"طالبان" الأفغانية بين قيادتين

03 نوفمبر 2015
مقاتلون سابقون في "طالبان" بعد تسليم سلاحهم بيوليو الماضي(الأناضول)
+ الخط -
وقع أخيراً ما خشيت منه قيادات حركة "طالبان" أفغانستان، وفي المقدّمة زعيم الحركة الملا  أختر منصور؛ هو الانشقاق في صفوف حركة "طالبان"، وانقسامها إلى جماعتين.

وعلى الرغم من محاولات كثيرة لم يتمكن الملا منصور من إرضاء القياديين المعارضين له بسبب تعيينه خليفة الملا عمر وزعيم الحركة، معتبرين تعيينه أمراً واقعاً بمباركة الاستخبارات الباكستانية، وبإشراف مباشر منها، خلافاً لما ينص عليه دستور الحركة، وهو تعيين الخليفة من خلال شورى الحل والعقد.

اقرأ أيضاً: قوة خاصة لـ"طالبان" لمحاربة "داعش"... وخسائر أمام الحكومة الأفغانية

وذكرت صحفية "إيكسبريس تريبيون" الباكستانية، التي تُعنى بشؤون "طالبان"، ومعروف بأنّها تسرب معلومات من داخل الحركة، أن الجلسة الأخيرة لما يعرف بـ"شورى الإمارة الإسلامية" عُقدت في إقليم زابل في جنوب أفغانستان، وقد تم تعيين الملا محمد رسول، أحد القياديين الذين ساهموا في تأسيس حركة "طالبان"، ومن المقرّبين إلى الزعيم الراحل الملا عمر، زعيماً جديداً لها، على أن يكون القيادي الأهم في الحركة عسكرياً المولوي منصور دادالله النائب الأول له، والمولوي شير محمد، نجل أحد قادة الجهاد السابقين المولوي نصر الله منصور نائباً ثانياً له.

ونقلت الصحيفة عن قيادي في "طالبان" لم تسمه، قوله، إنّ تعيين الملا رسول جاء باتفاق الأعضاء الذين شاركوا في الجلسة، التي عُقدت في منطقة نائية من إقليم زابل. ويُعد الأخير مركز ثقل الملا منصور داد الله، القيادي المعارض للملا أختر منصور، والمنشق عن الحركة بسبب خلافات داخلية قبل الإعلان عن وفاة الملا عمر.

وعلى الرغم من أن الأمر لم يتم الإعلان عنه رسمياً، كما لم تعلق عليه حركة "طالبان"، بعد، غير أن الأفغان كانوا يترقبون وقوع الانشقاق داخل الحركة، ولا سيما أن المتحدث باسم القياديين المعارضين (شورى الإمارة الإسلامية)، وهو القيادي السابق في الحركة الملا عبد المنان نيازي، حاكم إقليم هرات إبان حكومة "طالبان"، والمتحدث الرسمي باسمها آنذاك، قد أكد مراراً أنهم سيعلنون قريباً عن تعيين زعيم جديد لحركة "طالبان".

وأكد نيازي قبل ثلاثة أيام أن شورى الإمارة الإسلامية، الذي يضم قيادات سياسية وعسكرية بارزة في الحركة يعلن قريباً، وفي غضون أيام، عن زعيم جديد للحركة، رافضاً زعامة الملا أختر منصور.

وزادت التوقعات أخيراً بانشقاق الحركة وانقسامها إلى جماعتين متنافستين، بعدما فشلت جهود اللجنة التي شكلت بقيادة الملا محمد، شقيق الملا رباني الراحل، نائب الملا عمر، إبان حكومة "طالبان" في أفغانستان.

وألقت اللجنة آنذاك اللائمة على زعيم الحركة الذي رفض النقاش بشأن الزعامة. وكانت اللجنة المكونة من علماء دين وقيادات في الحركة قد قررت انعقاد شورى الحل والعقد ليتم تعيين خليفة الملا عمر من جديد، ولكن منصور رفض ذلك.

ويعد الملا محمد رسول من أحد أهم القياديين في الحركة منذ تأسيسها، وهو من سكان إقليم فراه غرب أفغانستان. وكان عضو المجلس التنفيذي في حركة "طالبان" منذ تأسيسها. كما شغل منصب حاكم إقليم نيمروز لفترة وجيزة. ويعدّه البعض بمثابة السكرتير الخاص للملا عمر.

أما نائبه الأول الملا منصور دادالله، فهو شقيق الملا دادالله الذي قُتل في إقليم قندهار في مايو/أيار عام 2007. وكان زعيم الحركة الحالي الملا أختر منصور قد اتهم آنذاك بالضلوع في قتل الرجل، كما يدعي أخوه الملا منصور ددالله.

أما النائب الثاني للمولوي رسول فهو المولوي شير محمد منصور، نجل القائد الجهادي الشهير أيام الغزو الروسي لأفغانستان المولوي نصر الله منصور. وينتمي منصور إلى أسرة عريقة في جنوب أفغانستان، لها نفوذ كبيرفي الأقاليم الجنوبية الثلاثة: بكتيا وبكتيكا وخوست. ويمكن القول إنّ القوة العسكرية للمعارضين للحكومة في تلك الأقاليم الثلاثة منذ أيام الجهاد الأفغاني ضدّ الروس وحتى اليوم تنقسم بين أسرتين؛ أسرة  المولوي جلال الدين حقاني، وابنه الملا سراج الدين حقاني، نائب زعيم "طالبان" الملا أختر منصور. وأسرة الملا نصر الله منصور وابنه المولوي شير محمد، نائب الملا رسول. وبالتالي، فإن هذا الانشقاق يُنذر بوقوع احتكاكات بين الأسرتين والتيارين الدينيين في المستقبل في جنوب أفغانستان.

وتضم الجبهة المعارضة للملا أختر منصور قيادات مهمة سياسية وعسكرية منهم على الصعيد السياسي، الملا حسن رحماني، الذي شغل منصب حاكم إقليم قندهار بعد سيطرة الحركة عليه في 1995، وهو عضو المجلس التنفيذي. والمولوي جليل، نائب وزير الخارجية في حكومة "طالبان". والمولوي عبد الرزاق، وزير الداخلية في حكومة "طالبان".

كما يُعدّ رئيس المجلس العسكري السابق الملا قيوم ذاكر من أهم المعارضين لزعيم الحركة الملا أختر منصور، ويملك الرجل نفوذاً واسعاً في أوساط القيادات الميدانية، إذ إنه بقي سنوات عديدة مسؤول المجلس العسكري.

ونطراً إلى الشخصيات التي تضمها الجبهة المعارضة لزعيم الحركة الحالي، والواقع الميداني، فإن التيار المنشق عن الحركة سيكون له ثقل سياسي وعسكري كبير.

ويطرح مراقبون تساؤلات حول مصادر دعم هذه الجبهة المنشقة مالياً وسياسياً، لاسيما أن مصادر الدخل المالية للحركة جميعها في يد الملا أختر منصور، الذي يحسبه البعض على الاستخبارات الباكستانية.

مع العلم أن أصوات ارتفعت أخيراً في البرلمان الأفغاني ومجلس الشيوخ والأروقة السياسية تطالب الحكومة الأفغانية بالاستفادة من هذه الفرصة، وهو ما لمح إليه المتحدث السابق باسم الجيش الباكستاني الجنرال أطهر عباس، قائلاً  إن أفغانستان أمامها خياران: المفاوضات مع أختر منصور وهو يمثل حركة "طالبان"، أو العمل لانقسام الحركة. ويبدو على حد قوله، أن أفغانستان تهتم بالأمر الثاني.

وتجدر الإشارة إلى أن زعيم حركة "طالبان" الحالي الملا أختر منصور حاول جاهداً أن يرضي القياديين المعارضين له بدون أن يتنازل عن زعامة الحركة، وقد تمكن من إرضاء أسرة الملا عمر، المتمثلة في أخيه الملا منان ونجله الملا يعقود. غير أن الملا منان نيازي، المتحدث باسم التيار المعارض للملا أختر منصور، قال إن أسرة الملا عمر رضيت بزعامة الملا أختر، بسبب الضغوط المتزايدة عليها، وخوفاً من تهديدات أمنية جمة.

ويرى مراقبون أن انقسام "طالبان" أمر كانت الحكومة الأفغانية تنتظره وتعمل لأجله، وأن تكثيف حركة "طالبان" من عملياتها في شمال البلاد وجنوبها أخيراً، والتي خسرت من خلالها المئات من مسلّحيها هدف إلى إشغال الناس، خصوصاً مسلّحي الحركة وقياداتها، عن الخلافات الداخلية. ولكن يبدو أن تلك المحاولات جميعها لم تأت أكُلها وقد تعرضت الحركة فعلاً لانقسام بعد أكثر من عشرين عاماً على تأسيسها.

اقرأ أيضاًطالبان باكستان تنفي اتحادها مع نظيرتها الأفغانية

المساهمون