوائر الرسمية بسبب قرب الاشتباكات من المدينة. والجدير بالذكر أن مناطق شمال وشرق سورية تعدّ نقطة جذب للعمل الصحافي بسبب تعاقب الأحداث عليها، كالمعارك التي شنها التحالف الدولي بمشاركة "قوات سورية الديمقراطية" ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، والعمليات العسكرية للجيش التركي بالتحالف مع "الجيش الوطني" السوري التابع للمعارضة على "قسد" وغيرها من الأحداث.

دلالات
المساهمون