أعاد مستوطنو "عوفرا"، وهي واحدة من أول ثلاث مستوطنات أقيمت في الضفة الغربية، اليوم الثلاثاء، إنتاج مشاهد الإخلاء الممزوجة باعتلاء مئات شبان المستوطنين سطح أحد البيوت المقرر هدمها، وقذف عناصر حرس الحدود بالشتائم ومطالبتهم برفض تنفيذ الأوامر، مع مشاهد "بكاء الفتيات"، في مسعى إسرائيلي واضح لترسيخ أكذوبة صعوبات هدم بيوت أقيمت أصلاً على أراض مسروقة من الفلسطينيين.
وتشكل قضية هدم البيوت التسعة، المقرر تنفيذها اليوم، أكبر ستار مضلل للحقيقة، وكذا أكاذيب الاحتلال الإسرائيلي، في تبرير مشروع الاستيطان، بدءاً من الادعاءات التي أطلقها الاحتلال أوساط السبعينات بشأن البناء على أراضي دولة وانتهاء بالاعتراف المعلن بأن أرض فلسطين كلها هي أرض إسرائيل التي عاد اليهود إليها بعد ألفي عام من المنفى، وأن الحق على هذه الأرض يأتي من الوعد الإلهي وليس من الأنظمة والقوانين سواء كانت الدولية أو الإسرائيلية.
فمع إبراز قرار المحكمة الصادر عام 2015 بهدم تسعة بيوت، يتم إخفاء حقيقة أن هناك أكثر من 400 بيت في مستوطنة "عوفرا"، أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، سلبت من أصحابها، أهالي قريتي سلواد وعين يبرود، منذ العام 1975.
ففي أواسط العام 1975، وبعد أن كان جيش الاحتلال قد نشر كلياته العسكرية غداة حرب 67 في مواقع الثكنات والمعسكرات التي كانت تابعة للجيش الأردني قبل الحرب، سعى جيش الاحتلال إلى إقامة سياج وسور لـموقعه العسكري، وأعطيت مهمة بناء السياج والسور لنواة من المستوطنين في حركة "غوش إيمونيم"، لتكون أول مستوطنة أيديولوجية للتيار الديني الصهيوني.
وخلال أيام، طالب المستوطنون بأن يسمح لهم باستخدام منشآت المعسكر الأردني ومباني الجيش الأردني سابقاً للمبيت فيها، وسمح لهم بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز. وتحولت هذه المنشآت بالخطاب الرسمي إلى معسكر عمل، يعمل فيه مدنيون لتزويد عناصر الجيش بالخدمات اليومية والحياتية.
وخلال أشهر، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن قرار رسمي ببناء مستوطنة "عوفرا"، على هيئة مستوطنة أهلية لأنصار حركة غوش إيمونيم الدينية، وكان بيريز، حاضراً في حفل التدشين وقام بزرع أول شجرة في الموقع.
وظلت المستوطنة محصورة في عدد سكانها، الذي لم يتجاوز الـ 150 عائلة إلى أن جاءت الانتفاضة الأولى وبدأ المستوطنون، في عهد حكومة الوحدة الوطنية بين حزبي العمل والليكود، باستيعاب عشرات ومئات عائلات المستوطنين الجدد، بعد بناء عشرات الوحدات السكنية على أراض فلسطينية خاصة مسجلة بأسماء أهالي سلواد وعين يبرود. وكانت تبعد عن مركز المستوطنة الأصلي 700 متر مما ضمن المصادرة والسيطرة على الأراضي الممتدة بين مركز المستوطنة وبين الحي الجديد، الذي كان أقيم بإيعاز من أرييل شارون، عندما كان وزيراً للإسكان.
وفي إبريل/ نيسان 2008 أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، آنذاك، حاييم رامون، في جلسة برلمانية أن 60 بالمئة من بيوت مستوطنة "عوفرا" أقيمت أصلاً على أراض فلسطينية خاصة وليس على أراضي دولة، فيما كان المستوطنون يسارعون الوقت لاستباق إصدار أمر احترازي بمنع توطين عشرات البيوت التي أقيمت على أراض خاصة. وفي العام 2011 أقرت لجنة تابعة للإدارة المدنية تبييض نحو 200 بيت في المستوطنة على الرغم من أنها أقيمت خلافاً للقانون الإسرائيلي، لافتقار المستوطنة إلى مخطط بناء شامل وخريطة هيكلية، بفعل كون غالبية أراضيها بملكية خاصة.
ومع اندلاع أزمة مستوطنة "عامونا" أوساط الصيف الماضي واقتراب موعد تنفيذ هدم البيوت المقامة هناك، التي جاء مستوطنوها أصلاً من "عوفرا"، وفي ظل أوامر الهدم المعلقة والالتماسات التي قدمها عشرات ومئات الفلسطينيين ضد مباني أقيمت على أراضيهم الخاصة في مختلف المستوطنات، تبين أن عدد هذه المباني المقامة على أراض خاصة، بعد سلبها، يصل وفق اعتراف جمعيات وقادة المستوطنين إلى نحو 4000 مبنى ووحدة سكنية.
وتم إعادة طرح قانون شرعنة المستوطنات بصيغته الحديثة التي أقرت نهائياً الشهر الماضي، لكنها لا تسري على البيوت التي سبق أن صدر بحقها أمر قضائي بالهدم، كما في حالة البيوت التسعة التي يتم إخلائها اليوم في مستوطنة "عوفرا".