"طالبان إسرائيل": لن تشرق العلمانية في بيت شيمش

09 سبتمبر 2014
الحاريديم في ازياد داخل إسرائيل (جاك جوز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يعيش المجتمع الإسرائيلي حرباً حقيقية، بين العلمانيين من جهة والمتدينين "الحاريديم" من جهة أخرى، منذ عقود طويلة تخرج إلى العلن بشكل دوري. وتيرة باتت تتصاعد أكثر في السنوات الأخيرة، وتعود للواجهة من جديد، لتؤكد الكراهية بين الفريقين، من خلال قضايا عينية، كان لمستوطنة بيت شيمش، غربي القدس، النصيب الأكبر منها.

من صور هذا الصراع، ما حدث مع افتتاح العام الدراسي الجديد قبل أيام، إذ قامت البلدية التي يسيطر عليها "الحاريديم" في أعقاب انتخابات عام 2013، باقتطاع جزء من مدرسة علمانية وتخصيصه لطالبات متدينات، مع بناء جدار فاصل داخل المدرسة وتحويلها إلى مدرستين. أمر أثار غضب العلمانيين، واعتبروه محاولة من المتدينين للسيطرة على المدرسة، بعدما باتوا يسيطرون على المستوطنة.


ووقفت وزارة المعارف الإسرائيلية إلى جانب العلمانيين، فقررت إغلاق مدرسة البنات المتدينات، فاعتبرت البلدية القرار موقفاً سياسياً. ولم تشفع لها تبريرات البلدية بأنها منحت البنات صفوفاً زائدة عن حاجة المدرسة لا يجري استخدامها، وأن هؤلاء الطالبات لا يجدنَ مكاناً آخر يتعلّمن فيه.

تظاهر العلمانيون ليغيروا قرار البلدية، ما جعل الاحتقان يزداد. لكن ملف المدرسة يضاف إلى ملفات كثيرة من الصراع والعداء والضغينة، على طريق ما يراه البعض اقامة "دولة طالبان" اسرائيلية، يسيطر فيها المتدينون على بيت شيمش، لكنها تنسحب على مستوطنات وبلدات اسرائيلية أخرى، خصوصاً في محيط القدس المحتلة.

من تلك الملفات، فوز مرشح حركة "شاس" المتشددة، التي تمثل "الحاريديم" برئاسة البلدية في العام 2013، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة للعلمانيين، الذين ادّعوا بدورهم أن الانتخابات شهدت عملية تزوير كبيرة، وخرجوا في تظاهرات غاضبة أفضت إلى قرار صادر عن المحكمة، قضى بإعادة الانتخابات، لكن "الحاريديم" فازوا في الانتخابات المعادة أيضاً.

ولم تكن الانتخابات محلية قط، فقد اتخذت بعداً أوسع، حين تدخل السياسيون، وزار أعضاء كنيست كثيرون بيت شيمش في تلك الفترة، وانحازوا إلى هذا الطرف أو ذاك، كل حسب أيديولوجية حزبه وأجندته.

وعلت أصوات علمانية تطالب بتقسيم المدينة إلى مدينتين، إحداهما للعلمانيين وأخرى للمتدينين، وأصوات أخرى طالبت بفصل بين الأحياء. وهذه التصرفات تؤكد أن الطرفين لن يستطيعا العيش معاً.

ليست تخوفات العلمانيين، من سيطرة "الحاريديم" وليدة الصدفة، فالمستوطنة المختلطة، وجدت إقبالاً كبيراً للمتدينين، الذين وجدوا بالأسعار المقبولة نسبياً لتحصيل وحدات سكنية، فرصة للتغلغل فيها وزيادة عددهم، وشجعهم على ذلك أيضاً وجودها بمحاذاة القدس المحتلة.

وزادت بعض الحوادث الطين بلّة، حين تم الاعتداء على نساء علمانيات، بسبب عدم وضعهنّ غطاء على الرأس. في العقد الماضي، على سبيل المثال، اعتدى متشددون يهود على سيدة علمانية أثناء سفرها في المواصلات العامة في بيت شيمش، مما أثار حالة كبيرة من التوتر والغضب، وتحولت المستوطنة إلى ساحة مواجهة منذ تلك الفترة.

لكن الحادث الذي لقي أصداء إعلامية أكبر كان عام 2011، فقد شهدت القدس حملات من قبل "الحاريديم" لاستبعاد النساء من الشوارع والأماكن العامة، والفصل بينهنّ وبين الرجال في المرافق المختلفة والمواصلات العامة. وفي ذروة هذا الصراع الذي واجهه العلمانيون بحملات مضادة، قام متدينون يهود بالاعتداء على طفلة في السابعة من عمرها، في بيت شيمش، من خلال البصق عليها وإلقاء الحجارة باتجاهها وسبها، لمجرد عدم وضعها غطاء على الرأس، مما أشعل الوضع من جديد. 

وسجل العام 2008 حادثة أخرى عُرفت في الصحافة الإسرائيلية باسم "الأم طالبان"، حدثت أيضاً في بيت شيمش، وتم خلالها الكشف عن يهودية تغطي جسدها بشكل كلي، بما في ذلك وجهها، وهو الأمر الذي لم يعهده الإسرائيليون من قبل، وليتعرّفوا بذلك إلى شريحة أخرى من اليهوديات المتدينات، لم تكن في حساباتهم.

وما أدى إلى الكشف عن السيدة في حينه، هو ارتباطها بقضية عنف شديد ضد اطفالها، بحسب ما تناولته الصحافة الإسرائيلية، وتم سجنها بعد اعتقالها بتهم تعذيبهم وكيّهم وإطفاء السجائر بأجسادهم لسنوات طويلة، عدا تجويعهم والتنكيل بهم بطرق أخرى. وأثارت هذه الحالة هلعاً في صفوف العلمانيين، تعدت بيت شيمش إلى بلدات إسرائيلية أخرى. 

صراع ديمغرافي

يقدّم الصراع بين "الحاريديم" والعلمانيين في بيت شيمش، نموذجاً عن الوضع القائم في العديد من البلدات والمستوطنات الإسرائيلية. صراع محموم، يتخذ أشكالاً مختلفة، ويخلق حرباً ديمغرافية على الوحدات السكنية، ومحاولات للهيمنة والسيطرة الجغرافية بين الفريقين.

ويزيد هذا الوضع من حالة التخبط في أوساط الحكومات المتعاقبة، وحتى داخل الحكومات نفسها. فهناك من يرى أهمية في إقامة بلدات خاصة لليهود المتدينين، وآخرون يصرّون على دمجهم في البلدات المختلفة، وكسر الحواجز بينهم وبين العلمانيين.

ومن الأمثلة على هذا التخبط، ما حصل عام 2011، حين قررت وزارة الاسكان اقامة بلدات مستقلة خاصة بالمتدينين المتشددين، في حين خالفتها وزارة الداخلية الرأي، ورأت أن من الأفضل دمجهم مع الآخرين.

ومن البلدات الأخرى التي يدور فيها صراع للسيطرة على المكان، مدينة "كريات جات" في الجنوب، التي أثارت الصحافة الإسرائيلية الموجهة لجمهور المتدينين اليهود، العام الماضي، قضية تحولها الى بلدة "حريدية" على غرار بيت شيمش، في ظل استهدافها ديمغرافياً من قبل "الحاريديم"، الذين باتوا يقصدونها بقوة للسكن فيها، لتعلن الصحافة العلمانية حالة النفير العام في حينها، فخرجت بعض الأصوات في المدينة تقول "لا نريد تحويل بلدتنا إلى بيت شيمش أخرى".

المساهمون