"طالبان" إلى مزيدٍ من التفكك... قياديون يتفاوضون مع كابول

02 مايو 2016
هدأت الأوضاع العسكرية في إقليم هلمند (محمد فهيم عابد/الأناضول)
+ الخط -
كلما طُرحت في الأوساط الإعلامية والسياسية، قضية مصالحة حركة "طالبان" مع الحكومة الأفغانية، تصدّر اسم الملا، عبد القيوم ذاكر، طليعة قائمة المعارضين للحوار مع الحكومة، التي تصفها الحركة بـ"العميلة". وفي هذا السياق، نُشرت الكثير من الأخبار في الأيام الأخيرة حيال ذاكر، الذي ترأس اللجنة العسكرية في "طالبان" لسنوات طويلة، وهو معروف في صفوفها بعلمه وحنكته العسكرية. ومن الأخبار التي برزت، كانت تلك التي تُظهر تفاوض الرجل وقياديين آخرين في الحركة مع الحكومة، على عكس موقفه السابق، وموقف "طالبان" الحالي الرافض الحوار والمصالحة.

بعد أيام من إعلان "طالبان" مبايعة ذاكر زعيم الحركة الحالي، الملا أختر منصور، الملقّب في صفوف الحركة بـ"أمير المؤمنين"، بوساطة العلماء وقياديين في الحركة، تداولت وسائل إعلام محلية نبأ الحوار بين ذاكر والحكومة الأفغانية. وأثار هذا الأمر استغراب جميع الأوساط الأفغانية، وأقلق "طالبان".

في البدء، سيطر الترقّب على القضية، إذ كان ذاكر يتهم دائماً الحكومة بـ"العميلة"، وكان الحوار أحد أبرز أسباب خلافاته مع قيادات "طالبان"، إلا أن رسالة ذاكر إلى الحركة، التي دعاها فيها إلى الحوار مع الحكومة، تفيد بأنه فعلاً غيّر موقفه. ويدعو ذاكر، في رسالته، القيادة إلى "تغيير سياساتها إزاء الحكومة الأفغانية وإزاء المجتمع الدولي، والتفاوض مع الحكومة الأفغانية ومع الولايات المتحدة، لأجل إيجاد حلّ نهائي للقضية".

في هذا الصدد، تكشف صحيفة "سرخط" المحلية، نقلاً عن مصدر حكومي رفيع، لم تذكره، أن "عدداً من القياديين في حركة طالبان، بزعامة الملا عبد القيوم ذاكر، بدؤوا الحديث مع الحكومة الأفغانية سراً"، مشيرة إلى أن "مواقف قيادة الحركة الأخيرة تسببت في تغيير الكثير من القادة مواقفهم".


وتضيف الصحيفة أن "هؤلاء القادة فضّلوا الحديث مع الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية، بدلاً من تعرّضهم لضغوطات باكستانية، لا سيما القيادات المناوئة لسياسات قيادة الحركة وسياسات باكستان"، في إشارة إلى اعتقال واغتيال قيادات عارضت المواقف الأخيرة. ويبدو أن الحوار بين ذاكر ومؤيديه مع الحكومة، قد أثّر على الوضع الميداني في بعض مناطق الجنوب، بعد انسحاب القوات المسلحة من بعض المناطق، مما طرح تساؤلات كثيرة.


لم يعرف أحد السرّ من وراء الانسحاب، مع أن الأقاويل كثرت بشأنه، إلا أن الصحيفة تدّعي بأن الحكومة الأفغانية تركت تلك المناطق لأتباع ذاكر وقياديين موالين له. وأن الهدف من وراء ذلك، كي يتمكن هؤلاء من إنشاء قواعد لهم داخل أفغانستان، وكي يُنهوا سيطرة باكستان، وفق ادّعاءات الصحيفة.

ومن بين القادة الذين بدأوا التفاوض مع الحكومة تحت إمرة ذاكر: الملا عبد المطلب، والملا فيضو، وحافظ غلام، والمولوي عزيز الله، وقاري محب الله. وجميعهم قادة ميدانيون في جنوب أفغانستان، ويملكون نفوذاً قوياً في هلمند وقندهار وزابل، مع العلم بأنه بعد تعرّض "طالبان" لخلافات داخلية حادة، وتوزّع الحركة إلى جماعات عدة، بدأت "شبكة حقاني" تبذل جهوداً حثيثة لترميم الصف الطالباني. وفي هذا الإطار، تمّ تعيين الملا يعقوب، نجل زعيم الحركة الراحل الملا محمد عمر، رئيساً للجنة العسكرية، وعمه، الملا عبد المنان، عضواً للمجلس المركزي للحركة.

ويُعتبر أن الهدف من إجراء تلك التعيينات هو تفادي أكبر قدر ممكن من الخلافات، التي عصفت بحركة "طالبان"، بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر في يوليو/تموز من العام الماضي. ونتيجة لتلك الجهود جاءت مبايعة بعض القياديين لزعيم الحركة، الملا أختر منصور، بعد أن رفضوا ذلك في بداية الأمر.

ثمة من يرى أن "شبكة حقاني"، كونها أكثر تنظيماً من "طالبان" وأكثر قرباً من باكستان، تحاول بسط السيطرة على قيادة الحركة. ويرى بعض القادة أن "شورى كويتا" (ما تبقى من حكومة طالبان) على وشك الانهيار بسبب انعدام الثقة بين أعضائها، وذلك لتعرض بعض قيادييها لاغتيالات واعتقالات غامضة، ودخول وجوه غير معروفة في أوساط الحركة إلى الصف القيادي.

وإن صحّ أن "شورى كويتا" فعلاً على شفا الانهيار، وفي حال توصّل الملا ذاكر وأنصاره إلى اتفاق مع الحكومة الأفغانية، فإنهما سيشكلان خطراً كبيراً على "طالبان"، وقد تطرح تساؤلات حول مستقبلها، لا سيما أن ثمة محاولات في أن تحلّ "شبكة حقاني" محل "شورى كويتا" بعد أن توزّعت إلى جماعات عدة.

في هذا السياق، يشير نائب في البرلمان الأفغاني، حميد زاي لالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحركة انقسمت إلى جماعات عدة، أهمها: جماعة الملا منصور، وجماعة الملا رسول، وجماعة عبد القيوم ذاكر". ويؤكد لالي أن "ذاكر وكثيرين من قادة الحركة يتحاورون مع الحكومة الأفغانية، للتخلّص من قبضة باكستان، وأن آثاراً كبيرة ستنجم عن التطور". ويبدو أن لمفاوضات قادة الحركة مع الحكومة، انعكاسات إيجابية، والتحسّن في الوضع الأمني في إقليم هلمند أكبر مثال على ذلك. كما أن القضية ستُشجع قادة ميدانيين آخرين على الانضمام إلى عملية الحوار.

الجدير بالذكر أن وفوداً من الحزب "الإسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار زارت كابول أخيراً، ولا يزال وفد مهم من الحزب يجري الحوار مع الحكومة. وتشير تسريبات صحافية إلى أنه "هناك اتفاق وشيك بين الطرفين، وأن زعيم الحزب والقائد الجهادي السابق، قلب الدين حكمتيار، سيأتي قريباً إلى العاصمة الأفغانية كابول، لينخرط في العمل السياسي". وهو ما سيضاعف مهمة قيادة "طالبان"، التي تحاول الحفاظ على وحدة الصف، وتواجه أعداءً، عدد كثير منهم هم من المنشقين عنها ومن المعارضين لها. وذلك علاوة على الضغوطات التي قد تمارسها باكستان عليها، تحديداً بعد موقف الحكومة الأفغانية الأخير، التي أكدت أن باكستان تعهّدت بالعمل الميداني ضد الحركة إذا ما رفضت هي الحوار، وهي فعلت ذلك.

المساهمون